مشاهد يومية .. عن الشمس التي ستشرق من بين الركام!!! 

عبدالرحمن بجاش



عبدالرحمن بجاش

عبدالرحمن بجاش
{ كأن هيروشيما وناجازاكي لم يكفهما اختبارا لقدرة الإنسان على الانطلاق من نقطة الألم والدفع بحياته قدما من لحظة العذاب!! في صورة تحكي كل شيء مدينة تحولت إلى أنقاض لم يبق فيها سوى هيكل لقبة سماوية علها كانت لمسرح أو جامعة أو دار أوبرا وعجوز تتفرج بذهول لهيروشيما التي حولتها القنبلة الذرية إلى مجرد أطلال!! ناجازاكي هي الأخرى لم يتبق منها شيء لتستسلم اليابان ولم تسلم روحها ومن بين الأنقاض والأطلال عادت أمة يشار إليها بالبنان ولا يزال العالم يبحث عن سر المعجزة!!
تتعرض بلاد الشمس المشرقة حيث لا يبني الإنسان سكنه فوق الجبال يؤمن اليابانيون أن القمم تسكنها الشياطين!! رغم أن اليابان صعدت إلى قمة العالم اقتصاديا وخلال سنوات بين 1945م مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وأيامنا!!
تتعرض تلك البلاد لهزات أرضية على مدار الساعة ولذلك لا يستغرب المرء حين يجلس في الطابق الثلاثين – مثلا – لأي عمارة ويرى القناديل والأدوات المكتبية وهي تتأرجح لقد تعود الناس على ذلك وعماراتهم صممت بفواصل بين كل طابق وآخر من «الاسبرنج» حيث تمتص أثر الهزات بين الفراغات.
وأغلى سعر أرض في الكون – ربما – في اليابان لشحة المساحات ولذلك تراهم وقد ردموا المحيط وأنشأوا أعظم مطارات العالم واليابان بالمجمل عبارة عن جزر متناثرة عددها (4000) أهمها : كايرو هونشو كيوشو شيكوكو ربطوها ببعضها بأجمل وأقوى شبكة طرق في العالم حيث ترى الجسور وقد علقت فوق الأودية السحيقة وعلى البحر تراها وقد اعتلت الماء بتصميم هندسي لا يجيده سوى اليابانيين ولن نقول جديدا حين نذكر بأن الياباني أكثر شعوب الأرض إنتاجا ومن حبه للعمل ترى العامل وقد أنهى ورديته في المصنع أو المنشأة ويرفض العودة إلى المنزل يظل بجانب الآلة يصونها ولذلك تراهم وقد خفضوا ساعات العمل!!
والياباني أكثر أمم الأرض ربما احتراما لقيم العمل فأن تأتي من جامعة هارفارد خريجا وبشهادة أعلى لا يعني هذا لهم شيئا إذ يكون مكانك بعد صاحب الخبرة التي اكتسبها خلال سنوات لا نزال في الدول المتخلفة نرى أن الشهادة جواز مرور إلى كل شيء باستثناء الإنتاج ولذلك ترى معظم أصحاب الشهادات إما عاطلين وإما هم في الأغلب بطالة مقنعة!! هم هناك في المعامل والمصانع ونحن في البلدان المتخلفة على أبواب الخدمة المدنية حيث النظم العتيقة التي لا تحسب للخبرة حسابا نبحث جميعنا وشهاداتنا الورقية بأيدينا عن الوظيفة ملجأ العجزة لقد نجحوا حين سيدوا شعار «المشروع الخاص» ومن لحظة أن ذهب صاحب «سوني» إلى نيويورك بعد الحرب الثانية ليشتري الترانزيستور بـ (24) دولارا – فقط – لقد سخروا منه لكنه لم يعرهم اهتماما الآن سوني غزت الكون حتى السوق الأمريكية وبغزارة!!
لقد تابعنا هول الكارثة التي حلت بذلك البلد العظيم بلد ذلك الشاعر العظيم الذي حرض شعبه على التخلص من مادة في دستور ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي لم ير غير طريق واحد ليحرض شعبه على أن يثور على ما رآه استعمارا سيخنقها إلى الأبد فاحتجز كل منú في البرلمان حتى أتت الشرطة ووحدات الجيش فخطب في الجند والشعب الذي أتى ليسمع وانتحر ليس كما ينتحر الآخرون بل على طريقة «الساموراي» حيث الانتحار شرف ورجولة!! ليثور اليابانيون على المادة إياها وينتصروا وتظل ذكراه سراجا ينير الطريق لليابانيين في ما بعد.
وانظر أحد أسرارهم فبرغم هزيمتهم إلا أنهم أبقوا امبراطورهم «ابن السماء» رمزا لليابان وحيث يملك الآن ابنه فهو عالم نباتات وليس ملكا عاطلا!! وبرغم كل التطور وبرغم كل السيطرة على سوق الإبداع والاقتصاد إلا أن اليابانيين وهنا انظر إلى مسألة الروح في الموروث الياباني لبس الأطباء «الجوانتي» حين كان لا بد من لمس جسد الامبراطور المسجى!! قالوا : «لا يجوز لمس جسده»!! هنا تستطيع تلك الشعوب أن تجد طريقا للروح بجانب المادة وهي خاصية شعوب جنوب شرق آسيا حيث لا تزال «الكونفوشيوسية» تهدي الحائرين وتوجه المبدعين لذلك ترى اليابانية حين يدخل الزوج إلى المنزل تنحني له راكعة ليس خنوعا بل هو السر الياباني وفي هذه النقطة تحديدا يتبين المرء أحد الأسباب الرئيسية – مثلا – لسقوط الحزب الشيوعي السوفيتي حيث تحول إلى آلة صماء لقد أغلقوا الكنائس والمساجد فأصبح الإنسان في لحظة كالآلة لكن الحزب الشيوعي الصيني لا يزال يقود التحول فيها بوحي من تعاليم كونفوشيوس ربما!! هي أسرار تلك الشعوب.
الكوارث – أيضا – تصنع الأمم والشعوب وتعيد صياغة إرادتها ولأن هناك شعوبا تستطيع الإمساك بزمام اللحظة وتحولها إلى دافع جديد للتقدم إلى الأمام.
وانتظروا وسترون كيف سيخرج اليابانيون منتصرين موحدين من وسط الآلام والحرائق ومن وسط الركام سنرى وقريب

قد يعجبك ايضا