نوفمبر .. السيادة والاستقلال 

محمد حسين العيدروس


محمد حسين العيدروس

بقلم/محمد حسين العيدروس
أعظم الثورات هي التي تنتصر فيها الشعوب على خوفها وذلها وعبوديتها وشقائها فتحرر ذاتها الإنسانية وتطلق عنان إرادتها الوطنية المكبلة التي يستحيل لأعتى الامبراطوريات منع انهيار جبروتها أمامها كما هو حال شعبنا اليمني في قهر أطول حقب الاستبداد الاستعماري التي خيمت بظلمها على الجنوب لأكثر من قرن وربع.
حين نستذكر الثلاثين من نوفمبر 1967م بكل تفاصيل مسيرة النضال والكفاح التي توجت بجلاء آخر جندي بريطاني من عدن في هذا اليوم فإن القيمة الحقيقية للثورة لا تتجلى في موضوع الجلاء بحد ذاته بقدر تجليها في تحرير الذات الإنسانية الكريمة ثم امتلاك السيادة الوطنية المستقلة على أرض جنوبنا اليمني الأمر الذي يجعل خيار الحياة بحاضرها ومستقبلها صنع إرادة يمنية وليست نمطا مفروضا قسريا بقوة سلاح المستعمر.
وعندما نتأمل الحدث في إطار الواقع الاقتصادي والاجتماعي والتشطيري فإننا ندرك عظمة هذا الشعب وقوة بأسه وصلابة إرادته في بلوغ هدف كان يبدو شبه مستحيل نظرا لشحة الثروات الطبيعية وانهماك المواطن في مقاومة فقره وظروفه الاجتماعية القاهرة في وقت كان الوطن مشطرا ويكابد كلا الشطرين نفس المعاناة.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن الثلاثين من نوفمبر كان وليد نضال عام أو عامين أو خمسة لأن أبناء شعبنا بدأوا مقاومتهم للمحتل منذ أن وطأت قدماه عدن في 1839م وظلت الأجيال تتوارث القيم النضالية وأدوار المواجهة جيلا بعد جيل وتقدم الشهداء حتى صارت الثورة ثقافة سلوكية يمارسها الرجال والنساء والأطفال كونها ارتبطت بهويتهم وأسباب بقائهم وبأحلامهم للمستقبل الذي نشدوه.
إن ما يجعل الشعوب تخلد ثوراتها وتستذكرها كل عام هو لأن تلك الثورات مثلث قاعدة الماضي التي قام عليها الحاضر وتقف عليها أماني المستقبل.. فهي ثورات امتلكت فيها الشعوب الإرادة والسيادة.
ولعلنا في اليمن حين نستذكر الثلاثين من نوفمبر في ظل أزمة سياسية خطيرة ينبغي أن نستلهم منها الدروس والعبر ونستوعب قيمها الثورية الإنسانية التي كانت مرتكز صناعة حاضرنا الوحدوي الديمقراطي.. وبالتالي فإن مسيرة الكفاح المريرة وما قدمته من تضحيات عظيمة لا تقدر بثمن لا يمكن أن تصبح مغامرة سياسية طائشة أو مقامرة مشاريع صغيرة أو حتى قصورا في التقديرات .. حيث أننا أمناء على كل ما بين أيدينا من إنجاز حضاري تراكمي ولا نمتلك من الحاضر إلا بقدر ضئيل جدا مما أضفناه إلى إنجاز الأجيال التي سبقتنا .. وعليه فإننا اليوم أمام مسئولية تاريخية جسيمة في التعاطي مع التحديات بروح انتمائنا اليمني للوطن وليس بعصبيات الانتماء الحزبي أو المذهبي أو المناطقي طالما والأمر متعلق بمدى استشعارنا للخطر وقدراتنا على استحضار حكمتنا اليمانية في الوقت المناسب الذي نتفادى فيه الانزلاق في مأزق تاريخي.
ولا شك أن الحديث عن الثلاثين من نوفمبر هو حديث متصل عن الرابع عشر من أكتوبر والسادس العشرين من سبتمبر وكل محطات النضال اليمنية لأننا جميعا مؤمنون بواحدية النضال والثورة وأن شعبنا كان فوق كل التداعيات الهدامة ليمننا العظيم.. وبالتالي فإن أزمتنا السياسية الراهنة تمثل تحديا لإنجازنا الثوري التاريخي الذي لا مناص من وضعه نصب الأعين ونحن نقرأ مفردات الأزمة أو نفكر بحلولها أو نسعى للانعتاق من مزلقاتها وآثارها..
إن ما يتطلع إليه شعبنا من تغيير هو في الحقيقة ليس تحولا عن مسارات البناء الوطني الثوري الذي كان للأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الدور الريادي ومعه كل الرجال الوطنيين في المضي بها أشواطا متقدمة وإنما هو تغيير في الأدوات والوسائل والرؤى.. ومن المؤكد أن الأمن والاستقرار هو المناخ الوحيد لبلوغ أي تحول في حياتنا اليمنية والذي لا بد أن يتأسس على وعي وطني حقيقي بالقيم الصادقة والنبيلة..
ذكريات الثورة «الاستقلال طويلة جدا لكننا اليوم نحرص على استرجاع تذكرها والاستلهام بها وفاء لكل قطرة دم يمنية سقطت ولكل شهيد ارتفعت روحه الزكية إلى جوار ربها ولكل الذين تعذبوا في السجون البريطانية ولكل المقاومين من الرجال والنساء فتحية للذكرى الـ«44» للاستقلال الوطني ولكل الرجال الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل تحرير الوطن من الملكية الظالمة والاستبداد الاستعماري المقيت فالمجد والخلود لشهداء اليمن والكرامة والسيادة وكل عام والجميع بألف خير إن شاء الله تعالى..
 

قد يعجبك ايضا