الحياء

د سعود محمد الشاوش

د/ سعود محمد الشاوش –
«اللي اختشوا ماتوا « اعتقد أن الكثير من الناس قد سمع هذه المقولة الدارجة وهي تعني أن الناس التي تخشى الله والناس لم يعد لها وجودوقد عرفت قصة هذا المثل أثناء دراستي في جمهورية مصر العربية وقصة المثل حدثت عندما شب حريق في احد حمامات البخار العامة في القاهرةوأدى ذلك الحريق إلى هروب من كانوا في داخل الحمام من دون ملابسهم أما الذين استحوا من أن يخرجوا من غير ملابسهم فقد آثروا الموت على النجاة .
والحياء شعبة من شعب الإيمان وهي صفة من صفات الأنبياء والرسل عليهم السلاموكان سيدنا محمد أشد حياء من العذراء في خدرهاورغم عظمة هذه الصفة وأهميتها إلا أنها أصبحت تشكل عائقا أمام أصحابهاوهذا ما توضحه الأسطرالآتية.
مشكلة أن تمض بالإنسان السنون وهو لا يحقق فيها إلا القدر الضئيل من كل شيء وأصبحت القلة القليلة من كل شيء هي ما يبتغيهوتصبح النفس عاجزة عن تحقيق أحلامها ولو في حدودها الدنيا ويصبح الإنسان عاجزا عن الموائمة بين حيائه واحتياجاته.
السؤال الذي استعصى عندي حله هو: كيف بالإمكان الجمع بين المبادئ والاحتياجات¿ وهل من الممكن أن تسير المبادئ والاحتياجات في خط متواز ومستقيم¿ وهل من يتطاولون في البنيان ويرفلون في ثياب الرفاهية قد استطاعوا القيام بهذه الموائمة ما بين الأخلاق وما بين الاحتياجات¿.
اعتقد أنهم فعلوا ذلك ولكن بتغليب جانب تحقيق الاحتياجات على حساب المبادئ فمن المسلم به عندي انه لا يمكن أن تحقق كل احتياجاتك ولا تزال محتفظا بقيمك ومبادئك وان كانت هذه النظرة ليست عامة لكن الكثير من الناس ينطبق عليه ذلك.
وهل يمكن القول بان قيم الحياء والأخلاق والمبادئ أصبحت قيما محبطة ومعيقة أمام حياة أكثر كرامة وإنسانية(ولا أخفيكم سرا أن مثالية المبادئ وصفات الخير المطلق أصبحت عسيرة على التقيد بها) ما هو الحل إذن¿ أنبقى نستجر قيم الأخلاق والمبادئ¿ في حين أن المحافظة عليها أصبحت عائقا وسدا أمام حياة أفضل وأكثر سهولة¿أم نسير في نفس الموكب الذي يسير فيه الآلاف والكل فيه يرفل في ثياب الرفاهية والكل فيه يفاخر بما لديه من نجاحات وحاجات استطاع تحقيقها دون تعب أو إجهاد فكر أو عقل أو عضل أو حياء.
هل يتسول الإنسان بقلمه وفكره ضاربا عرض الحائط بكل القيم والمثل¿وهل يزيل برقع الحياء كما يقولون¿وهل يمسح عرق الحياء من جبينه لو أحرجه ذات يوم وتصبب منه¿ ولاشك أن هناك فرقا وبونا شاسعا بين عرق الحياء وعرق عدم الحياءفعرق الحياء ساخن لأنه يخرج من أعماق النفس قبل أن يخرج من أعماق مسامات الجلد وهو كالدم لا يخرج إلا من سوء ولا يخرج إلا من ألم ووجع وعرق عدم الحياء يخرج باردا كصاحبه ويخرج من جلده وليس من أحاسيسه ويخرج لأنه يلهث بحثا عن إشباع حاجه لا تسد له رمقا ولكن تسد له طمعا وجشعا لا ينتهي.
وأعود لاتساءل ما هو الحل¿ وكيف نوازن بين حيائنا واحتياجاتنا¿ اعتقد أن لا حل لهذه المعضلة فحلها لا يعرف أنصاف الحلول ولا يكون إلا بتغيير المسار من أساسه فإما أن تكون من أصحاب الحياء وترضى بما أنت فيه متلذذا بكثرة ما يتصبب منك من عرق الفضيلة والكرامةوصابرا على متاعب الحياة ومصاعبهاراضيا بحالك كما أنت وبذلك تكون قد بلغت مرتبة عليا من مراتب الفضيلة تنافس فيها غيرك من أصحاب الابتلاءات والمكاره(وما أكثرهم)وإما أن تكون من عديمي الحياء لا يتصبب لك عرق إلا عرق اللهث وراء ملذات الحياة ولا يقلقك ويقض مضجعك إلا البحث عن توفير الاحتياجات الجديدة التي لا تنتهيولا يهمك أبدا أن تستجر قيم الخير والحق والفضيلة التي لا تعرفها أصلا وإذا ما استمريت على هذه الحال فأنت تنافس الكثير من عديمي الأحاسيس والحياء(وما أكثرهم) وبذلك ستضمن أن يكون لك مكانة متميزة بين أقرانك وأشباهك ممن يتطاولون في البنيان ويرفلون في ثوب الرفاهية إذا.. أما.. و أما.. هذا هو الحل ببساطة وهو حل قطعي ليس فيه إنصاف حلولفطريق الخير بين وطريق الشر أكثر وضوحا وشفافية وما عليك إلا أن تسير في أي الطريقينوطريق الشر هو الأسهل والأسرع تأثيرا والأقل استعدادا وما عليك إلا أن تبدأ بنزع الحياء عنك لتكون هذه هي الخطوة الأولى والرئيسة لنيل ما تبتغيه أما إذا كان لك نصيب من العلم والدهاء والخبث وقلة الضمير فأنت من أصحاب الحظ العظيم وستكون كل طرق الانحراف مفروشة أمامك وستجد لك الكثير من الأنصار ومن المؤيدين وتأكد من بزوغ نجمكوسطوع شخصيتكوستكون شخصا مهما يشار إليه بالبنان.
أما إذا كنت من أصحاب الحياء فلا حياة لأصحاب الحياءوستموت متدثرا بحيائكوتأكد أن لن يسير في جنازتك إلا من هم على شاكلتكوقد يجد أبناؤك في موتك كارثة مزدوجة كارثة وفاتك وكارثة ما تركت لهم من مبادئ وقيم ستكون قطعا عاجزة عن تغطية تكاليف موتكوبذلك تكون قد جنيت على نفسك وعليهموبالتالي فقد لا يكون لك ولد صالح يدعو لك لأنك لم تترك له ما يستعين به ع

قد يعجبك ايضا