الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة

نشأت الجوهري الشرقاوي *

الدعوة إلى الله عز وجل من أفضل العبادات وقال المولى تبارك وتعالى في شأن ذلك «ومن أحسن قولاً من دعاء إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين» سورة فصلت.. وفضل هذه العبادة يكمن في أن هؤلاء الدعاة يأخذون بأيدي الناس إلى طريق الله تبارك وتعالى يأخذون بيد الناس لإظهار الحق من الباطل يأخذون بأيديهم إلى طريق الهداة والرشاد ولكن هذه الدعوة لا بد أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة وهذا ما أمر الله عز وجل به قوله تبارك وتعالى:-
«ادع إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» وأمر كذلك بالقول الحسن فقال تبارك وتعالى « وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً» وهذا هو فقه الدعوة إلى الله عز وجل وتلك هي القاعدة الأولى أن تكون الدعوة بالحكمة أولاً باختبار الأسلوب الأمثل المليء بالحكمة حتى يبلغ رسالة الله عز وجل جلية واضحة بما أتت من سماحة ويسر ووسطية واعتدال، وإذا أراد الداعية أن ينجح من مهمته فعليه أولاً أن يكون صادقاً مع نفسه صادقاً مع الله عز وجل؟ ثانياً أن يعلم أنه مصدر القدوة للناس والأسوة فإن خالف فعله قوله باءت دعوته بالفشل وباء كذلك بإثم عظيم يقول المولى تبارك وتعالى « كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ» الصف ثالثاً وهو الأهم الإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل رابعاً عليه أن يعلم أنه من أعظم المهن وأشرف الأعمال لأنها مهنة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من قبل؟
ثانياً: وأما عنه صلى الله عليه وآله وسلم فكان للدعاة إماماً ومرشداً وهادياً وصدق نبينا الكريم حينما وصفه بقوله تبارك وتعالى « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ» ويكفينا هذا النموذج منه صلى الله عليه وآله وسلم والذي يبين فيه فقه دعوته وحكمته العالية وأن للدعوة أسساً وأساليب يجب أن توضع في الاعتبار لدى الداعية؟
وهذا أعرابي يأتي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويروي لنا قصته أبو هريرة رضي الله عنه يقول «كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغدوات في المسجد فإذا قام إلى بيته لم ينزل قياماً حتى دخل بيته فقام يوماً فلما بلغ وسط المسجد أدركه أعرابي فقال يا محمد حملني على بعيرين فإنك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك وجذب بردائه حين أدركه فاحمرت رقبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وأستغفر الله لا أحملك حتى تقيدني قالها ثلاث مرات ثم دعا رجلاً فقال احمله على بعيرين على بعير شعير وعلى بعير تمر» الله أكبر الله أكبر ما أحلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعظمه.. رجل يستعمل معه أسلوباً لا يرضاه أحد لنفسه لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفر الناس بل حبب الناس في الدين وفيه عليه الصلاة والسلام، يطلب صلى الله عليه وسلم من الرجل القصاص والعود فيأبى الرجل إلا أنه النبي الكريم لم يعامله بعمله ولكن عفا وتكرم وأمر للرجل بالعطاء وفي رواية أن الصحابة هموا أن يقوموا للرجل الأعرابي فنهاهم المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: ومن الآثار الطيبة والتي تبين حكمة الخليفة المأمون أنه دخل عليه رجل ذات يوم ليعظه فغلظ عليه في الموعظة ورد عليه المأمون رداً حكيماً وقال له يا هذا أن الله قد بعث من هو خير مثل إلى من هو شر مني أرسل موسى وهارون وهما أفضل منك إلى فرعون والذي هو شر مني فأمرهما الله عز وجل أن يقولا قولاً لينا فقال تعالى « فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» طه.. فالحكمة مطلوبة في الدعوة إلى الله لتكون وسيلة لجذب قلوب الناس وترغيبهم في دين الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» هذا والله أعلم.

* عضو البعثة الأزهرية

قد يعجبك ايضا