الماء.. همُّ الحياة اليومي لنساء اليمن

تحقيق / محمد محمد إبراهيم
أربعة أشهر تمر بلا كهرباء، منذ الانهيار الكلي للمنظومة الوطنية للطاقة التي انهارت معها كل ممكنات الحصول على الإضاءة والغسل السريع وتنفس صعداء الحرب والحصار الظالم عبر شاشة التلفاز ولو لساعة واحدة، وكذلك رفع الماء من الخزانات الأرضية إلى الدور الرابع، حسب ما كان الوضع عليه حين كانت الكهرباء تأتي ساعة واحدة كل خمسة أيام. اليوم ومنذ أربعة أشهر تجد الحاجة(م.ن.ز) وابنتاها وابنها الأكبر14 عاماً، مع كل صباح ومع كل عصر أمام خزانات المياه التي وضعها أصحاب الخير في حواري شارع العدل أو أمام المسجد المجاور لوزارة العدل مع فرائض صلوات النهار الثلاث (ظهر-عصر- مغرب).. فالمشروع الذي يزودهم بالماء ثلاث مرات كل أسبوع، ومن ثم مرتين كل أسبوع ومن ثم مرة، وفي الأخير انقطع تماماً- حسب قولها- لم يعد منه سوى الذكريات التي جملتها الظروف القاسية وجعلت الناس يدركون القيمة المعيشية المريحة التي كانت تمثلها الكهرباء ومشروع المياه الحكومي، الذي إن وجد بطريقة أو بأخرى تقوم بضخه المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي، لا يوجد كهرباء ترفع الماء عبر المضخات إلى السطوح، العليا أو حتى إلى المطابخ والحمامات..
تقول الحاجة (م.ن.ز) رداً على سؤالنا بخصوص الاستعانة بجارهم الذي يملك مولداً، أو شراء وايت ماء: أربعة أشهر ليست قليلة بأن يراق ماء الوجه حرجاً كل ثلاثة إلى أربعة أيام بمزاحمة الجار الذي يتحمل تكلفة باهظة في شراء الديزل والبنزين أو الغاز، دون أن نستطيع المساهمة معه في ذلك لنحصل على التيار الكهربائي لرفع الماء.. ولو كان معنا (فلوس) فائضة على قوتنا الضروري من الخبز والزيت والخضار، والملح، ومياه الشرب، والإيجار.. لأ شترينا وايت ماء كل أسبوع وكفينا أنفسنا وأبناءنا تعب الطوابير على الماء.. ناهيك عن أن ثمن الوايت الماء وصل إلى 5000-8000 ريال.
هذا هو حال جُلّ نساء صنعاء- من الأسرة الفقيرة- وغيرها من المدن اليمنية التي شملها الحصار والقصف الظالمين منذ ثمانية أشهر، ناهيك عن أن الحال الذي تعيشه الحاجة(م.ن.ز) المذكورة آنفاً، بدأ حصاره منذ بداية العام 2015م حيث بدأت قوى التخريب الداخلية بإنزال ضرباتها العدوانية والهمجية على كل مقومات المنظومة الوطنية للكهرباء في مارب، محدثة شللاً لا يمكن معالجته بالقيل.. ولكنه كان أقل وطأة من حاله بعد العدوان السعودي وحصاره الشامل وقصفه الظالم والمدمر الذي اتحدّ مع عملائه من تلك القوى في تدمير كل مقومات الحياة اليومية لليمن.. فاليوم لا تمر من أمام جامع أو شارع إلا وتجد طوابير النساء والأطفال والرجال على حنفيات خاصة نصبت لمواجهة معضلة المياه أهم مقومات الحياة اليومية بل مقومات الحياة على مدار الساعة.. ولعل الإيجابي واللافت في هذه الظروف الصعبة هو تزايد منسوب العمل الخيري والتكافل الاجتماعي خصوصاً في تزويد الأسر الفقيرة بالمياه، فانتشرت الخزانات الخيرية في كل شارع وزقاق وفي الساحات العامة، وفي مداخل حواري الفقراء لتشكل تجمعات بشرية من النساء والأطفال.
الصورة الأنصع في كفاح المرأة اليمنية ودورها في حياة الأسرة والمجتمع وبل وفي البناء، هي ما تلاقيه عبر الزمن من معاناة وصبر وصمود في جلب الماء كهمٍّ يوميّ لا مفر منه، خصوصاً في الشتاء، وفي سني القحط،  في كل مناطق وأرياف اليمن، حيث يقع توفير مصدر الحياة الأول(الماء) على عاتق المرأة، هذا في الظروف الطبيعية، أما في الظروف الصعبة التي توصل فيها مستويات الدخل المعيشي إلى الحدود الدنيا التي لا يقدر فيها رب الأسرة على شراء حمولة سيارة ماء في الحضر أو الريف، فأن المرأة اليمنية تخوض حرباً شرسة مع الواقع ومع الطبيعة، فتشاهد في الريف طوابير النساء وتجمعاتهن كأسراب قتالية ناعمة، تتحد لمواجهة أخطار ظلام الليالي القارسة عند عيون المياه، في بطون الوديان وعند آباط الجبال، وفي كهوف وتجاويف الصخور بحثاً عن الماء حد تقطيره من ضرع الطبيعة.. كما تشاهد أسرابهن من الصباح الباكر، على موارد المياه في كل اتجاه.. هذه نظرة خاطفة عن قصة كفاح النساء اليمنيات للحصول على المياه مصدر الحياة الأول، فالمقام هنا لا يتسع لشرح المعاناة وتفاصيلها المؤلمة، بقدر الإيضاح هنا أن السباق الباكر إلى عيون المياه ومواردها لم يعد محصوراً على نساء القرى اليمنية المعلقة في أعالي الجبال، أو المفترشة لسفوح الأودية، والقيعان الزراعية، قد ذاقت نساء المدينة حظها في هذه الظروف في كل المدن الرئيسة بمن فيها العاصمة صنعاء، بعد أن عكست الحرب على سكان هذه المدن أزمات مياه خانقة، ضاعف اختناقاتها مستويات الدخل المعيشي التي تراجعت حد التوقف لدى مئات الآلاف من معيلي الأسر.. لتنحرف بوصلة الاهتمام لدى المجتمع اليمني من مسار البناء والتخطيط المستقبلي إلى مسار مواجهة معركة البقاء، أمام قصف بربري لا يرحم، فمات حلم المجتمع اليمني المتمثل في تمدين القرى بالخدمات للحد من هجرة الريف إلى المدن،  بفعل العدوان الذي أريَفَ المدن، بدل تمدين الأرياف..
تصوير / فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا