أفراح …طموحات تقف بوجه القدر

كتبت / بلقيس الحنش –
لسنا هنا أمام قصة نسجت من الخيال أو حكاية عادية إنما هي تجربة أخذنا تفاصيلها من الواقع المليء بالمفاجآت الجميلة والغريبة والسيئة أحيانا
إننا نقف الآن أمام إحدى الفتيات اللائي جعلن من صعوبات حياتهن إلى أدوات لمواصلة مسيرتهن أننا أمام إنسانة تمتاز بدرجة أولى بالابتسامة الرائعة التي لا تفارق شفتيها برغم حياتها الممتلئة بغبار عقول البعض وغباء البعض الآخر إنها أفراح التي عاشت نصف عمرها وهي ترى السماء و بياض السحاب والنصف الآخر من حياتها ترى برؤية ضبابية وظلام ينخر عيناها يوما بعد يوم بعد أن اخذ القدر سمعها
إلى أفراح سيدة الأمل التواقة بالطموحات إلى البداية واخترنا أن تكون من آخر محطاتها
تحكي أفراح عن نضالها لإنشاء مؤسسة حقوقية تهتم بحقوق الإنسان منذ ما يقارب ثلاثة أعوام فوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ترى أنها ليست مؤهلة لافتتاح مؤسسة إلا لفئة معينة من المجتمع هم فئة المكفوفين والمعاقين ثلاث سنوات وهي مصرة على مؤسستها التي تريد ان تخدم بها المجتمع بأكمله وليس فئة بعينها المجتمع الذي عطل فيها في لحظات معينة بريق الأمل وضوء التجربة لكن إصرارها هو من جعل منها فتاة تتحدى كل شيء لنذهب سويا بالسطور القادمة ونرى كيف اخذ القدر منها حاسة السمع وكيف تقبلته برغم اعترافها ان إهمالها الصحي كان سببا إلا أن قدرة الخالق كان السبب الأقوى على حد تعبيرها.
تقول أفراح : جاء يوم قمت من النوم وأنا لا أسمع شيئاٍ تخيلي وأنت تقومين وتفتحين الباب وأنت لا تسمعين أي شيء طبعا ذلك اليوم ذهبت إلى الطبيب وجلست يومين وأنا عند الأطباء وخلالها ذهبت إلى عشرة أطباء في الأخير قالوا أني فقدت السمع انهارت أسرتي للخبر وأنا كذلك لكنني عندما رأيتهم مصدومين حاولت أن اقنع نفسي وأقنعهم بالوضع صحيح أن شيئاٍ ما في داخلي يرفض تماما فكرة أن أكون معاقة لكن كان بالضرورة أن أهيء أسرتي بذلك برغم التشخيص الذي حصلت عليه إلا إنني لم أقف عند هذا فقد كنت ادخل أي عيادة أشاهدها في الطريق أو أي دكتور اسمع به فقد كان عندي أمل وحتى اللحظة لا املك سوى الأمل كانت أفراح تدرس وتعمل في إحدى المنظمات الحقوقية ووجدت صعوبة في بداية الأمر أن تعمل وهي لا تسمع شيئا فتقول: في البداية عندما كنت اذهب إلى العمل كنت اغضب فوق زميلاتي في العمل لأني كنت لم اقتنع لحظتها إني معاقة أو أن يعاملوني كمعاقة قليلا قليلا بدأت اقتنع أني معاقة برغم أنني ممتلئة غضب في داخلي سؤال يراودني دائما (لماذا أنا¿) لكني بعد فترة وصلت إلى مرحلة الرضا تماما بما قدمه الله لي هذا فمن يريد أن يتعامل معي بحالتي هذه أو الله معه
حقيقة الصداقة
