ارتفاع ترمومتر الانتخابات الرئاسية الفرنسية

تقرير/ قاسم الشاوش –
بدأ العد التنازلي للسباق المحموم للانتخابات الرئاسية الفرنسية بين عدد من الفرنسيين يتصدرهم الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي يمين الوسط الذي نظم حملة شاملة طوال شهرين منذ اعلانه عن خوضه السباق للفوز بولاية ثانية والمرشح الاوفر حظا زعيم الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند الذي يأمل في الفوز على ساركوزي وان صحت استطلاعات الرأي فيمكن لهولاند أن يفوز بفارق يزيد بعشرة بالمائة..
منافسة شرسة يخوضها المرشحون في تلك الانتخابات التي تجرى على مرحلتين المرحلة الاولى في الـ22 من الشهر الجاري ومرحلة الاعادة بين ابرز المرشحين في السادس من مايو المقبل وهي المرحلة التي ستحدد من هو رئيس فرنسا الجديد.. حيث يعد ساركوزي الذي اثار إعلانه رسميا الترشح لولاية رئاسية ثانية موجة انتقادات من مرشحي الرئاسة المنافسين وصلت إلى حد الدعوة إلى طرده من الإليزيه بينما أكد ساركوزي أن تركه للرئاسة حاليا في ظل وجود أزمة سيكون بمثابة «تركه للسفينة».. اكثر رؤساء البلاد جدلا منذ الحرب العالمية الثانية فهو بالنسبة لانصاره قائد حازم ورجل دولة قاد فرنسا خلال الازمة الاقتصادية وبالنسبة لمعارضيه فهم يرون أن اسلوبه الاداري أدى إلى انقسام المجتمع الفرنسي.
كما يخوض غمار التنافس أيضا في المركز الثالث جان لوك ملنيشون اليساري الشرس الذي هز برنامجه المعارض للرأسمالية انتخابات الرئاسة الفرنسية وبحسب استطلاعات الرأي بامكانه حصد 14% من اصوات الجولة الاولى.
وبين ابرز المرشحين أيضا مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينية التي كافحت من اجل الحفاظ على بداية جيدة لحملتها الانتخابية على الرغم من طرحها موضوعات تقليدية للحزب تتعلق بالهجرة والامن..
ثم يأتي الوجه المألوف المرشح الوسط فرانسوا بايرو الذي خاض سباقين ماضيين للرئاسة حيث تشير استطلاعات الرأي إلى مرتبته الخامسة في السباق من حيث امكانية حصد الاصوات..
لكن إلى الآن لم تحسم اللعبة لصالح أي طرف خاصة بين هولاند الأوفر حظا حسب الاستطلاعات وساركوزي الذي يبدو أنه لا يرغب في الاستسلام بتاتا وهو ما يطرح التساؤلات الكبيرة حول ماهية هذا الشعور الذي يجرف الرئيس ساركوزي هل يتعلق الأمر بـ «ثقة كبيرة في النفس أم حب جارف للسلطة»¿ ذلك ما يدفع رئيس جمهورية بشعبية متدهورة إلى إعادة ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية رغم أن جميع استطلاعات الرأي وبالتحديد اثنا عشر استطلاعا أكدت أن شعبيته في انحدار حتى قيل عنه إنه الرئيس الأقل شعبية في تاريخ فرنسا..
وتتسم الانتخابات الفرنسية بأهمية خاصة هذا العام مقارنة بسابقتها وهذه الأهمية لا ترتبط بكونها صراعا أشبه بصراع الديوك بين العديد من القوى السياسية للإطاحة بساركوزي ولكن لأنها أول انتخابات تجري في دولة أوروبية كبري عقب أزمة اليورو التي فرضت الكثير من التساؤلات حول الوحدة الاقتصادية الأوروبية والعملة الموحدة..
وسيركز ساركوزي كثيرا في حديثه الانتخابي على هذه الجزئية الأوروبية حيث دافع الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته كثيرا عن اليورو وسعى إلى تحقيق تحالف مع المستشارة الألمانية أنجيلا مريكل لإنقاذ الدول المتعثرة ولكن كافة استطلاعات الرأي توضح أن الرئيس الحالي يواجه صعوبات كبيرة لإقناع الفرنسيين بتفضيله على منافسه الاشتراكي فرنسوا هولند..
كمايعاني ساركوزي أيضا من كثرة المرشحين المنافسين من داخل اليمين والوسط حيث ترشح من معسكر اليمين رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان ووزير الدفاع السابق هيرفيه موران ووزيرة شئون العائلة السابقة كريستين بوتان ورغم أن أيا من هؤلاء قد لا يتجاوز نسبة تأييد الـ5% فإنهم يشتتون أصوات اليمين ويحرمون الرئيس المنتهية ولايته منها مما يؤثر على فرص فوزه بولاية ثانية..
ويصعب الآن التكهن بحظوظ هذا المرشح أو ذاك للفوز بالاستحقاقات الرئاسية القادمة على الرغم من أن استطلاعات الرأي ترجح كفة فرانسوا هولاند للفوز في الدور الثاني مع العلم أن النسب متقاربة بين المرشحين على الأقل في الدور الأول لكن يجب توخي الحذر من هذا النوع من التكهنات بحكم أن الناخبين الفرنسيين يغيرون رأيهم في آخر لحظة وبالتالي فإن الفئة المبتعدة عن التصويت هي التي ستحسم في مصير الاستحقاق الرئاسي. فأصوات الجبهة الوطنية المعروفة باليمين المتطرف ستذهب إما لصالح ساركوزي أو لصالح هولاند الذي تشير اغلب التوقعات إلى إن العرب والمسلمين سيدعمونه انتقاما من الرئيس الحالي..
