مهنة الصيد في اليمن.. من عذاب التقطع والقرصنة.. إلى جحيم العدوان

ملفات لا تُنسى:

رصد- مركز الدراسات والمعلومات بمؤسسة الثورة

*نحو 300صياد حصدتهم العاصفة.. والبقية بين مصيرين؛ الموت جوعاً.. أو الموت قصفاً
*لعبة وضع اليد على ثروة بحرية تتجاوز النفط.. وتجريف يهدد المستقبل

خلال الفترة الماضية؛ كان واضحاً أن طيران التحالف المشؤوم يمعن في استهداف القطاعات المرتبطة بالغذاء؛ بصورة مثيرة للريبة، لا لشيء سوى لإحداث هزة غذائية وفوضى اقتصادية تمنحه انتصاراً بأي ثمن؛ وتعوض خيباته العسكرية على الأرض،.. المصائد السمكية نموذجاً!
ففي استهداف العدوان لمصادر الغذاء تحديداً ما يدلل؛ بحسب مراقبين؛ على نوايا مبيتة وسياسة تجويع ممنهجة لجأ إليها لاحقاً؛ لحسم معركة مستعصية لم يتوقع إطالة أمدها؛ رغم تصريحات الحسم المبكر؛ وإمكاناته الهائلة!
كان الملاحظ بجلاء أن العدوان منذ لحظاته الأولى يستخدم سياسة الترويع لإثارة الهلع، سواء من خلال الكثافة الجوية؛ أو صور الدمار اليومي؛ أو أصوات الانفجارات؛ أو فتح حاجز الصوت، كوسيلة لتخويف الناس؛ على أمل خروجهم ضد السلطة القائمة لرفض الوضع وتحميلها مسؤولية التدهور.. وحين عجز عن تهييج الناس بسلاح الترويع لجأ لتهييجهم بسلاح الجوع، عبر ضرب أحد أهم مصادر الغذاء والدخل القومي.. ففي ضرب الغذاء والخبز والماء والكهرباء وغاز المطابخ ما يدفع باتجاه ثورة جياع تقلب الموازين في أي بلد.. أما في اليمن فلا يبدو الأمر سوى مجازفة بحياة بشر!
مع أن استهداف الغذاء والدواء وأساسيات الحياة من أبرز المحظورات في العهود الدولية والمواثيق الإنسانية؛ إلا أن الثروة السمكية في اليمن؛ كانت على رأس القطاعات الغذائية التي أوسعتها الضربات الجوية والبحرية سحقاً في أكثر من ساحل؛ وبتكرار متعمد.. لا يبدو الأمر تخبطاً أو إحداثيات خاطئة،. بل ثمة وحشية عمياء استهدفت تجمعات معتادة لصيادين كادحين أثناء سعيهم لطلب الرزق، في بيئة ساحلية منبسطة يفترض أنها مكشوفة لأي طيران، فكانت الحصيلة مئات الأرواح التي حصدها القصف.. ومِن ورائهم آلاف الأسر فقدت معيليها ومصدر رزقها الوحيد، فضلاً عن مئات آلاف السكان ممن يعتمدون في غذائهم على أسواق بحرية أغلقت مصائدها؛ نتيجة مجازر بشعة ارتُكِبت على مرأى ومسمع.. ووسط صمت عربي وأممي يندى له جبين الإنسانية!!
قُصِف القطاع السمكي فسال الدم غزيراً على سواحل اليمن، لتضاف هذه الحرب الى قائمة ما يوصم في القواميس الدولية بالحروب القذرة؛ والتي تعتبر الغذاء سلاحاً مهماً لا تتورع عن استخدامه، رغم حرمة استهداف البطون.. سلاح بائس تلجأ إليه العقليات الانهزامية فحسب، كوسيلة قذرة لتجويع المجتمعات، بهدف خلق هيجان داخلي يسهم في إنهاك الخصم؛ وتركيعه بأقل الخسائر.. حصار العراق نموذجاً!
ففي اليمن قطاع هائل يعمل في مهنة الصيد.. الآلاف يعتاشون على خيرات البحر، وبالذات في المحافظات والمناطق الساحلية التي تغذي معظم اليمن، وهم في غالبيتهم العظمى من الطبقات الأقل دخلاً،.. كما يعتمد نحو ثلثي السكان على خيرات البحر كغذاء شبه دائم، نظراً لوفرتها ورخص ثمنها وفوائدها الصحية، قياساً بشحة اللحوم البيضاء وارتفاع أثمانها.. عوضاً عن ذلك فإن الثروة البحرية هي من أكبر الموارد التي تعتمد عليها خزينة الدولة، وصادراتها تجلب عملة صعبة، حتى أن بعض الخبراء يرونها أهم من الثروة النفطية إذا استُثمرت جيداً.. الأمر الذي يجعل من هذا القطاع الحيوي هدفاً مغرياً وسلاحاً هاماً في الحروب القذرة، عسى أن يقود تدميره إلى إثارة نقمة شعبية من جهة؛ وإفقار الخزينة العامة التي يعتمد عليها الخصم؛ وكلاهما مهم لدفع الناس إلى الشارع، وخلق فوضى داخلية تختصر كلفة حرب مجهدة؛ عز حسمها!
