تأملات ..التنافس البناء والتنافس الهدام(1-3) 

محمد عبدالماجد العريقي


محمد عبدالماجد العريقي

محمد العريقي

في عام 1992 م سلمني الاخ والصديق الدكتور اسماعيل ناصر الجند  موضوعا بعنوان ( التنافس البناء والتنافس الهدام ) , واخبرت الدكتور إسماعيل باعتباره صديقا عزيزا ان موضوعه بحاجة الى حذف بعض الجمل والعبارات , رأينا فيها اتجاها  للتصعيد , عندما كانت تعيش البلاد على مشهد المماحكة السياسية بين الاحزاب .

فطلب مني أن اعيد له الموضوع, فكان موقفا محرجا لي عندما  اخبرت صديقي بعد بحث طويل بين أكوام الاوراق والصحف ان موضوعه  قد ضاع ولم اجده .

ومن وقتها والعزيز اسماعيل يمازحني  كلما ألتقي به .. ( ها لم تجد موضوعي ¿)

وقبل يومين وانا افتش في أوراق قديمة وقعت يداي على المقالة , فاتصلت به فورا , وقلت له: خلاص موضوعك سينشر غدا .. غير انه فاجأني برفضه ذلك , وقال : إني كتبته  في لحظة كنت متحمسا للكتابة , أما الآن  فيكفي  ماهو موجود .

لكني عندما قرأت الموضوع مرة ثانية وجدته كأنه يتحدث عن الواقع الذي نعيشه الآن  رغم ان صاحبه كتبه عام  1992م.

واحتراما لفكر صديقي اسماعيل الجند اليقظ , اجد من واجبي استعراض ابرز  النقاط التي اثارها ذلك الموضوع .

حيث يستهل المقال بخلفية مركزة  حول ظاهرة التنافس كغريزة وسلوك فردي وجماعي منذ القدم , ومراحل تطور هذا الأسلوب  ليصبح  يشمل المجتمعات , فظهرت الامبراطوريات , وبرز تصارع القوى ,للسيطرة  على الموارد , والمواقع , وظهر الصراع الايديولوجي , الذي  واكب احداث تطور هائل في مجال صناعة الأسلحة التقليدية , وغير التقليدية.

أما العالم الثالث فكان يعاني من المجاعة والأمراض والحروب التي رافقت تنافس المعسكرين للسيطرة على العالم وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار ذلك النوع من التنافس على المقاس العالمي كمثال للتنافس الهدام وقد أدى غياب التنافس الاقتصادي البناء بين مجموعة دول المعسكر الاسترالي إلى تدهور اقتصادها وبالتالي انتهاء ذلك المعسكر في الوقت الذي ساهم التنافس بين شعوب المعسكر الرأسمالي إلى تطوير البنية الاقتصادية لدول هذا التحالف ويمكن مشاهدة حدة التنافس بين أوروبا وأمريكا واليابان الذي ما زال يعتمد حتى الوقت الحاضر أسلوب مضاعفة الجهود والإبداع وسيلة للتفوق ويساهم أفراد هذه المجتمعات في هذا التنافس من خلال الإخلاص والتفاني في أعمالهم واستثمار أموالهم الخاصة عن طريق المساهمة أيا كان حجمها في تكوين الشركات التي تعود مردوداتها عليهم وعلى مجتمعاتهم إضافة إلى ذلك يحرصون على الأموال والممتلكات العامة بنفس الحرص على ممتلكاتهم الشخصية وهذا النوع من التنافس الواعي بين أبناء هذه الشعوب هو ما نستطيع أن نطلق عليه التنافس البناءوهناك أنواع أخرى من هذا النوع من التنافس بين الشعوب والأمم كالتنافس الرياضي والأدبي والعلمي الذي يعمل على تطوير قدرات المتنافسين وذلك من خلال تنظيم الألعاب الأولمبية والندوات والمؤتمرات الأدبية والعلمية على المقاس الدولي.

وإذا كان التنافس البناء في وقتنا الحاضر بين أبناء شعوب أوروبا وأمريكا واليابان قد ساهم إلى حد كبير في تحقيق المستوى الاقتصادي والتكنولوجي المتقدم لهذه الشعوب وساهم في خلق علماء وأبطال رياضيين أو أدباء وفنانين عالميين فإن انعدام هذا السلوك الواعي لدى أبناء الشعوب العربية قد جعلها تعيش منذ أن انتهت الخلافة الإسلامية ظروف تخلف وتمزق حتى اليوم فالتنافس الهدام الذي رسمه أعداء هذه الأمة تمارسه هذه الدول من دون تفكير أو استفادة مما يدور في العالم فنحن نجد هذه الدول بدلا من أن تتنافس فيما بينها على النمط الأوروبي نجدها توظف إمكانياتها وطاقاتها للقضاء على قدرات بعضها البعض حتى ولو أدى الأمر إلى التحالف مع الأعداء الحقيقيين لهذه الأمة . إضافة إلى ذلك تعمد هذه الدول إلى القضاء على سلوك التنافس البناء بين أبنائها في المجالات العلمية والإنتاجية والإدارية بوسائل عدة منها إهمال مبدأ الثواب والعقاب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعدم الثقة بكوادرها إلى غير ذلك من عوامل الإحباط وإذا كان المجتمع اليمني قد عانى قبل قيام الوحدة في 22 مايو 1990م من مثل تلك السلوكيات فسنحاول أن نلقي الضوء على نوع وشكل التنافس بين أفراده وقواه السياسية خاصة في ظل التعددية الحزبية التي يعيشها اليوم.( يتبع غدا)

قد يعجبك ايضا