(ماما) ….كلمة متى تتفوه بها

كتبت / بلقيس الحنش –
تظل تلك الجدة تنتظر من يوم لآخر متى ستنطق حفيدتها بكلمة مفهومة أحياناٍ تشعر بأن كلمة واحدة قد تكون كافية هي الكلمة التي لطالما كانت ترددها قبل الحادثة وهي (ماما) نعم هي الكلمة التي لم تعد موجودة في قاموس حفيدتها ليس لفقدان ذاكرة أو لإصابتها بمرض عضال إنما هي نتيجة لعنف تعرضت له الفتاة من والدها الذي يعمل في السلك العسكري.
تبلغ هذه الفتاة اليوم خمسة أعوام فقدت كل ما قد يجعلها مفهومة لدى مجتمعها الصغير.
تقول الجدة لقد كانت ذكية ولماحة ممتلئة بالنشاط تعلب مع أشقائها في الحارة أو في المنزل بشكل طبيعي اليوم لم تعد كما هي فهي تتكلم بلغة غير مفهومة ولكني أحاول فهم احتياجاتها ومن لطف الله بها فإني افهمها لكن إلى متى ستظل فتأتي لا تنطق كالأطفال الآخرين.
تدمع الجدة وتقول حسبي الله من كان سببا في ذلك..
ترجع قصة عنف هذه الزهرة إلى قبل عامين تقريبا عندما انفصل والدها عن والدتها وكانت تبلغ في تلك الأثناء الثلاثة أعوام وفي يوم فوجئت الجدة أن الفتاة لدى والدها الذي قام باختطافها ظلت مختفية لدى الوالد مدة أربعة أشهر.
تشير الجدة أن الأب لم يأت لا أخذها بشكل طبيعي بل اختطفها وعندما علمنا بذلك طالبنا وقدمنا الشكاوي كي نراها صحيح أنه والدها لكننا تفاجأنا بطريقة أخذه لها.
ظلت الفتاة عنده أربعة أشهر وسبعة عشرة يوماٍ ثم تم إعادتها لوالدتها بعد أن عملت الجدة الكثير كي تعود وتضيف بالقول: جاءت لنا في حالة يرثى لها وجدت كدمات على جسمها فأسرعت وطلبت كشفاٍ لها.
يشير التقرير الطبي الذي حصلنا عليه أن هناك ندبة تامة الالتئام بأسفل الجهة الخلفية للرقبة في الجانب الأيمن وندبة أخرى على الخد الأيمن تامة الالتئام وأخرى على الخد الأيسر وأخرى في الجهة الخلفية للساق الأيمن. كل تلك الندب تامة الالتئام بما معناه أن الفتاة تلقت عدد من الكدمات في فترة ماضية إضافة إلى بقعة دائرية عليها قشور جافة سوداء بأسفل منطقة الرأس.
برغم أن كل المؤشرات التي تدل على التئام الندب إلا أن هذا لاينفي أن الفتاة قد تلقت أنواع من العنف.
تنوه الجدة أن كل تلك الندب جاءت بعد ما جاءت من والدها ولأن والدها يعمل في السلك العسكري فإن كل الشكاوي والبلاغات التي قدمتها لم تف بالغرض.
ظلت هذه الفتاة تحوم حولي تبتسم لي وتصدر أصوات لم أكن أفهمها إلا بترجمة من جدتها لكن الشيء الوحيد الذي قرأته بين عينها وخطوط ابتساماتها التي لم تبخل أن تقدمها لي أنها عانت الكثير أنها لم تعد كما كانت حركات عصبية تلحظها في طريقة لهوها وتصرفات وضحكات غير مبررة أحياناٍ كثيرة.
كانت الجدة تحكي لي الواقعة وتمتلئ عينها الدموع وتقول: إن الله كبير فبينما كانت دموع الجدة تشرح المعاناة كانت هذه الطفلة تدير وجهها وكأنها لا تريد أن ترى دموع أمها كما تطلق عليها فكلما سقطت دمعة من الجدة تقوم هذه الفتاة بإرسال قبلة جميلة وتقول أحبك.
لم أفهم كل الصرخات التي كانت ترددها لكن يداها كانت أحيانا تترجم مشاعرها.
بحسب الأوراق التي حصلنا عليها فإن الوالد يصر أن تأتي الابنة ذو الخمسة أعوام إلى مقر عمله لزيارته وترفض الجدة أن ترسل طفلة إلى مقر عمل الأب وتقول إن على الوالد أن يأتي لزيارتها إن شاء استخدم الأب وسيلة عدم دفع النفقة كضغط لكنه لم يفلح مما اضطره أن يرجع لدفع نفقة الفتاة.
كل ما يهمنا أن الفتاة لم تعد تتلكم وتحتاج لعلاج نفسي للتخلص من حالة الاضطراب وللتخلص من العصبية التي أصبحت كل ما تملكه هذه الزهرة.
لكني فهمت شيئاٍ واحداٍ أن الحب هو من يذيب كل العقبات والصعوبات وكلما كانا الشريكين تزوجا عن حب كلما كانت نتائج الفراق قليلة الثمن وبعيدة عن الانتقام كما نلحظه في كل الملفات التي تصلنا.
ليست هذه الفتاة الوحيدة التي فقدت حاسة الكلام لشدة العنف الذي تعرضت له ولكن هناك الكثير الذي تعرضوا للإعاقة وقد يكون الموت مصيرهم في اليمن هناك أطفال ينزحون ويعيشون مع العنف من أقرب الناس لهم وممن من المفترض أن يكونون محل ثقتهم فقد بلغت الانتهاكات والجرائم النوعية ضد الأطفال قرابة 900 جريمة وانتهاك خلال العام الأول من عمل وحدة الرصد والمساندة القانونية والنفسية.
وتنوعت الجرائم والانتهاكات بين القتل والاعتقال والحبس والسجن والضرب و التعذيب الجسدي والاختطاف والاغتصاب وهتك العرض والزواج المبكر أو تزويج الصغيرات والاستغلال بأشكال مختلفة والتهجير والإهمال والتحرش وغيرها من الانتهاكات بحسب الإحصائيات التي أصدرتها منظمة سياج لعام 2009م.
فمتى نتخلص من تعنيف الأطفال من اقرب الناس لهم¿
متى سيولد الطفل بين أبوين يجمعهما الحب والود والتناغم الذي ينعكس بصورة مباشرة على الأبناء¿
متى تقدم الدولة الحماية الكافية للأطفال الذين قد يتلقون عنف من أسرهم¿
كل هذه التساؤلات لم تجد إجابة منذ سنين طوال .. فهل ينقشع الظلام وتتكلم هذه الفتاة من جديد¿

قد يعجبك ايضا