من الترويع إلى التجويع
استهدافات جنونية كهذه لا تبدو مستغربة من عدوان كهذا، خاصة إذا علمنا أن من ارتكبها هو ذاته الذي يفرض طوقاً نارياً على كل المنافذ اليمنية لعزل اليمن، ويمعن في سياسة التجويع والحصار- بحراً وجواً وبراً- منذ عشرة أشهر، ويفرض تفتيشاً روتينياً معقداً على السفن العابرة إلى اليمن، ويعيق وصول أية مساعدات أو إغاثات إنسانية لليمن، وبسببه ظل اليمنيون بلا مشتقات وكهرباء وماء وأساسيات حياة، والمستشفيات بلا أدوية مصيرية، والمشردون بلا اغاثات إنقاذية، والخزينة بلا موارد، وكافة الخدمات الحيوية في حالة شلل تام، ويعيش 25 مليون نسمة على ستر الرحمن!
نكبات الصيادين المتوالية
من أصل 22 محافظة، تطلّ تسع محافظات يمنية على سواحل البلاد، ويعتمد أهلها على الصيد.. لكن في السنوات الأخيرة تعرّضت حياة الصيادين لانتكاسة غير مسبوقة، نتيجة لما يتعرّضون له من اعتداءات وعذابات متنوعة، إذ يموت العشرات منهم بسبب المخاطر البحرية، فيما يقبع عدد كبير في سجون بعض دول الجوار، وخصوصاً إريتريا التي يقول الصيادون إنها تحتجز المئات.. وفوق هذا وذاك جاء العدوان السعودي مؤخراً ليضاعف المأساة بغاراته المتواصلة ومجازره المروعة التي يرتكبها بحق الصيادين.
لم يقتصر الأمر، على الضربات الجوية المباشرة، فثمة قصف صاروخي ومدفعي متواصل طيلة عشرة أشهر على المناطق الحدودية والساحلية المأهولة غالباً بالصيادين، علاوة على الجزر والسواحل المتاخمة للمدن الكبيرة والأسواق الرئيسية. كان من نتائجها تشريد مئات الأسر وآلاف المواطنين داخلياً عن منازلهم ومناطقهم، وإنتاج أزمة بشرية ومعاناة إنسانية وسكانية هائلة، وتوسيع دائرة الفقراء والعاطلين المحتاجين إلى أبسط ضروريات الخدمات والإغاثات الإنسانية والطبية الحرجة.
زيادة على كل ذلك؛ كان الصيادون على موعد مع العاصفة المدارية التي داهمت المنطقة قبل أسابيع لتأخذ حصتها من عذابات الصيادين، من خلال “تشابالا وميج”، إعصارين متتاليين في أيام معدودة ضاعفا مرارة النكبة وخسائرها، ليصبح صيادونا مستهدفين من جميع الاتجاهات.
كما يقبع آخرون في سجون القراصنة والشركات والأساطيل العسكرية الدولية، التي تستخدم النيران لملاحقة الصيادين اليمنيين، وتخويفهم ومنعهم من الصيد في مياه اليمن الإقليمية.
وكشف صيادون يمنيون في تصريحات إعلامية سابقة إن الثروة اليمنية تتعرّض للتدمير والنهب من قِبل مئات السفن المنتشرة على طول السواحل اليمنية، البعض منها مرخص والبعض الآخر غير مرخص، وهي تابعة لشركات ودول أجنبية ونافذين محليين.
وعلى الرغم مما يتعرض له هؤلاء الصيادون من قتل واعتقال وملاحقات، فهُم يؤكدون غياب أي دور للدولة سابقا ولاحقا، ولا سيما أن تلك السفن تقوم بتدمير البيئة البحرية وجرف الشعب المرجانية وتجفيفها من الثروة. إذ نشر مختصون في وزارة الثروة السمكية اليمنية تأكيدات بأن “ثروة يمنية ضخمة تُهدَر في البحر وتتعرض للنهب، تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً”، وأن هذه “الثروة كافية للنهوض الاقتصادي، في حال تمكنت الدولة اليمنية من منع الشركات الدولية العابرة للقارات والوهمية بما فيها التابعة لنافذين يمنيين من الاصطياد، وإلغاء الاتفاقيات وملاحقة المخالفين قانونياً، وإعادة الاعتبار للصيادين والثروة، مع ترميم قوانين هذه الثروة، كون هذه القوانين واللوائح والاتفاقيات وفق هؤلاء هي سبب المشكلة بجانب الصراع الدولي القائم في محيط اليمن.. ويساعد التواجد الدولي في عملية التهريب، كتهريب الأسلحة لجماعات مسلّحة كـ “القاعدة”، إضافة إلى تهريب المخدرات والمهاجرين الأفارقة.. وهذه الشركات بعضها وهمي، والبعض الآخر يتبع دولاً كبرى في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وكانت تقارير رسمية حكومية يمنية قد اتهمت في وقت سابق هذه الشركات، بمخالفة القوانين الدولية في عملية الاصطياد في المياه الإقليمية الدولية، وتدمير ثروته البحرية.