تلك هي صعوبات العمل لكن الصعوبات التي واجهتها أثناء الدراسة كانت تختلف تماما نصف حياتها الدراسية كانت ترى وتسمع كانت تملك صديقات أو زميلات كثر تشير إلي أن هاتفها لم يكن يصمت من الاتصالات والرنات والرسائل من صديقاتها وزميلاتها لكن تجربة الإعاقة السمعية وأيضا تدهور حالة بصرها كشف لها الكثير إلى رحلة الدراسة الجامعية رحلة امتزجت بين الشك واليقين لكل شي من حولها فالجميع يعرف أنها إنسانة عادية وفجأة تعود لهم وهي فاقدة لسمعها وضعف في نظرها فهي ليست في سنتها الأولى كي تغير التخصص أو حتى تؤخر دراستها لبعض الوقت بل كانت في سنتها الثانية من قسم اللغة الانجليزية في كلية الآداب جامعة صنعاء كما أنها شعرت أنها بين مفترق طريقين الأول خوض تحدي الدراسة أو الجلوس والاستسلام للمرض لكنها في نهاية المطاف قررت أن يكون النضال هو الحل وفعلا تبدأ رحلة المعانة من أسوار الجامعة تشير لي بحركات لطيفة تبتسم وترى ابتسامتها ممزوجة بكثير من الألم والفخر عادت بها إلى الوراء وكان شريط الذكريات يلتف حولها من جديد بكل لحظاته بكل قسوته تقول: رحت الجامعة وقابلت صديقاتي البعض منهن درسن معي منذ الثانوية وتخيلي عندما تأتي صديقتي وتسلم عليا ماذا أقول لها إني لا اسمعها وقلت لإحداهن ذلك فكانت ردة فعلها أن ضحكت واعتقدت إني امزح معها لكني عدت وفهمتها إني لا اسمع وقلت لها إذا أردت أن تقبليني كهذا كان بها وإلا … هي انذهلت وانصدمت ومش متقبلة الموضوع تركتها وخرجت من الجامعة وذهبت للمكتبة لأشتري ملفاٍ لأوراقي وكنت ابحث عن احتياجاتي رأيت لوحة خشبية سحرية فخطرت لي فكرة انها قد تساعدني عندما أتحاور مع الناس هي لوحة بقلم مغناطيسي صنعت للأطفال لكنها تفي بالغرض أخذتها وبدأت أتعامل معها كانت مفيدة برغم صعوبة الموقف أن يراني الناس وأنا استخدم هذه السبورة خاصة وفي داخلي مازالت ارفض واقعي ناهيك عن البعض الذي كان يسخر من تصميمي لمواصلة الدراسة والبعض منهن ساعدني كثيرا .
تساءلت في قراره نفسها تقول ما العيب أن ادرس في جامعة حكومية وليس في أماكن مخصصة لفئة المعاقين فرد الجامعة انه لا توجد استراتيجية لأن تقبلها وهي صماء إما أن تدرسي مع فئة المكفوفين او… فظلت تعامل لإكمال دراستها تريد أن تدرس في القاعات العامة وتدخل المحاضرات المعتادة وليست في القاعات الخاصة بالمكفوفين كي تتخرج مثلها مثل جميع الطلاب تقول: أنا أعاني الصم وكان تخصصي انجليزي وهنا كانت المشكلة جلست أعامل لمدة 7 أشهر كان ناس من صندوق المعاقين يقولون أدرسي في جامعة خاصة وأنا رفضت وقلت حقي بلخذه بيدي ثم توقفت وقالت : شوفي يقولوا يشتوا يدمجوا المعاقين وطالما والمعاقين لا يأخذون حقهم في الدراسة بالجامعات الحكومية مع الطلاب العاديين لن يندمجوا أبدا ليش إحنا المعاقين يخصصوا لنا أماكن وقاعات السنا بشراٍ ويحق لنا أن ندرس مع باقي الناس حتى عندما كنت أعامل كانوا يقولوا اتعالجي بعدين ادرسي
نملك مشاعر
كفاح السبعة الأشهر جاء بفائدة فقد تم قبولها كطالبة في القسم انتهت معاملة الجامعة لتدخل في صعوبات كانت الجامعة مليئة بالمفاجآت المؤلمة والتي جعلت مني إنسانة قوية وعرفت حقيقة البشر الإعاقة عرفتني من هم الأصدقاء الحقيقيون ومن هم غير ذلك هذا ما أكدته لي وتضيف : تصدقي هناك من كن يحضرن إلى جانبي فقط ليقولن لي نحن السليمات ما ننجح كيف أنت المعاقة تشتي تنجحي كلما كنت اجلس في الكافتيريا أو في أي مكان في الجامعة كان بعضهم يقول أنت ليش تشتي تدرسي حتى دكاترة كانوا يقولو لي ليش تشتي تدرسي أحسن لك تجلسي في البيت في إحدى المرات جاءت إحداهن وقالت الحمد لله الذي أعطاني السمع طبعا كان لابد من أن أتمالك نفسي فرديت عليها (و الحمدلله أن الله اخذ سمعي علشان ما أسمع هبالتك والله انك هبلة )
