الموت.. وما يبقى ! 

معاذ الخميسي



معاذ الخميسي

معاذ الخميسي

أجد صعوبة وأنا اكتب عن فراق مؤلم مازال يترصدنا في هذه الحياة ما بقينا..ولا يفرق بين قريب ولا بعيد..ولا أخ ولا صديق..أو جار وزميل..يهدينا الحزن ويمنحنا الفرصة في التذكر عندما تكون الدنيا قد أخذت منا الكثير وأصبحنا فيها مشغولين بلقمة العيش وملهوفين على المزيد وإن جلب الهم والغم ..وعلى مواجهة المتاعب والمواجع والأحقاد والحساد ..وننسى أننا في دار عبور ..وأن هناك ما هو أهم ..وما ينتظرنا في أي لحظة لا ينفع معها إلا ما قدمنا..وما ادخرنا من زاد يضمن لنا حياة سعيدة في الدار الأبدية.

وعلى الرغم من كثرة الفواجع إلا أننا نستعين بالصبر وبنعمة النسيان لنفتح صفحة جديدة..ننسى معها – للأسف – العبر والعظات وما يجب أن يكون في ما تبقى لنا من أيام قليلة أو كثيرة..وهنا تبرز الحاجة إلى أن نكون أكثر قربا من الله سبحانه وتعالى وأكثر حرصا على مضاعفة الحسنات التي تذهب ما يلفنا من  السيئات والخطايا والذنوب!

وما أشده من ألم عندما يشغلك عملك أو ما أسند إليك من مهام عن الوقوف مع قريب لك أو عزيز عليك في مرضه وفي شدة ما يواجهه من امتحان ..ينتهي بالموت الذي لا مفر منه اليوم أو غدا ..

ومع ذلك ..ليس بأيدينا إلا أن نخنع لإرادة الله وأن ندعو بالرحمة والمغفرة لمن غادرنا ولنا عندما نشد الرحال ونلحق بمن سبقنا ..وكما أن الموت ذكرى لمن يتذكر ..هي – أيضا –  السيرة الطيبة والعطرة – ذكرى لمن رحل وترك الكلمة الطيبة في أفواه الناس تحكيه وتقدمه لمن يريد أن يستفيد أو من بإمكانه أن يشعر بأهمية ما يبقى للإنسان في دنياه ..وما سيجده في آخرته.

وحين يرحل إنسانا ملأ ما حوله حبا وإحسانا والتزاما ونزاهة وأمانة مثل الأستاذ المثقف  والأديب والصحافي والمعلم والإعلامي الكبير عبد الكريم الخميسي  تكون الخسارة فادحة والمصاب جللا والألم لا حدود له..فمع كل شيء جميل يرحل ..هاهي القامات والهامات ترحل أيضا..

لم أتوقع انه سيغادر قريبا خاصة وقد تجاوز مرحلة الخطر..ومن عدن هاتفته فوجدته حريصا على أن يمنحني الطمأنينة بصوت خافت ويحفزني على أن أستمر حتى ينتهي خليجي20..وبعد أن عدت الأربعاء قبل الماضي توجهت إليه لأكون أكثر اطمئنانا..قبلته في جبينه..وشعرت أنه في حالة مستقرة..وأول ما قاله لي مبروك النجاح..الرئيس إذا أصر على شي نفذه..ومكسب خليجي20 نحتاجه في هذه الظروف الحالية..والرياضة قادرة على تحقيق مكاسب أكثر أهمية من مكاسب سياسية عدة..وذلك الحضور الجماهيري هو رسالة  تلقائية أكدت للعالم أن اليمن واحد.

وأيقنت  بعد أن غادر أن آخر لقاء لي به هو بمثابة الوداع المهم وهو يحرص على أن يمنحني التشجيع والمؤازرة كما تعودت منه..ويؤكد أن لا أنظر إلى الخلف أبدا ..وأن النجاح هو الذي يجلب المتاعب..ويظهر الأحقاد!

وفي الوقت الذي كنت أشعر أنني محتاج كالعادة لدعواته التي دائما ما أطلبها منه ..وجدته هو أكثر طلبا لدعواتي له بالشفاء والتوفيق وعندما كررها قلت له أنا أكثر حاجة لها ..ودعواته لها طابع خاص وهو الذي يداوم على أداء الصلاة في أوقاتها في المسجد ..وكل همه حتى آخر لحظة في حياته الوقوف مع المحتاجين والمساكين والاستمرار في أعمال الخير التي كان مهتما بها ..مع ذلك فالمؤمن هو دائم الحاجة إلى الدعوة..ورغم خروجه من أزمة (الجلطة) إلا أنه كان شديد الحرص على الدعاء له وهو ما أتمناه من الجميع بأن يتذكره بالدعاء..

وكما هو حال الدنيا نحاول استبعاد فاجعة قادمة في قريب أو عزيز ولكن القدر يترصد لنا ولغيرنا ولا نعرف من يسبق من..إلا أن الموت يظل مذكرا لنراجع كشف الحساب ونقوم بعملية الجرد بشكل دائم لنعرف أين نقف..وما الذي نحتاجه قبل أن يفوت الأوان.

وفي وداع من شجعني ..ومنحني الدعوات ..وظل مساندا ومصوبا للكثير من الخطوات وللعديد من المواقف ..لا أجد إلا الدعوات ترافقه ..وما تركه من قيم ومن مكانة كبيرة في الحياة وفي قلوب الناس ممن عرفوه زاهدا.. مخلصا.. محبا لوطنه..وفيا ..نزيها..مثقفا..وأديبا..ومعلما..وأستاذا..وحبيبا محبا..وقلبا نقيا ..لم يحقد..ولم يجرح..وظل بعيدا عن الإطراء والإنصاف..وإن تأخر إلى ما بعد رحيله فهو الاستدراك الذي أتمنى أن يغفر لنا ما مضى!

شكرا

فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية.. شكرا لمواقفك.. وإنسانيتك.. وللوفاء الذي يسكن تفاصيل أيامك.. مع من أثروا.. وأثروا.

Moath1000@yahoo.com
 

قد يعجبك ايضا