خسائر وفجائع
كأغلب القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تعرضت للتدمير الممنهج بغية إفقار البلاد وإخضاع شعبها، خلّف الاستهداف لقطاع الثروة السمكية خسائر اقتصادية باهظة يصعب تقديرها. فضلاً عن ما تعرض له مجتمع الصيادين من خسائر مروعة، بدءاً باستهداف حياتهم ولقمة عيشهم، مروراً بضرب مراكز الإنزال وقوارب الصيد على امتداد شاطئ البحر الأحمر؛ تحت مبررات مختلفة، وصولاً لتدمير البيئة البحرية، وليس انتهاء بضرب البنية التحتية لهذا القطاع الاستراتيجي، حتى تحولت حياة الصيادين إلى ما يشبه الجحيم، فمن جهة يواجهون الموت قصفاً كزملائهم في حال استئنافهم الصيد، أو الموت جوعاً بسبب الحصار الذي يفرضه العدوان على تجمعاتهم السكنية التي تتجاوز الأربعين تجمعاً في جزر متباعدة. فيما أطفالهم يتضورون جوعاً أمام أعينهم دون أن يستطيعوا فعل شئ أمام هذه الممارسات الإجرامية التي يرتكبها العدوان.
في أعداد سابقة نشرت صحيفة “الثورة” أنه لم يكن يمر يوم دون أن تستقبل قرى الصيادين أعداداً جديدة من جثامين أو ما تبقى من أشلاء أبنائها التي مزقتها طائرات الأباتشي والإف16، او بقذائف البوارج البحرية المتواجدة بشكل كثيف في المياه الإقليمية اليمنية على مقربة من شواطئ البلاد.. وقال قياديون في الاتحاد التعاوني السمكي بأن استهداف العدوان لقوارب الصيادين كانت دائمة وشبه يومية تقريبا، ما يدحض تماما فرضية الخطأ في ارتكاب هذه الجرائم، ويؤكد بأن هناك استهدافاً ممنهجاً وتعمداً واضحاً في قتل الصيادين، بحسب استطلاعات سابقة.
عشرات العمليات الجوية والبحرية شنتها قوات التحالف خلال الشهور الأخيرة ضد الصيادين التقليديين في شواطئ البحر الأحمر الذي اصطبغ بحمرة الدم، وأودت الضربات بحياة ما يزيد عن 200 صياد وإصابة 100 آخرين. وتنوعت العمليات بين استهداف قوارب صيادين في عرض البحر، وقتل كل من فيها، سواءً من قبل البوارج المتواجدة في المياه المحلية والإقليمية، أو بطيران الآباتشي التي دكت مراكز الإنزال السمكية، والموانئ الخاصة بصيادي المخا، والتجمعات والجزر التي يقطنون فيها. وشملت الغارات والضربات الدامية سواحل اللحية، الخوخة، المخا، وشواطئ جزر زقر، وعقبان، كدمان، ميدي، ميون، وارخبيل حنيش، وتسببت في تهجير عشرات العوائل من منازلهم بالقوة.. ومراكز الإنزال السمكية المنتشرة على امتداد سواحل البحر الأحمر البالغة 93 مركزا توقفت بالكامل عن العمل،بفعل الحصار والقصف!
صور مروعة
مشاهد الدم المروعة ماتزال عالقة بذاكرة اليمنيين، سيما المجزرة التي طالت جزيرة عقبان بالحديدة قبل نحو ستة أشهر، وأوقعت أكثر من 150 شهيداً من ممتهني الصيد؛ يوم أن تحولت تلك الضفاف الحالمة إلى بحيرة حمراء أدمت كل قلب، لتخلف حسرات قاتلة وقصصا مأساوية أبطالها مئات الأسر البائسة التي فقدت عائلها الوحيد وخسرت قواربها ولقمة عيشها وطعامها المعتاد، منهم أطفال وأرامل فقدوا آباءهم ومعيليهم في مهمة صيد معتادة، وآباء عجزة فقدوا أبناءهم القائمين بمهنتهم، حتى ان من بين الأسر من فقد سبعة أبناءدفعة واحدة في مهمة صيد.. ومثلها جريمة دامية في جزيرة حنيش.. وغيرها في المخا؛ الميناء المنكوب الذي نال نصيب الأسد من جرائم القصف وتنوع فئات المستهدفين، كمساكن عمال محطة الكهرباء ومجزرتها الشهيرة، وعرس المخا، وكذا جريمة قصف قوارب بمن فيها من الصيادين أثناء تجمعهم، ومذبحة (واحجة) التي خلفت اكثر من 135 شهيداً في منطقة ذو باب.. وآخرها مجزرة جزيرة زقر.. بجانب استهداف منازل الصيادين في الخوخة واختطاف آخرين.. فضلاً عما ترتب على كل هذه الفظائع من توقف لنشاط الصيادين ومراكز الإنزال التي أغلقت كلياً في البحر الأحمر، من الخوخة إلى باب المندب ومن شمال اللحية إلى ميدي.. والأشد إيلاماً هو مشاهد جثث الضحايا التي تُركت على قارعة البحر لتنهشها أسماك القرش، وصعوبة إنقاذهم بسبب العربدة الجوية في المكان!
