كل شيء بخير 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن  
يحال إلى التقاعد وتموت زوجته فيبدأ في إعادة النظر في حياته. يقرر أولا أن يواصل ما كانت تفعله زوجته عندما كانت تدعو أبناءها الموزعين في أماكن شتى بحسب أعمالهم داخل الولايات المتحدة. لكن يوم العشاء العائلي لم يحضر فيه احد وتوالت الاتصالات المعتذرة من الأبناء والبنات الواحد تلو الآخر بأن شيئا ما طارئا منع من المجيء انما -أكد الجميع- لا يوجد سبب للقلق فكل شيء بخير.
وطالما لم يتمكن الأب من الحصول على جمع لأبنائه في بيته وطالما أنه متفرغ ولا شيء يعيق حركته فقد قرر أن يفاجئ الأبناء ويذهب لزيارتهم  واحدا واحدا. وهنا تتكشف له أنماط حياة غريبة وظروف ومصاعب جمة ومعاناة متعددة يعانيها الأبناء كل على حدة.
هذه المشكلات لم تكن غريبة كانت الأم التي تتواصل مع الأبناء بالهاتف وكل الطرق المتاحة تعرف عنها وتساعد في تخفيفها وتتفهم دوافعها. وكان الأب مشغولا يعود في وقت متأخر من الليل منهكا من العمل فلا تحمله الزوجة شيئا من الأزمات فوق معاناته وتؤكد له بين الفينة والأخرى عندما يتذكر أن يسأل عن أخبارهم أنهم بخير.
هذه خلاصة مبتسرة لفيلم أمريكي بهذا العنوان جماله يأتي من عالمية فكرته. فمثل هذا الأب يملأ حواضر كل المدن. ولو راجع الناس سيرة يومهم وعلاقتهم مع أبنائهم وخاصة الآباء منهم سيكتشفون أنهم مهمومون بقضايا الصراع في وسط أوروبا وأحداث تطورات بركان ايسلندا وارتفاع أو انخفاض شعبية أوباما لكن أخبار أبنائهم وتطورات حياتهم هي آخر القائمة واعتمادهم على استمرار ذلك يقوم لظنهم أن ما يتعلق بالأسرة كل شيء بخير.
فقط عندما تتعرض البنت للخطف أو تعلن الإضراب عن الزواج تظهر مشكلة. أو عندما تتصل الشرطة بالأب لإخراج ابنه من القسم لمشكلة إدمان أو حادثة ضرب يتنبه الآباء إلى كارثة. أما ما عدا ذلك فكل شيء بخير.
القات سيد الانفلات:
العمل ومتطلبات الوظيفة جزء من قضية الغياب عن هموم وتفاصيل الحياة اليومية وتطوراتها لأفراد الأسرة. أما القات فعمل عمدي للفصل بين نمو وتغيرات الحياة بهؤلاء الأفراد عن والديهم المنغمسين في متطلبات القات وصحبه عن متطلبات أفراد الأسرة وذهاب الحياة بهم مذاهب شتى.
يتعرض المراهقون والمراهقات للاستقطاب من الجماعات المتطرفة أو من رفاق السوء في غياب المتابعة والرصد والتدخل المبكر من الوالدين. ويحصل الأبناء على معلومات مغلوطة عن الوطن وعن تاريخه وعن السابقين والقائمين على أموره وليس لهم قريب عاقل يبحث معهم عن تصحيح لهذه المعلومات ويخلق في قلوبهم حالة من الطمأنينة تسير بهم إلى طريق الأمان.
تكال التهم إلى المدارس والمساجد والأندية والجامعات والمنظمات ووسائل الإعلام بالتقصير عن التربية وتصحيح المعلومات وغرس القيم بينما ينفذ البيت المسؤول الأول عن كل التهم.
وتتعجب فهناك من يريد أن يحمل أطفالا غير راشدين مسؤولية الإنجاب والتربية ولا ينظرون حولهم في المآسي التي يخلفها قصور مسؤولية الأسرة تجاه كل هذه الأجيال.
كل شيء ليس بخير:
الأزمة وراء الأخرى والمشكلة تلحقها أكبر. والعنف سيد الأفكار والإقصاء سلوك مسكوت عنه وغير مقنن. الفاسدون يظهرون فسادهم دون خوف بل أنهم يزوجون أبناءهم بكرائم الأسر لأنهم يملكون ثراء يقبله المجتمع السامح بالتوهم أن هذه الأمور هي خير.
التقطع للناس يحدث ويسمى أصحابه مناضلون سلميون ويسكت من حولهم عن قول الحق ورفض كل هذا العنف بل أن أكثرهم رفضا يطالب بعنف مضاد تحت دعوى الولاء والإخلاص.المال العام يتحول إلى منبع للسرقة والاختلاس من قبل مشغولين عن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم وبيوتهم ووطنهم في أعمال تنتج في النهاية ضياع هؤلاء الأبناء وهذه البيوت وهذا الوطن.
الأمور ليست بخير ما لم يراجع الأفراد والعائلات واقع حياتهم اليومية ليكشفوا مسؤوليتهم عن الأخطاء. يسترجع زميلي فترة أقام فيها مع عائلة فرنسية لديها أطفال صغار تسمح للأبناء بمشاهدة نوع محدد من أفلام الكارتون بعد أن يكون الوالدان قد شاهداها مسبقا للتأكد من أن محتواها لن يتسبب في أي آثار سلبية على مشاعرهم أو عقولهم.
ويترك أبناؤنا للمشاهدة المفتوحة التي تجعل رغبة وزارة الإعلام في الرقابة المستدامة على محتويات وسائل الإعلام منطقية فهي قادرة أن تلعب دور الأب والأم لكل عائلة لا يتحمل أربابها مسؤولياتهم تجاه الأبناء فيها. ولكن ما الذي تستطيعه وزارة الإعلام تجاه الفضائيات والإعلام الالكتروني¿ حتى بقانونها الجديد البعيد عن زمن الانفتاح العالمي فهي لا تحصل على تعاطف أحد.
كل شيء ليس بخير ليس فقط لانشغال الأبوين عن أبنائهما بل لانهماك الناس في قضايا خارج مسؤولياتهم عن سلوكهم وعن تصرفاتهم الذاتية ولهذا لابد للآباء والأمهات من مراجعة هذا الواقع لتكون الأشياء بخير.
 
raufah@hotma

قد يعجبك ايضا