الشاعر حسن عبد الله الشرفي راويا 


موضوعيا مهما حاول ذلك فالذات تلك الشاعرة المبدعة صانعة القول ومحركة الخيال وملهمة الحرف من علاماتها أنها تتشظى متوزعة كالروح في مفاصل كل الكتابات وجنبات كل الأنواع الأدبية شعرية –كانت- أو روائية قصصية أو حتى مقالية فكرية فلا شك أن مواقف من الحياة راسخة ومعالم من التجارب الشخصية مؤثرة وطرائف من المفارقات واضحة حين يجري القلم بالكتابة فبوعي ولا وعي يستدعي المبدع المواقف من السيرة الذاتية التي كانت ذات أثر في وجدان الأديب ومن هنا فلا غرابة أن نقول بأن الإنسان خلاصة ما يقرأ في الحياة من مكتوب /مقروء ومن ملموس معاش يظهر كل ذلك ويتجلى في تجربته الإبداعية فيميز ثراءها من عدمه بل وعلى قدر تلك القراءات وعمق التجارب في المعيش بعين الذاكرة الدقيقة وحضور الماضي في الحاضر والمقروء في المكتوب في لحظة الكتابة يكون تميز المنتج الإبداعي وخلوده وتفرده.
 
  ليس ببعيد عنا و لا مستغرب أن يكتب الروائي سيرته الذاتية وظهورها عن عمد أو دون عمد في رواياته بل المستغرب هو عدم فعله لذلك الأمر فطه حسين الأديب عميد الأدب –مثلا- نجده في (الأيام) ومحمد شكري الأديب المغربي الكبير نجده في (الخبز الحافي) وغيرهما كثير ووجود أبطال يروون سيرتهم الذاتية بضمير الغائب أو حتى أنا المتحدث في هذه الروايات المعروفة والشهيرة أمر متحقق مألوف وقد يروي الأديب سيرته مجزءة في رواياته ومتفرقة هنا وهناك في بعض شخصيات تلك الروايات أو مواقف شخصياتها كما نجد ذلك واضحا في «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم أو «موسم الهجرة للشمال» للطيب صالح وغيرها الكثير من الروايات وقد يكون في تجربة الشعراء مثل ذلك بأن يكون خلاصة ديوان الشاعر ومجموعه هو ترجمة غير مباشرة لحياته بما يمكن الدارس والقارئ من جمع تلك السيرة من خلال استقراء حياة الشاعر ومراحله من ثنايا شعره وثقافته وفلسفته في الحياة ونظرته للعالم وبخاصة مع الشاعر المجدد وغير التقليدي الذي تظهر عوالمه الخاصة بين سطور شعره ومنتجه المتمنع عن البوح إلا بعد جهد من قارئه ودارسه فيبدأ النص في تسليم مفاتيحه لمتأمل خيالاته المحلقة ووجدانه المتشعب ومداراته التجريبية وما إلى ذلك ولكنها في مجموعها قد تضعنا -ولو بعد حين- أمام سيرة ذاتية أخرى لمبدعها وإن كانت هذه السيرة –بلا شك- أكثر تعقيدا وأبعد غورا في جهد المتابع الذي لا بد أن يكون على قدر من الخبرة والفطنة في القراءة لمتابعة مثل هذا المبدع المختلف.
   ولكن ما يقودنا إلى ذكر ما سبق هو أنه من المتوفر وجود تلك التجارب من السيرية النثرية منها والشعرية في مجملها في تجارب الأدب ومنتج الأدباء ولكن القليل –وبخاصة لدى الشعراء- هو أن يعمد الشاعر إلى كتابة سيرته الذاتية شعرا ويضمنها – عن قصد- إحدى دواوينه الكبيرة والكثيرة ومن هذا القليل يأتي الشاعر الكبير حسن عبد الله الشرفي الذي يعد صاحب تجربة شعرية ثرية وإنتاج كيفي وكمي غزير منذ أن أصدر ديوانه الأول «من الغابة» عام 1978م عن دار العودة ببيروت مرورا بدواوينه التي تجاوزت العشرين ديوانا تقريبا وقد جمع معظمها في أعماله الكاملة التي نيفت على التسعة مجلدات فبعضها ذات موضوع واحد كـ(ديوان الإمام والبردوني وبيروت وعيون القصائد والحمينيات وغيرها) وبعضها الآخر موضوعها الشعر ولا سواه بعمقه وآفاقه الرحبة وهي تجربة كبيرة لاقت اهتمام الباحثين برسائلهم للماجستير والدكتوراه ليس في اليمن وحده بل وفي كثير من أقطارنا العربية كما لاقت اهتمام النقاد الكبار وأما المعجبين بشعره وقرائه فأكثر من أن يحصوا وأبعد من أن يروا وما تزال بنات خرائده الشعرية وحوريات قصائده المكنونة بحاجة إلى همم الباحثين وجهد الدارسين ليروا أن بها ما لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان والهمة للسابقين والجد والجديد في المدلجين إلى شعره البديع.
   نقف في هذه القراءة عند واحد من دواوين شاعرنا الشرفي وهو المجلد الثامن (الصادر عن مركز عبادي)(2) وهو مدهش كمعظم شعره ولكن لعل ما استوقفنا فيه هو ما بدأنا الحديث عنه في مدخل البداية وهي السيرة الذاتية للشاعر حسن عبد الله الشرفي وتأتي هذه السيرة في التجربة الشرفية ذات قصدية تظهر ملامحها من مقدمة الشاعر لديوانه في قوله: « في البدء كان اللوح والقلم الحلال وكانت القصيدة بنشأتها الأولى في تلك الشعاب وفي نشأتها الأولى في عشرها الأولى من الفجر كيف لها أن تدري¿!…. تشكيلة من الأحاسيس الملونة بحبات «الشدن» وريش العقب.. وبينها طفولة قلب عالق بجديلةö إحداهن هذه «الإحداهن» كان وجهها كلما لوحته شمس النهار في المرعى من كل يوم تحول إلى عجينة من الياقوت الرطب مطعمة باللؤلؤ الراشح عالم من اللغات المبهمة في المخيلة محمولة جوا على أجنحة الأسئلة وكلها قاب نهدين أو أدنى من مراهقته المتربصة…»(3)
   يا لهذه المقدمة المفعمة بالشعر رغم أسلوبها النثري إنه شاعر حت

قد يعجبك ايضا