ثمة قصص عديدة يمكن التقاطها لحالات بائسة أوضاعها تمزق نياط القلب، منها ما نشرته (الثورة) عن قصة إحدى اليتيمات ذات الـ19عاما والتي روت بأن والدهم المتوفى قبل عامين تقريبا ترك لهم قارباً صغيراً قمن بتشغيله عبر أحد الأقارب من الصيادين مقابل أعطائهن الربع من مبيعات الأسماك في كل رحلة بحرية، غير أن هذا القارب تعرض لصاروخ جوي أدى إلى غرقه بالقرب من جزيرة زقر ومقتل جميع البحارة على متنه، كلهم من أبناء وأحفاد هذا الصياد ، فبعد خسارة الأب استشهد الأبناء الأيتام جميعاً وغرق المركب وضاع مصدر الرزق الوحيد. ولم يعد بوسع اليتيمات سوى البكاء والحشرجات والدعاء على من اغرق قاربهم وقتل العاملين فيه.
مأساة هذه الأسرة المكلومة بمنطقة القطابا الساحلية التي تقع على بعد4كيلومترات تقريبا شمال مدينة الخوخة مجرد نموذج بسيط لمعاناة متعاظمة بات يعيشها الصيادون على امتداد السواحل الغربية لليمن بسبب العدوان السعودي وآلة بطشه بالضعفاء والمساكين، ناهيك عن حصاره المطبق الذي يفرضه عليهم بلا رحمة وتحت مبررات وحجج واهية لايصدقها عقل، كضلوع الصيادين في تهريب الأسلحة. بينما يستحيل على هذه القوارب التقليدية الصغيرة كما يؤكد القيادي في الاتحاد التعاوني السمكي سالم صديق أن تقوم بمثل هذه المهام الكبيرة، كما يستحيل تماما إبحارها لمسافات بعيدة واجتيازها للبوارج البحرية الحديثة المزودة بأحدث تقنيات الرصد والمراقبة.
وبحسب مسئولين في القطاع السمكي “فإن تدمير القطاع السمكي واستهداف الصيادين التقليديين هو استهداف مخطط له بعناية فائقة لضرب البنية التحتية لهذا القطاع الحيوي الذي يعد من أبرز ركائز الاقتصاد الوطني، وركيزة أساسية يعتمد عليها معظم السكان في مختلف مناطق اليمن. ويمثل استهداف طيران العدوان للصيادين الذين يجوبون مياه البحار بحثا عن رزقهم، استهدافا لعزة النفس وعفة المواطن اليمني الذي يسعى إلى الكسب الحلال في البحار والجبال والوديان”.
كارثة عقبان
في نهاية شهر أغسطس 2015، أقدمت طائرات العدوان مسنودة بطائرات «الأباتشي» على ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الصيادين في جزيرتي عقبان وكدمان في البحر الأحمر قتلت فيها أكثر من 150 صياداً قبل ان يرتفع الى 200، وأصابت العشرات بجروح تفاوتت نسبها. ولإدراك التحالف بفداحة الجريمة أقدم على حصار الجزيرتين بالبوارج والسفن الحربية ومنع وصول أي طواقم إسعاف إلى الجزر المستهدفة حتى لا تنكشف الجريمة، وأجبرت الأهالي على دفن الضحايا في الجزيرتين بعدما كادت جثثهم تتحلل، لتخفي الجريمة عن المنظمات الحقوقية والإنسانية. وعقب الجريمة تواصلت العمليات ضد الصيادين بشكل مكثف بحرا وجوا وبراً!
كما ارتكب الطيران مجزرة بحق الصيادين في منطقة «واحجة» في مديرية ذباب (المخا – تعز)، سقط فيها 135 شهيداً في شهر أيلول الماضي بقيت طي التعتيم الإعلامي.
الاستهداف المتعمد للقطاع الإنتاجي لم يقتصر على الصيادين والقوارب ومراكز الإنزال، بل طال أيضاً استثمارات القطاع الخاص في مجال الاستزراع السمكي، كما حدث لمزرعة با مسلم للاستثمار السمكي «مزرعة جمبري» الواقعة في منطقة اللحية في محافظة الحديدة الساحلية. والتي أدى استهدافها مطلع اكتوبر الماضي بسلسلة غارات إلى تسوية منشآتها بالأرض.
صدمة مجتمعية
كانت وزارة الثروة السمكية قد أدانت الاستهداف الممنهج للصيادين من قبل تحالف العدوان الغاشم بسلسلة جرائم متوالية؛ ابتداءً من استهداف منازل الصيادين في الخوخة ومجزرة جزيرة عقبان واختطاف الصيادين. وقالت في بيان لها بتاريخ 21 نوفمبر 2015 أن هذه الجرائم التي ارتكبها العدوان السعودي بحق الصيادين والتي كان آخرها مجزرة جزيرة زقر تعتبر جرائم ضد الإنسانية.. وأهابت الوزارة بكافة المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة القيام بدورها في إيقاف هذه الجرائم الممنهجة ضد الصيادين اليمنيين وتوثيقها كجرائم حرب كونها تستهدف شريحة هامة من شرائح المجتمع المدني.
