الديمقراطية رهان الكبار 

محمد حسين العيدروس


محمد حسين العيدروس

محمد حسين العيدروس
يرفض خبراء السياسة الدولية فرضية الديمقراطية الفاشلة ويعزون بالمقابل تعثر تجارب العالم النامي إلى فرضية “الأحزاب الفاشلة” التي لا تفقه بقيم الديمقراطية وغاياتها ولا تعي أن الديمقراطية هي خيار الشعوب لفرض إرادة الأمة وليس خيار الأحزاب لأسر الشعوب ومصادرة حرياتها فمصير أي حزب بيد الجماهير والعكس مستحيل..!.
ولعل دائرة التشخيص تتسع كثيرا في حياتنا اليمنية التي تتعاطى فيها بعض القوى السياسية مع الحق الديمقراطي على أنه ترخيص مفتوح لتعطيل أية مادة دستورية أو قانونية في ظل جهلها المطبق بأن الدستور فوق الديمقراطية وأية اتفاقات حزبية جانبية لأنه هو من أقر التعددية الحزبية ومنح كل الأحزاب والمنظمات صفتها الشرعية ومن يستهتر به إنما يستهتر بنفسه وكيانه الحزبي دون أن يمس الدستور سوء لأنه قائم بقداسة الإرادة الشعبية الوطنية التي أقرته ومنحت كل مواطن بموجبه استحقاقه في تقرير مصير دولته وإقصاء أية قوة انتهازية فاسدة من ثقته في إدارة شئون البلاد..!.
إن من يمارس الديمقراطية ينبغي عليه أولا استيعاب فلسفتها ليعرف بدرجة أنها وسيلة واسلوب عمل وتضحية مفيدة وصادقة تكفل فرصا عادلة لجميع أبناء الشعب في الحصول على استحقاقاتهم الدستورية وبالتالي فإنها لا تمنح أي حزب حاكم أو معارض وصاية تخوله بمصادرة استحقاقات الملايين من اليمنيين في تقرير مصير أجهزة حكم دولتهم ابتداء من رئيس الجمهورية الذي من حقها الدستوري الاقتراع على انتخابه مرورا بمجلس النواب وانتهاء بالمجالس المحلية.
وطالما وأن أبناء الشعب هم الذين يمنحون أي حزب مصدر القوة والنفوذ داخل الدولة من خلال انتخاب مرشحيه فإن الانتخابات تعد فرصة ذهبية لكل القوى المتطلعة للحكم إلا أن المحاولات المتكررة لبعض القوى في التنصل من خوض الانتخابات وخلق الذرائع لإرجائها من عام لآخر لا يمكن تفسيره إلا استشعارا مبكرا بالفشل وقناعة بأنها لم تعد تحظى بالحد الأدني من القبول الشعبي الأمر الذي يرعبها من أية دعوة للاحتكام إلى الإرادة الشعبية الوطنية وهو بلا شك موقف غالبا ما تدفع به بعض الأحزاب ثمن قياداتها الفاشلة لأحزابها وضيق أفق ثقافتها السياسية التي تشغلها بالمناكفات والمزايدات وافتعال الأزمات والمواقف الحمقاء دونما اكتراث لمصالح القواعد الجماهيرية التي لم تجن منها سوى البيانات والتصريحات والتضليل الإعلامي الغير لائق مما جعل بعض المواطنين في دهشة وحيرة متسائلين مع أنفسهم إن كانت هذه الأحزاب وجدت لخدمتهم وتخفيف همومهم أم للدفاع عن قطاع الطرق وأهل الفتن والخارجين عن القانون تحت مظلة الديمقراطية..!.
إن عدم استيعاب بعض القوى السياسية لمفهوم الديمقراطية وأهميتها في تقديم مسارات الحياة المختلفة من خلال نبذ كافة الظواهر السلبية والممارسات الفاسدة وعلى نحو واع ومسئول حولتها إلى كيانات عبثية ومصدرا للفوضى وتفريخ بعض العصبيات والعنصريات والنزعات والأنانيات الضيقة في ظل ثقافتها الهزيلة التي تصور لها أن تفتيت البنية الاجتماعية إلى تكتلات تعصبية قد يقود إلى حالة تصادم مع بعضها البعض وفوضى خلاقة تستنفذ قدرات أجهزة الدولة وترهقها لتواصل عمليات الابتزاز والمتاجرة بالأزمات.
وفي ظل هذا الفقر بالوعي الديمقراطي لم تدرك تلك القوى سعة فضاء العمل الديمقراطية ولم تكتشف أسرارها هامش الحريات العريض فيما لو استثمرته في كسب الجماهير وتقديم نفسها للمجتمع بصدق وشفافية كقوى حريصة على مصالح أفراده وتشغله في متابعة همومه واحتياجاته ودرء المفاسد عن أبنائه ليطمئن الجميع إلى كونها البديل الأفضل الذي يحقق أمانيه.. لكنها عوضا عن ذلك انهمكت بعض القوى بصناعة الأزمات وخلط الأوراق والفوضى كأداة ضغط سياسية تلوح بها في مساوماتها على التنازلات السياسية وبما تأكد حتى للمراقبين الدوليين مدى ضحالة ثقافتها الديمقراطية التي تؤمن بأن الفوضى والعنف هما وسائل الديمقراطية في الوقت الذي ما نشأت الديمقراطية في العالم أجمع إلا لتكون بديلا للحقب الدموية التي أرهقت البشرية وسبيلا للأمن والاستقرار والتنمية وردم ثقافة العنف والكراهية.
ويبدو أن الإشكالية مع بعض القوى هو تقوقعها في بوتقة إيديولوجيتها القديمة وعدم قدرتها على الاندماج مع الثقافة العصرية التي تحولت إليها بلادنا الحبيبة لذلك نجدها قد أدمنت على تداول شعارات العنف الثوري وتثوير الشارع وغيرها من المصطلحات التي شاعت في الستينات والسبعينات وغيرها من المصطلحات التي استخدمت لدغدغة عواطف المواطنين في عدد من الدول العربية رغم أنها جميعها منيت بفشل ذريع ولم يكتب لأي منها النجاح فما بالكم حين نسمع بها بعد سنين طويلة من اندثارها.
قبل فترة قليلة كانت بعض القوى تختبر قدرتها ليس بممارسة الديمقراطية وإنما في صناعة الخوف والرعب فجندت عددا من كو

قد يعجبك ايضا