مذبحة “تنومة” في ذاكرة الشعر العامي

 

علي أحمد جبل

وثقت القصيدة الفصيحة والعامية على حد سواء للأحداث الكبيرة في التاريخ اليمني, باعتبار أن الشعر هو روح الأمة وذاكرتها, ومن تلك الوقائع الكبيرة مذبحة الحجاج اليمنيين التي ارتكبها قتلة الملك عبدالعزيز آل سعود في منطقة تنومة عام 1922م, وكان عددهم قرابة ثلاثة آلاف حاج لم ينج منهم إلا من عاد مخبراً بالفاجعة المروعة التي اهتز لها وجدان اليمنيين فانبروا يخلدونها شعراً ونثراً.
فمن الشعر الفصيح قصيدة ذائعة الصيت للقاضي يحيى الإرياني, وهو والد رئيس الجمهورية الأسبق عبدالرحمن الإرياني, كان مطلعها :
جنيت على الإسلام يا ابن سعود
جناية ذي كفر به وجحود
وكذلك قصيدة العلاَّمة يحيى بن علي الذاري, التي جاء في أولها قوله :
ألا من لطرف فاض بالهملان
بدمع على الخدَّين أحمر قانِ
بما كان في وادي تنومة ضحوة
وما حل بالحجاج في سدوانِ
ومن الشعر العامي بين أيدينا اليوم قصيدة لأحد الشعراء غير المشتهرين اسمه علي أحمد جبل, كما ورد في نص القصيدة, وقد أهدانا مشكوراً صورة من مخطوطتها الأخ العقيد عبدالوهاب علي الهندي.
وتتألف القصيدة من قرابة ثلاثمائة شطر شعري مليئة بالتوجع والحزن على دم الحجاج المغدور بهم وداعية للأخذ بحقهم من القتلة.
وهي مبنية على هيئة شعر الموشحات, متألفة في كل دور من أربعة أسماط (أشطار), ويتبدل فيها الروي في كل مرة, في حين يتبع الأسماط الأربعة قفل من شطرين بروي واحد, ويتكرر الشطر الأخير من القفل في كل الأقفال.
وبعيداً عن القيمة الفنية للقصيدة تكمن أهميتها في أنها أرخت بوعي الذاكرة العامية وبساطتها لهذا الحدث الأليم.
وورد في نهاية مخطوط القصيدة أنها كتبت في شهر محرم سنة 1342هـ بخط شخص اسمه يحيى أحمد عبدالله, قال إنه كتبها لعناية شخص آخر اسمه حمود بن حمود إسحاق, وقد اخترنا منها ما يلي :

يا الله الغوث بك يا وثيق الحبال

يا مسلمين كيف عاد السرور
وحجاجنا في بطون النسور
من ذاك ملحق بهم في المغول
سواك يا من عليك الصبور
فالغوث بك يا مُجيب السؤال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

فيا غارة الله يا أهل العقول
حجاجنا اليوم صاروا قتول
ساروا مقاتيل بتلك السهول
ألا يا مساكين وماذا نقول
كيف عاد نسلا وكيف الحلال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

فيا من لك الأمر والمقدرة
حاشاك ترضى بذا المنكرة
من مجرمي الفرقة الفاجرة
بلا دين ملاعين في الآخرة
اذي بالإسلام قد صدقوا بالفعال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

يقول علي أحمد جبل في القصيد
أمسيت ساهر وقلبي بليد
مِن علم أغضب جميع العبيد
فابن جبل ليس عاده يريد
دون الشهادة واسير بروس الجبال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

يقول علي أحمد, حين, يا رشود
أمسيت ساهر حزين الكبود
حيث حجاجنا اليوم ساروا فيود
شاهد الموت منهم بأرض النجود
ساروا لحوماً مقطع وصال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

أمسيت في الليل باكي حزين
ودمعي على الخد مثل الزنين
والقلب ضايق وفيه الحنين
يا عين ابكي بكا كل حين
على من بنجدٍ وتاك الرمال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

قد بكت امجن الذي في امحيود
وبكيت وحاش بكل الردود
ثم بكيت أطيار وادي زرود
من أفعال عبدالعزيز السعود
الباغي الفعل ابن الصلال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

كيف حجاج قتلوهم وَحَدا
كتب الله لهم أنهم شهدا
والشقيين صاروا منّهم سُعدا
ويوم نلقى محمد ومدّ اليدا
ثم عند الله له كل الفعال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

ألف طوبى لحجاجنا المسلمين
ولربنا الأمر في الظالمين
قاتل الله نجداً في العالمين
يصبحوا الكل في دارهم جاثمين
شرّد الله أعمالهم بالوبال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

يا إله السماوات أنت الودود
اجعل أصحاب نجد كما قوم هود
وكبيراً لهم مثل فرعون يعود
ذي أورد القوم بئس الورود
أهلك الله أطفالهم والرجال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

فأين الإسلام من شامها واليمن
أين من كان يعرف شروح السنن
أين قوم يعدون طود المحن
أين أهل المهاري وهجم الزمن
أين فرسان ذي يطعنوا بالنصال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

أيها الناس من كان حامل سلاح
حاموا الدين يا أهل العقول الرزاح
جاهدوا بعد هذا قد النصر لاح
راجعوا الله وفي حب سيد الملاح
ومن توكّل على الله نال السؤال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

شلّوا العز في ساعة الحاضيه
وخذوا الثأر بالحجة الماضيه
من يجاهد ففي عيشة راضيه
ثم يا ليتها كانت القاضية
ناخذ الأجر والفائدة في القتال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

أيها الناس ما هذه الخاتمه
القيامه بذا وقتنا قائمه
والحوايم على المسلمين حايمه
والجنايات في الدين متلاحمه
وكثير من الناس عنده مقال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

وفي آخرها يقول الشاعر :
يا غنياً عن الخلق كن لي رؤوف
أمِّن العبد فيما يخوف
واقبل العذر قبل اللقا والوقوف
يا مُجيب يا قريب يا رحيم يا رؤوف
يا مهيمن تباركت يا ذا الجلال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

يا الله اليوم يا من يدك قادره
ولك أعيان يا ربنا ناظره
أنت عالم بسرّي وبالظاهره
ظني الخير فيك أطلب المغفره
فاعف عنّي إذا قد ذنوبي ثقال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

وتاريخها اثنين بعد اربعين
داخل بحجه, العلم ذا اليقين
بأرض أهل الحجاز كان في المسلمين
مجزرة قام بها العصبة الظالمين
واعتدى القوم أهل العمى والضلال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

والصلاة تبلغ الطهر ثم السلام
تبلغ أحمد وآله نجوم الظلام
كلما ناح في الجو طير الحمام
وعلى الصحب والتابعين الكرام
والمع كل بارق وما المزن سال
يا الله العون بك يا وثيق الحبال

وفي آخر القصيدة ما نصّه :
بعناية الأخ ضياء الإسلام والدين حمود بن حمود إسحاق, وكان رقمها يوم الثلوث وذلك في شهر محرم 1342هـ, وكان التمام من رقمها يوم الربوع 23 محرّم سنة 1342, نسأل الله يحسن لنا وللمؤمنين الختام.
كاتبها/يحيى أحمد عبدالله

قد يعجبك ايضا