كما أدانت الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر في بيان الجرائم المتكررة للعدوان بحق الصيادين والمدنيين في الجزر اليمنية، داعية المنظمات الحقوقية الدولية لتحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه ما يتعرض من انتهاك وجرائم من قبل تحالف العدوان السعودي.
من جانبه أدان الاتحاد التعاوني السمكي والجمعيات السمكية في محافظة الحديدة الجرائم التي يتعرض لها الصيادون في جزيرتي حنيش وزقر مطالباً المنظمات الدولية العمل على إيقاف هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها إلى المحاكم الدولية لنيل جزائهم الرادع.
أما المركز القانوني للحقوق والتنمية فقد وثق ما يقارب 17 جريمة في حق الصيادين تتنوع ما بين استهداف قوارب صيد ومناطق وقرى الصيادين بالإضافة إلى الأسواق ومراكز الإنزال السمكي، وقد راح ضحية هذه الجرائم التي ارتكبتها قوات تحالف العدوان بقيادة النظام السعودي أكثر من 200 شهيد و150 جريحاً وأكثر من 50 مفقوداً و300 قارب صيد.
وأكد المركز القانوني للحقوق والتنمية أن الاستهداف الممنهج والمتكرر للصيادين ومناطقهم من قبل السعودية وتحالفها يعد انتهاكاً خطيراً وكارثياً يهدد حياة آلاف الأسر التي تعتمد بشكل أساسي على الصيد كمصدر دخل وحيد في المناطق والمدن الساحلية لليمن والتي تعاني من الحصار الخانق المفروض من قبل السعودية وتحالفها منذ مارس الماضي، وأن هذه الانتهاكات الجسيمة تعد أيضاً جرائم إبادة جماعية في حق أبناء اليمن.
كارثة الخوخة
وفي ميناء الخوخة استنكرت جمعيات أهلية وتجمعات صيادي الأسماك وعمال الموانئ الضربات الجوية المتعمدة التي شنتها طائرات التحالف على مجمع الصيادين في هذا الميناء الواقع غرب اليمن يوم الثلاثاء 10 نوفمبر 2015م، والاستهداف المباشر لعمال الصيد والبسطاء الذين يكدون في ظروف قاسية لكسب لقمة العيش في ظل العدوان والحصار الجائر منذ ثمانية أشهر والذي عطل مصادر الدخل والأعمال وأصاب الحياة الاقتصادية وآلاف العمال بالركود والكساد.
واستشهد وجرح مواطنون وصيادون يمنيون، إثر قصف جوي مباشر على مجمع الإنزال السمكي بالميناء الصغير على ساحل البحر الأحمر. وأوضحت مصادر أمنية ، أن مقاتلات العدوان شنّت غارات جوية استهدفت مجمع الصيادين وسوق الأسماك (الانزال السمكي) بمديرية الخوخة محافظة الحديدة، ما أدّى إلى استشهاد شخص واحد على الأقل وإصابة 6 آخرين.
وأفادت مصادر محلية، بأسماء ضحايا القصف السعودي لمركز الانزال السمكي بمديرية الخوخه، الشهيد رمضان ابراهيم جلعوم، والجرحى: عبدالله قاسم محب، علي عبدالله فرادي، اسماعيل دحفاش، فتحي مقبول عبدالرحمن عبده فرادي”. وبحسب المصادر، فإن الضحايا “كانوا يبيعون السمك بالتجزئة للمارة بجانب ساحة الحراج”.
وتعد المجزرة الثانية التي تنفذها مقاتلات العدوان بحق الصيادين، حيث ارتكبت قبلها بأيام مجزرة بشعة في جزيرة عقبان راح ضحيتها أكثر من 200 صياد لازالت اغلب جثثهم مفقودة حتى اليوم، ولم يكد العدوان ينكر ارتكاب تلك الجريمة حتى كرر جريمته مرة اخرى بحق صيادي الخوخة.
وفي السياق أغارت الطائرات مجددا على منطقة كيلو 16 بثلاث ضربات على الأقل بحسب مصدر أمني لوكالة خبر.
اعتقال وترويع
مساء الجمعة 11 سبتمبر اعتقلت إحدى بوارج تحالف العدوان صيادين يمنيين في عرض البحر. وقال مصدر أمني لوكالة خبر، إن 4 صيادين اعتقلتهم بارجة حربية تابعة للعدوان السعودي، الساعة السادسة والنصف مساء الجمعة، أثناء قيامهم بالصيد في المياه الإقليمية اليمنية على ساحل البحر الأحمر. وأوضح المصدر أنه تم التحقيق مع الصيادين من قبل ضباط تلك البارجة واعتدوا عليهم بالضرب، مشيراً أنهم طلبوا من الصيادين أن يعترفوا كم عدد الحوثيين المتواجدين في المخا، والأسلحة التي لديهم، واتهموا الصيادين أنهم جنود تجسس.
