خليجي ووجوه الحقيقة 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

   
    د/ رؤوفة حسن
> يتشابه أهل اليمن الى حد ممل للمتأمل ويختلفون بشكل واحد في الاختلاف. شيء ما في خليجي عشرين دفع إلى ذهني ببعض التأملات في الحال العام والشعور المسيطر. فوجدت وكأننا من أقصى اليمن الى أدناها اشبه بعملة واحدة لها وجهان ككل العملات منذ عرفت البشرية الأحجار الكريمة أو الذهب والفضة أو حتى النحاس والمعدن والورق.
يسيطر لدى بعض اليمنيين وجه من وجوه العملة فيقفون عنده كثيرا ويستميتون في الدفاع عن الفكرة ويقف البعض الآخر عند الوجه الآخر بنفس الاستماتة.
وفي لحظات تاريخية معدودة تنصهر الجموع في لحظة انتصار على الذات فيرون انفسهم جميعا كعملة واحدة مهما كانت القلاع التي حصنوا أنفسهم بها في واجهة واحدة من العملة (أو الحقيقة). حساب الماضي ولحظاته المشابهة ليس موقعا لاستعراضه الآن لكن اللحظات في ما حدث في خليجي عشرين هي مدعاة تأملي اليوم.
الانتصار على الذات:
> قبل وقت طويل وحتى انطلاقة خليجي عشرين كان أهل اليمن كالعادة يقسمون انفسهم بين وجهي العملة ما بين متفائل معتقد أن الحدث سيتم ويستميت بكل جهد أو فكر للأقناع بذلك ومابين مكذب متعود على الخيبات يعتقد انه لن يتم ويستميت في الدفاع عن الفكرة ويحشد من أجلها كل اذن صاغية وقلب متشائم.
وفي الاعماق للوجهين كان الحلم والرجاء يعيش في الوعي الباطن الذي يجعل من كل اليمنيين عملة واحدة. كان الرجاء والحلم أن يتم كل شيء بخير وأن يحدث المأمول الذي تنطقه فقط السنة الأطفال أو بسطاء الحلم في قارعة الطريق.
كان الحلم قد شارف مداه حتى تجاوز الواقع وغالب الإحباط ومهد لرؤى مستقبلية فيها الوعد والالوان والفرح وصار يغرف من اساطير المجد في الماضي السحيق ومن اهازيج النغمات التي لا تتخللها الكلمات.
حلم الجميع حلما ككل الأحلام يغترف من الواقع بعض تفاصيله ويغسل بالوعد آلام الأزمنة كلها فتخيلوا قيام الحدث الكبير وحضور البلاد الخليجية الشهيرة منتخبات ومشجعين وسياحا وتفوق اللاعبين وانتصار كل الفرق بحيث تعود الى بلدانها سعيدة مهللة فاتحة أبوابها وصدورها وقلوبها لليمنيين كلهم.
اللعبة والحقيقة:
> الواقع قال ان خليجي عشرين انطلق والواقع قال أن أرواح ومشاعر وأحلام اليمنيين شخصت بأنظارها و اسماعها لمتابعة الحدث اينما كانت. البعض تمكن من دخول الملاعب أو تسلق على الاسوار. وآخرين كانت الشاشات أو الراديو تنقل لهم الحدث ثانية بثانية.
ثمة من أرادوا افتتاحا بمستوى الحلم يشبه ما قدمته الصين أو عرضته أمريكا أو الدول الاوروبية التي تعاقبت على الأولمبياد أو آخر ما في ذاكرتهم مما استعرضته جنوب أفريقيا.
لكن الحلم شيء والواقع شيء أخر ارادوا افتتاحا خرافيا ونسوا أن الملاعب نفسها بالكاد اكتملت وهي بنية تحتية أما البشر الذين يمكن استخدامهم لكرنفال افتتاح فوق عالمي فلا المال ولا الخبرة ولا الساحات ولا الوقت كان متاحا.
الحالمون توجوا فريقهم بأكليل النصر ونسوا أن الجزء الباقي والواقعي من الحلم بأن تعود بقية الفرق سعيدة أو على الأقل قليلة الخيبة باقية على محبتها لابناء اليمن وفريقه الذي لم يجرح احدا ولم يغط حقيقة مواهب وقدرات بعض لاعبيه الفردية التي فاقت حدود المكان والزمان والحجم والبنية الرياضية ومكملاتها منذ لحظة الطفولة. كانت اللعبة واقعية كالافتتاح وكمساحات البلاد باكملها التي تحتاج الى الكثير حتى تقف امكانياتها في مصاف الأشقاء.
خدمت الصدفة هذا المنتخب اليمني الرائع ليلعب دورا يجاوز حسابات أفراده ومدربيه والأندية التي تشكل منها. لعبوا بما استطاعوا على الأرض ودون ان يدركوا حققوا بالخروج الأول مكاسب سياسية يقوم بها المضيف تفوق إمكانياته لإثبات الكرم والآصالة وتحقيق سمعة جميلة على المدى الطويل تستحق استثمار كل ما ينفق عليها. لا تقولوا لم يقدر على العنب فقال حامض.
فخليجي عشرين أساسا عملية علاقات عامة تشمل الدعاية والتسويق والترويج وتصحيح الصور وبناء تصورات جديدة وترك انطباعات لاتمحى وايجاد ذاكرة معطرة بلحظات حميمة.
وقد أضافت اليمن مساحة آمان خالفت الآكاذيب وأوجدت الطمأنينة للاسثمار بها سنبني الإنسان وسنبني فرقا تتكلل بالغار والنصر.
raufah@hotmail.com
 

قد يعجبك ايضا