ففي فرنسا لا يتم تعريف الناخبين بحسب الأصول والديانات لأن القانون يمنع هذا التصنيف وبالتالي فلا نعرف هل الفرنسيون المنحدرون من أصول عربية وإسلامية أو أجنبية كالأفارقة سيصوتون على ساركوزي أم هولاند لكن يمكن القول بأن الكثير من المغاربيين وبسبب تذمرهم من سياسة ساركوزي وباعتبارهم أكباش فداء لسياسته فهم يميلون أكثر للتصويت لصالح اليسار ممثلا في فرانسوا هولاند.
فأطروحات هولاند أقرب لقضايا المهاجرين وبالتالي احتضانه للعديد من الفعاليات المغاربية سواء الجزائريين أو المغاربة وإدماجهم في طاقمه الانتخابي وهذا عامل أساسي سيدفع بالكثير من العرب إلى دعم هولاند.
أما على مستوى السياسة الخارجية فعلى الرغم من أن ساركوزي ساهم بشكل قوي في قتل القذافي وكان وراء تدخل الحلف الأطلسي في ليبيا فإن صورته مشوشة في العالم العربي بحكم مساندته لإسرائيل وحتى وإن كان قد قال مؤخراٍ إنه مع دولة فلسطينية لكنه يبقى دائما في أعين العرب محسوبا على إسرائيل. فساركوزي لا يحظى بشعبية في الوسط المغاربي وفي الوسط العربي بشكل عام… وهناك أيضا قضايا الإسلام التي طرح فيها وزير الخارجية فكرته حول التفاوت بين الحضارات والتي أثارت سجالا كبيرا في فرنسا ثم هناك قضية الحجاب. فوزير الخارجية يعتبر من بين الأشخاص القريبين من أطروحات الجبهة الوطنية ومثل هذه المواضيع أصبحت كالخبز اليومي لبرنامج الحزب الحاكم الذي يقوده ساركوزي.
ويرى محللون أن حظوظ الجبهة الوطنية تضاءلت للانتقال إلى الدور الثاني ولا يبقى أمامها إلا المزايدات. فمنذ ثلاثة أيام دار نقاش حاد حول مسألة اللحم الحلال في فرنسا بحيث أن مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة قالت إن جميع الفرنسيين وخصوصا في باريس لا يستهلكون إلا اللحم الحلال وقد كذب ساركوزي هذه الفكرة لا حبا في المسلمين لكن لكي يبقى صاحب المبادرة في كل ما يتعلق بقضايا الإسلام.
و تنتظر الجاليات العربية والإسلامية من الرئيس الفرنسي القادم إعادة النظر في صورة المسلمين وكذا العمل على محاربة كل ما يتعلق بمعاداة الإسلام ورد الاعتبار إلى الطلبة المغاربيين الذين يدرسون والذين يرغبون في البقاء في فرنسا للعمل وتغيير القوانين التي تم سنها وتطبيقها من طرف ساركوزي. كما يجب إعطاء فرص متكافئة للمغاربيين والعرب بشكل عام أي إعادة رد الاعتبار للمهاجرين العرب وشؤونهم في فرنسا.
حديث انتخابات الرئاسة الفرنسية يعم شوارع باريس ومقاهيها ونواديها وقليل هم المتفائلون بعهد ذهبي يتمكن من انتشال الأمة من وحول المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والفضائح السياسية التي تفوح منها رائحتا الفساد غيرها من القضايا..
سته أيام تفصل الفرنسيين عن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة ولا يزال المرشح الإشتراكي فرنسوا هولاند يحتل الصدارة في استطلاعات الرأي متقدما على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بفارق يصل تارة إلى عشر نقاط مئوية وينخفض تارة أخرى إلى ست نقاط. وتلعب البرامج الالكترونية الحديثة والتطور الذي طرأ على شبكة الانترنت مع تعدد مواقع التواصل الاجتماعي دورا محوريا هذا العام في الحملات الانتخابية..
وفيما يتوقع بلوغ ممثلي أكبر حزبين في البلاد “الاتحاد من اجل حركة شعبية” (ساركوزي) و”الإشتراكي” (هولاند) المرحلة الحاسمة التي تشهدها الجولة الثانية في السادس من (مايو) المقبل تستمر ثلاث سيدات وخمسة رجال آخرين في السباق إلى الاليزيه أملا في تفجير مفاجأة ما تخلط الأوراق جيدا وتكذب الأرقام التقديرية..
بشكل عام يمكن القول إن هناك العديد من التحولات السياسية والمجتمعية التي تشهدها فرنسا اليوم والتي ستلعب دورا بارزا في الانتخابات الرئاسية القادمة. ومن المهم الإشارة إلى أن الوضع الديموجرافي الفرنسي لا يعني بالضرورة ضمانا كافيا لاستمرار اليمين في الفوز بمنصب الرئاسة في فرنسا. ومن جهة أخري فإن موجة الإضرابات والاحتجاجات العنيفة التي عصفت بفرنسا في أواخر عام 2010م ليست ضمانا كافيا لفوز اليسار في تلك الانتخابات. ولكن علي أي حال يمكن اعتبارها دليلا كافيا علي أن اليمين سيواجه انتخابات شديدة الصعوبة في 2012م.

قد يعجبك ايضا