وأضاف أنه تم إطلاق سراح الصيادين، الساعة الواحدة من صباح السبت 12 سبتمبر،، وأن الصيادين عادوا بحالة يرثى لها جراء ما تعرضوا له من ضرب وتعذيب.
وتابع: الصيادون قالوا لضباط بارجة العدوان السعودي الذين اعتقلوهم، بأنهم مجرد صيادين وأنه لا يوجد حوثيون في المخا، إلا أن الضباط قاموا بضربهم وشتمهم وتهديدهم بأنهم سيقتلونهم. وأشار المصدر إلى أن الحادثة بثت الرعب في نفوس الصيادين الذين لا يجدون سوى العمل في الصيد لإعالة أسرهم.
استهداف شبه يومي
وفي سياق استهداف الصيادين بالمحافظة تمكنت بعض المواقع الصحفية من رصد الحوادث التالية:-
• قصف جوي وبحري مسنوداً بطائرات الأباتشي بشكل شبه يومي على قوارب الصيادين اليمنيين أو أي قوارب أخرى تمر في المياه الإقليمية في البحر الأحمر وبحر العرب وعلى مقربة من عشرات الجزر اليمنية البعيدة مخلفاً شهداء وجرحى وتتسبب في فقدان آخرين وفقاً لمسؤولين محليين بمحافظة الحديدة ومصادر في الاتحاد السمكي.
• 22 يوليو 2015: استشهد العشرات وجرح آخرون من الصيادين، جراء قصف العدوان السعودي لعدد من قوارب الصيد بساحل “شقرة” محافظة أبين، والمطل على بحر العرب.
• في نهاية شهر أغسطس 2015، أقدمت طائرات العدوان مسنودة بطائرات «الأباتشي» على ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الصيادين في جزيرتي عقبان وكدمان في البحر الأحمر قتلت فيها أكثر من 150 صياداً وأصابت العشرات بجروح تفاوتت نسبها.
• 8 سبتمبر: قتل 22 هندياً وجرح آخرون من الصيادين اليمنيين جراء غارات شنتها مقاتلات العدوان، على قوارب للصيادين في ساحل مدينة الخوخة، محافظة الحديدة، بحسب تصريح في حينه- للدكتور تميم الشامي، الناطق باسم وزارة الصحة والسكان لوكالة “خبر”.
• 9 سبتمبر: استشهدت أسرة كاملة مكونة من أب وأم وطفليهما في غارة جوية على فندق شواطىء ميدي بمدينة عبس الساحلية التابعة لمحافظة حجة.
• 27 سبتمبر: استشهد 24 مدنياً وأصيب 12 آخرون في غارات جوية شاركت فيها الأباتشي والـ”إف 16?، بالإضافة إلى قذائف مدفعية استهدفت منطقة العوارض بني زيلع مديرية ميدي الساحلية محافظة حجة.
• 10 نوفمبر: استشهاد وجرح مواطنين وصيادين ، إثر قصف جوي مباشر على مجمع الصيادين وسوق الأسماك (الإنزال السمكي) بمديرية الخوخة.
• 13 نوفمبر: استشهاد 7 صيادين، جراء غارات جوية استهدفت مركز الأسماك بمدينة المخا التابعة لمحافظة تعز مخلفاً 7 شهداء من الصيادين، وعدداً من الجرحى، كما شنت مقاتلات التحالف غارات على قيادة قطاع المخا وبوابة المينا والمحجر الطبي.
• 17 نوفمبر: فقدان 7 قوارب صيد بمن فيها من الصيادين في ميناء المخا جراء استهداف مقاتلات الأباتشي لقوارب عدد من الصيادين. مسؤول محلي رجح لوكالة “خبر” أن يكون الصيادون قد لقوا حتفهم، جراء الهجوم العنيف والمكثف الذي تعرض له ميناء المخا.
• 17 نوفمبر: ضربة استهدفت صيادين في ميناء الحيمه الساحلي بمديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، أدّت إلى استشهاد 4 وجرح 3 آخرين، بحسب مصدر أمني.
• 19 نوفمبر/ 2015: استشهاد وإصابة 21 شخصاً وفقد 11 آخرين، في مجزرة جديدة ارتكبتها طائرات الأباتشي، مستهدفة قوارب الصيادين في البحر الأحمر بالقرب من جزيرة زقر، التابعة إدارياً للحديدة.
• السبت 21 نوفمبر2015 استشهاد نحوعشرة صيادين يمنيين جراء غارات جوية على الصيادين وقوارب الصيد في جزيرتي حنيش الكبرى وزقر، 7 في الأول و3 في الثانية، في البحر الأحمر – محافظة الحديدة.