وفي موقف آخر شاركت في رحلة جامعية فجاء بعضهم ليقولوا لي تشتي تروحي الرحلة وأنت معاقة مع ذلك رحت الرحلة وصلنا إلى الشلال كنت أشوف الجو وجلست إحداهن بجانبي وسألتني (ليش جيتي إلى الرحلة¿) وأنا قلت لها نحن بشر من حقنا نروح الرحلات لدينا مشاعرنا واحسيسنا لسنا من غير مشاعر جاءت لتوصل لي رسالة مفادها استمتعي ببقية نظرك قبل ما تروح منك الباقي فقد تدهور نظري بعد أن فقدت سمعي فالمرض اخذ احد عيناي والآن أشوف بواحدة فقط هذا الكلام صدمني لكن لابد من تمالك نفسي صبرت والحمدلله صحيح في البداية كنت أتأثر لكني الآن لم اعد كذلك فمن كثرت الصدمات أصبحت قوية تخرجت من الجامعة وكانت هناك مادة صعبة والكثير يرسب فيها لكني الحمدلله تخلصت منها ولقيت صديقاتي اللائي تحدينني فيها وأنا كنت اعرف أنهم رسبوا في المادة لكني لم أحرجهم وأخبرتهم بأني نجحت
رحلة الخدمة المدنية
رحلة الدراسة انتهت لكن العثرات والصعوبات لم تنته بل بدأت عندما استهلت أفراح بمعاملة إجراءات التوظيف في الخدمة المدنية خاصة وهي إنسانة تملك إعاقة مزدوجة أعطيت لها مذكرة من صندوق المعاقين بأنها أول المعاقات الخريجات من جامعة صنعاء تتحدث عن حياتها في الخدمة المدنية فتقول: كانوا في الخدمة يقولوا إحنا ما يهمنا تكوني أول من تخرجت من الجامعة ولديها إعاقة مزدوجة طبعا أنا كنت أقول لهم لدينا 5% من الدرجات الوظيفية للمعاقين وهم كانوا يردو عليا هذا مكتوب على الورق فقط نحن لو أعطينا درجة للمعاقين نعطيهم كل سنتين أو ثلاث بنسبة 1% وأنت تشتي ال5% سالت احد الموظفين هناك كم من الوقت احتاجه فرد عليا انتظري عشر سنوات كنت أرى أناساٍ يحصلون على درجات وظيفية وأرى أن ملفاتهم لا تملك شهادات جامعية اسألهم يقولوا أنهم مؤهلون وشهاداتي كما قيل لي ليست مطلوبة بعدها قامت الثورة وطلع اسمي من بين الأسماء ومازلت أعامل فيها
في كل مكان هناك صعوبات لكن الشيء الذي لا أنساه أبداٍ هي صعوبات الجامعة من ناحية الصديقات والتعاون معي صحيح ربنا يأخذ منك شي ويعطيك شيئاٍ آخر تعرفت من خلالها من هم الأصدقاء الحقيقيون.
تحدثت أفراح عن معانة المعاقين من صندوق المعاقين الذي يذلهم في أوقات كثيرة تتساءل إذا كان المجتمع يقسوا على هذه الفئة والصندوق الذي يعد منزلهم الثاني بعد أسرتهم فهل يستحق من اخذ الله سمعه أو بصره أو احد أعضائه أن يقهر في كل ليلة ¿ هل يستحق المعاق الذي يمشي على عكاز أو كرسي متحرك كي يتسلم أدويته من الصيدلي الموجود في الصندوق بعد معاملة قد تطول سنة أن يذل ¿هل نحن بشر أم أننا من صنف وجنس لا نستحق أن نعيش بكرامة ¿كيف يريدون إدماج هذه الفئة وهم يقصوهم عن المجتمع والمجتمع أيضاٍ يقصيهم بكل وحشية ¿
أسئلة كثيرة طرحتها أفراح وهي تتألم أسئلة شعرت بالخجل لأننا دائما ما نقسوا على أنفسنا وتجرنا أخطاؤنا لأن نقسوا على غيرنا.

قد يعجبك ايضا