الغصص الدامية والوطن المجاز!! 

علي ربيع



علي ربيع

علي ربيع
> سئل ذات مرة الروائي الجزائري واسيني الأعرج لم لا تعود للعمل في الوطن عوضا عن التدريس في السوربون¿ قال ردا على السؤال: وطنك الحقيقي حيث تعيش بكرامة  نعم إنها الكرامة المهدرة بامتداد الرقعة العربية من المحيط إلى الخليج فما هو الوطن إن لم يكن حاضنة حقيقية للإنسان يشعره بالأمان والحب ويصون له عقله ويحترم إنسانيته¿! الوطن أكبر من أن يكون رقعة جغرافية يعيش فيها مجموعة من البشر كيفما كان الوطن معنى كبير لخصته بامتياز إجابة واسيني الأعرج.
> في اليمن لدينا اليوم آمال عريضة تبحث عن هذه الإجابة بتفاصيلها وتنويعاتها العيش الكريم الأمن الصحي جودة الخدمات وقبل كل شيء المناخات اللازمة لإطلاق قدرات الفرد وتحريره من عبودية ثقافة القطيع وفقا لعقد اجتماعي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم ويضمن العدالة والمساواة والحرية. وكم أرجو أن تتفهم النخب المختلفة التي تتنازع رسم مسارات التغيير في اليمن هذه الآمال بطولها وعرضها.
> المواطنة فكرة متبرجة بجمالها لكنها حين تتحول إلى مجاز لغوي فلا مكان لها إلا في سوق الشعارات حيث يمكن أن يزايد بها السياسيون الأفاقون في أي زمان ومكان لكنها بهذه المجازية لا تعني شيئا لموظف يعيش تحت خط الفقر ولا لمثقف لا يجد إيجار منزله ولا لصحفي ارتضى أن يكون متشبثا بأذيال من يدفع له على حساب الحقيقة ولا لجندي إن استشهد لن تحصل أسرته سوى على أربعة كراتين فول وما يعادل مائتي دولار.
> تداهمنا الغصص الفارهة في هذا الوطن المجازي كل لحظة قبل أيام اجتاحتني واحدة منها أحد أصدقائي تكاد تقتله الحيرة ويستبد به الحزن إنه لا يستطيع  توفير فرصة العلاج اللازم لابنته الطالبة في السنة الخامسة طب من مرض قاتل هذا وهو المثقف والأديب والشاعر والشخصية المعروفة كيف يمكن أن نطلق على الوطن وطنا ونحن نعيش فيه عاجزين وخائفين ومشلولين لا تأمين اجتماعيا ذا بال لا تأمين صحيا ولا أي نوع من أنواع الأمن الأخرى. رهن صديقي بيته باعت زوجته كل ما تملك وأرسل ابنته للخارج للحد من تفاقم المرض حتى تأتي المنحة العلاجية أو يأخذ الله وديعته ليس في وسعه ولا وسع أي مواطن عادي أو موظف بسيط أن يدفع  خمسين ألف دولار قرابة شهر مضى ولا يزال صديقي  بانتظار طابور المنح العلاجية في وزارة الصحة ربما يظفر بإحداها لإنقاذ فلذة كبده.
> في هذا الوطن المجازي منذ ما يزيد عن عامين وجه رئيس الجمهورية بمنح  أعضاء اتحاد الأدباء قطعة أرض وحتى الآن لا يزال الأدباء في صنعاء يعيشون الحلم الكاذب بقطعتهم المغدور بها لم يتراجع الرئيس أو يكذب ولم تماطل هيئة الأراضي أو تسوف بكل بساطة  أحد المشائخ الأشاوس (بسط) عليها بالحديد والنار رفض تمكين الأدباء من أرض الدولة الممنوحة لهم رسميا ويريد  منهم أن يدفعوا له إتاوة باهظة عن كل لبنة مقابل أن يأمر بنادق مرافقيه برفع اليد عنها!! ولأن هذا  الوطن المجازي مقرف ومؤلم لم يحرك أحد ساكنا والسؤال هو هل بمقدور هيلمان التغيير الذي نهتف في موكبه اليوم أن ينتصر لوطن كهذا ليمنحنا الكرامة أم سيتركه غارقا في مجازيته¿!!
> الوطن يكون حقيقيا أو مجازيا بمقدار ما يقدمه لمواطنيه قد يكون جنة في الأرض يتهافت عليها الوافدون وقد يتحول إلى سجن كبير جدا كما هو حالنا سجن كبير تتحكم به مراكز قوى تتصارع بينها وتتقاتل وفي كل معاركها نحن جنودها ودماؤنا هي وقود أمجادها الخائبة. وطن لا يحميك وطن لا يعطيك حقك وطن لا يحترم آدميتك وطن يدمي قلبك بحبه ويتبرأ منك في أول اختبار حقيقي يهدد حياتك. وطن كهذا بالتأكيد  وطن مجازي لا علاقة لقلوبنا به.
 
 
 

قد يعجبك ايضا