تدمير ميناء الحديدة كلياً
على صعيد الأرقام الضخمة لمجازر السواحل حصدت مجزرة المخا التي استهدفت مساكن عمال الكهرباء قرابة 100 شهيد ومئات الجرحى، ثم تبعها 130 شهيدا في حفل زفاف بميناء ذوباب،
ولم يسلم ميناء الحديدة الرئيسي من وحشية القصف، فقد كرر العدوان غاراته على المدينة مرات عديدة، وشهد ميناؤها ضربات مكثفة أحدثت إضرارا كبيرة في رصيف ومرافق الميناء وإخراجه عن الخدمة. وقال مصدر محلي في المحافظة أن طيران العدوان شن غارات على مبنى أثري في الكلية البحرية بالمدينة. مشيرا الى أن الغارات استهدفت مبنى” استراحة الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي المطل على ساحل البحر الأحمر، والمكون من 3 طوابق، ما أدى إلى تدميره كليا. وتسببت في حرائق كبيرة في رصيف ومرافق ميناء الحديدة، مخلفة دماراً واسعاً تسبب في تعطيل الميناء وإخراجه عن الخدمة بصورة كلية.
وأكد القبطان جمال عايش القائم بأعمال رئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية أن ميناء الحديدة التجاري تعرض يومها إلى العديد من الغارات الجوية من قبل طيران قوات التحالف بعد حصارها الخانق المتواصل منذ مارس الماضي واستهدفت الغارات جميع كرينات الحاويات الجسرية والمستودعات المسقوفة وكذا هنجر الحاضنات التي تحتوي على العديد من الآليات التي تعمل في تداول الحاويات فأدت إلى تدمير بعضها وتضرر البعض الآخر.
وقال عايش في تصرح لـ(الثورة) بان ميناء الحديدة الرئيسي على البحر الأحمر يعتبر الرئة التي تتنفس منها اليمن من خلال استقباله لأكثر من % 70 من الواردات الغذائية. مشيرا إلى أن الغارات تسببت في أخراج محطة الحاويات بالكامل عن الخدمة الى جانب الأضرار المادية الجسيمة التي لازالت عملية حصرها في بدايتها.
كما واصل طيران العدوان السعودي غاراته الوحشية على مساكن المدنيين العزل في محافظة الحديدة، ولم يتوقف فقط عن استهداف المنشآت العسكرية التي يدعي تبعيتها للحوثيين لكنة تجاوز وبوحشية وتجرد من كافة القيم الإنسانية والأخلاقية ليصل إلى قمة البربرية والطغيان باستهدافه لمدنيين عزل لم يفرق فيها بين الرجال والنساء والأطفال ..حيث شنت طائراته أربع غارات جوية استهدفت ضحايا مدنيين بينهم أطفال كانوا في مساكن هيئة تطوير تهامة في الحديدة..
وقالت مصادر محلية لـ “الثورة ” أن العدوان السعودي شن أربع غارات جوية على مساكن موظفي هيئة تطوير تهامة استهدفت عدداً من المنازل داخل مساكن الهيئة وخلفت عدداً من القتلى والجرحى بينهم أطفال ونساء بينهم الطفل خالد الطشي مشيرة الى أن الغارات أدت إلى أضرار كبيرة في منازل المواطنين المجاورين ..وروى مصدر أمني لـ ” الثورة ” أنه تم انتشال جثة طفلين من تحت الركام وأن هناك عدد من الضحايا لازالوا عالقين تحت ركام المنازل التي استهدفتها طائرات العدوان وأنة سمع أصوات مصابين تحت الركام ولا توجد معدات لإنقاذهم من تحت الركام . مشيراً إلى أنه تم نقل عدد كبير من القتلى والجرحى الى مستشفى الثورة العام بالحديدة وأن اغلب الضحايا مدنيين.
سرقة الثروة
ثمة أسباب قاهرة ساهمت في توقف نشاط الصيادين التقليديين، أهمها المخاوف من عودة استهداف طائرات العدوان للصيادين في البحر، سيما بعد تكرار الضربات عقب كل مجزرة، ثم أزمة المشتقات الناتجة عن الحصار والتي أعاقت حركة الصيد، وأخيراً استهداف أي قوارب للصيادين؛ بحجة الاشتباه بها.
وتواصل سفن التحالف مضايقة بعض السفن في البحر الأحمر، لا سيما استهداف منطقة الثروة السمكية البحرية ، بينما هناك سفن جارفة لا يتم استهدافها.. وبحسب مصادر في هيئة المصائد السمكية في الحُديدة أكدوا تلقيهم بلاغات بوجود سفن جرف آلي للصيد تعمل في سواحل البحر الأحمر من دون أي اعتراض من قبل بوارج وقوات التحالف، مؤكدين في تصريحات اعلامية سابقة أن ما يحدث سرقة واضحة لثروة الشعب اليمني، وسرقة الثروة السمكية.
