مشاهد يومية .. عمتي «شنöيúن» 

عبدالرحمن بجاش



عبدالرحمن بجاش

عبدالرحمن بجاش
{ استمرت رحلتها في الحياة ما يزيد على المائة عام وقد حطت رحالها أخيرا نهاية الرحلة في إحدى مقابر العاصمة «وما تدúرöي نفúس بöأيö أرúض تموúت».
لقد تمنت طوال أيام عمرها أن تموت في قريتها وتقبر بجانب أبيها لكن ما كتب في اللوح المحفوظ قد كتب رحمها الله حياتها تلك الممتدة كانت رحلة غنية بكفاح في ظل كل الظروف التي مر بها الإنسان في هذه البلاد وفي الأرياف تحديدا قاسى الإنسان وعانى وواجه ولم يستسلم صادق الأرض أخلص لها منحها حبه وعرقه وكل سني عمره لينال خيرها حبة تسد الرمق وتحفظ الكرامة.
عمتي شنöيúن – رحمها الله – بدأت الرحلة مبكرا تذهب إلى المرعى ككل النساء تعود إلى منزل أبيها تحلب خير البقر وإلى الأرض تعود وتأتي صباح مساء لم تكل لم تمل لم تتبرم تحب منú حولها تمد يدها بالخير وتؤمن وتدرك أنه كلما كان وجهها ملونا بـ «العرقوص» ويداها مخضبتين بالحناء فهو انعكاس لطيب قلبها وحنانها الفياض الذي ظلت توزعه على منú حولها كل السنين حتى آخر لحظة من العمر.
ولاحظ أن كل منú يعيشون في قراهم حيث السماء المفتوحة حتى الأفق والأشجار تسمع الآخرين حفيفها وتمنحهم أثمارها وزرع الأحوال يهبهم حبوب الذرة والبر حيث النظر يذهب بعيدا بعيدا لا يصطدم إلا بالغمام عرض الجبال والسحب حين تسكن الزرقة تراهم يعمرون.
لقد ظلت جدتي والدة أبي وقد عمöرت ما يزيد على المائة عام ظل نظرها قويا وذاكرتها حاضرة حتى ما قبل ثلاثة أيام من وفاتها حين بدأت تخاطب أمها ووالدها جدتي نعمة – رحمة الله عليها – أجمل وأطيب وأرق إنسانة في حياتي كانت في أشهرها الأخيرة لارتباطها بالأرض تصحو يوما وآخر تطرح جسدها على فراشها وفي صباح الصحو تراها وقد «عرقصت» جبهتها وحملت شريمها ومنكبها وإلى الأرض أما لماذا كانت تذهب إلى الأرض بكامل أناقتها فلأن الأرض تستحق أن يذهب إليها الإنسان فرحا مبتهجا أليست هي التي تمنحنا الخبز وجمال طبيعتها¿ فلماذا لا نهبها جمالنا وإحساسنا بها¿
ومن جدتي ووالدها وأهلها تعلمت عمتي شنöيúن كيف تتعامل مع الأرض بحنان تخاطبها بهدوء تهجل لها المهاجل وتدعو الله أن يرويها بخيره ماء زلالا.
رحم الله عمتي برغم نحافتها وقصرها فقد ظلت نشطة طوال عمرها لا يهدأ لها بال في دنياها ولأن دار القرية خلا بعد وفاة أبيها وهجرة الإخوان فقد أصرت على ألا تهجره ففيه ذكرياتها فيه طفولتها على جدرانه لمسات يديها بين جوانبه ذكرياتها وعلى جدرانه مسحت دموع التعب والفرح الدار الدار حيث الحياة الأجمل برغم كل ظلمة دور القرى لكنها بضياء قلبها ونور عينيها عاشت بين جوانبه كما لو أن كل زاوية وركن علق فيها سراج لقد كان سراج نور النفس التي ظلت طيبة طوال الوقت.
وانظر فنساء الريف يظليúن طوال أعمارهن باخضرار القلوب ولون التربة للعيون يمنحن الآخرين الحب والدفء برغم كل عذاباتهن وحرقتهن وحرمانهن لكنهن ظللن أكبر من الحرمان والتعب كنت كلما ظهرت على عمتي قابلتني بـ «الله يقصف عمري» وانظر أي تضحية وإذا طولت الغياب أرسلت إلي «شöجúعل رزقك مثل السحاب» بالتأكيد لم تكن تعلم أن رزقي سيكون هذا العمود وحب الناس وهذا يكفيني وزيادة.
عمتي شنöيúن من حين كبرت مساحة الحركة بين القرية وتعز وصنعاء ظلت خلال السنوات الأخيرة بين قريتها لا تبرحها إلا بعد «الصöراب» تدخل تعز تزور أخاها وتقضي ما تيسر من الأيام وأخوها يحتضنها كما تحتضن الأرض حبات المطر وقطرات الندى ألم تقضö عمرها من أجلهم من أجلنا من أجل الأرض ومائها¿
آه يا عمتي كم يشق الحزن قلبي وجعا عليك وشوقا إلى رائحة الأحوال في زنانك وقمصانك آه يا وجع قلبي عليك إلى صنعاء تأتي بجسدها النحيف وزنتها المزركشة والحناء على اليدين لا يخفي تشققات يحدثها التراب لكنها تظل أجمل من كل مكياج نساء الكون تزور ابنيها عبدالرحمن وعبدالرحمن.
تأتي إلي تحتضنني تحتضن أولادي تشيع البهجة في بيتي وتظل شعلة نشاط تصحو عند الرابعة صباحا تسمعها تهدر بآيات الله البينات ويا «فتاح يا رزاق يا قاضي الحاجات اقضي حوائجنا يا الله».
تسكن الراحة قلبي ويحتل كياني صفاء السماوات وتطرح الخضرة خديها على كتفي أقوم أتملى طويلا في جسدها على السجادة قائمة قاعدة ولا أخرجها من تسبيحها الذي يشق الفجر تلاوة آيات بينات.
عمتي شنöيúن ظلت طوال أيام عمرها نشطة لا يهدأ لها بال لا تنسى فرض الصلاة مطلقا كسرت قاعدة اليمنيين التي لا تدري كيف أسسوها فحين نرى أيا كان وقد ظهرت بين سواد الشعر شعرة بيضاء نصرخ كلنا : ها شيبت عج

قد يعجبك ايضا