كل هذه الجرائم تمت وسط صمت عربي ودولي وإنساني غير مسبوق.. وهي في مجملها تأتي في سياق عدوان متهور وخطيئة تاريخية لا تغتفر بحق بلد وشعب بأكمله، ولا تقل بشاعة عن مجمل الضربات الجوية العمياء التي طالت تجمعات سكانية في معظم المدن، وأسواقاً مزدحمة ومستشفيات ومدارس ومعالم أثرية ومنشآت خدمية ومحطات مياه ومحطات بترول ومحطات غازية، وسط تجمعات سكانية خالية من أي مجاميع مسلحة أو عسكرية.. وغيرها الكثير.. ومعظم تلك الاستهدافات إما نتيجة إحداثيات خاطئة أو بلاغات كيدية أو استهداف عشوائي لأي تجمع مشتبه، وغالباً ما تكون متعمدة لأسباب سيأتي ذكرها.
خلفيات الصراع الدولي الاستعماري
في سياق هذا الاستهداف المكشوف لمدن الموانئ، من المهم التنبيه إلى الأهمية الكبرى للساحل اليمني لتتضح لنا حقيقة ما يجري، إذ يبلغ طوله 2500كم ويُعدّ من أهم السواحل في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ما يجعله عرضة للأطماع الدولية والإقليمية على مر التاريخ، وهنا بيت القصيد.. فما يحدث من استهداف لموانئ الصيد والبنية البحرية وباب المندب ليس سوى جزء من مشكلة بحر بأكمله، ولعبة اكبر من تفكير هادي وحلفائه، تستهدف الشريط الساحلي الغني والمياه اليمنية عموما. فثمة مخططات ومحاولات خارجية مكشوفة تجري على قدم وساق لإخلاء المياه اليمنية من أي تواجد عسكري وطني وتمييع فكرة السيادة التي تؤرق البعض، سعياً لوضع اليد عليها، وإن كان تحت غطاء يمني من قوات هادي وأطراف براجماتية معروفة بولائها المطلق للسعودية، ليتسنى للقوى الخارجية التي تمثلها الرياض التحكم بالممر المائي دون ضغوط داخلية، بدليل ما يحدث من مواجهات ضارية وحرب سواحل في الحديدة والمخا والموانئ اليمنية على البحر الأحمر منذ الاعتداء على باب المندب وحنيش وميدي وذوباب طيلة الشهور الماضية.. وكلها لعبة ضمن صراع إقليمي دولي، يراد بها التحكم بأهم خطوط الملاحة الدولية من جهة، ومن جهة أخرى لوضع اليد على ثروة بحرية مغرية تقع على طريق السفن الدولية العملاقة وقراصنة الجرف المجاني، على غرار ما حدث للصومال المجاور من تفكيك دولة وصوملة مؤسفة جعلت ثرواتها البحرية مشاعاً للسفن الدولية العابرة التي تمارس جرفها دون حسيب أو رقيب.
فاليمن عبر هذا الساحل المترابط؛ يطل على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، ويحتوي على ثروة بحرية هائلة، يصفها وزير يمني سابق بأنها تفوق ثروة النفط في البلد. غير أن اليمن اليوم بحسب خبراء يواجه مشكلات عديدة في مياهه الإقليمية، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، في ظل تضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية، والتي وجدت سابقاً في بعض القوى الداخلية النافذة ضالتها المنشودة التي ساعدتها؛ بقصد أو دون قصد؛ على خلخلة الوضع الأمني في المياه الإقليمية لليمن، ونهب الثروات، من خلال توقيع اتفاقيات شراكة مع الشركات العابرة للقارات. ، وتقوم الشركات العابرة وشركات عربية وإقليمية، مدعومة عسكرياً باحتلال هذه المياه والاستفادة من الموقع الاستراتيجي لليمن.
يملك اليمن أكثر من عشرة موانئ محورية، وجزر مهمة حاولت العديد من الدول السيطرة عليها، كجزر سقطرى وحنيش الصغرى والكبرى وكمران، وعشرات الجزر الأخرى بما فيها جزيرة ميون الواقعة في قلب مضيق باب المندب الذي يتحكم به اليمن.
وباب المندب هو حجر الزاوية الأهم الذي تتسابق الأقطاب الدولية لبسط نفوذها عليه، بحجة انه بات يهدد المصالح الأمريكية والخليجية والمصرية بعد تحركات إيران المزعومة في اليمن، والتي في حال استطاعت السيطرة عليه فإنها ستُضعف قناة السويس المصرية. وكان الرئيس السابق عبد ربه هادي قد قال ذات مرة “إن من يملك السيطرة على باب المندب وقناة السويس لا يحتاج بعدها إلى النووي”.
بدورها تواجدت إيران في باب المندب مؤخراً، لتنضم إلى سرب طويل من المتكالبين، على رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين ومصر وإريتريا والإمارات وإسرائيل، بالإضافة إلى فرنسا المطلّة على باب المندب من الضفة الأخرى في جيبوتي.
في المقابل، تسعى السعودية للسيطرة على ميناء الضبة في حضرموت، كبديل لنقل نفطها في حال أحكمت إيران قبضتها على مضيق باب المندب إلى جانب مضيق هرمز، وهو ما قد يزيد من حصار إيران للسعودية سياسياً واقتصادياً حسب زعمها.
أما جزيرة سقطرى فإنها تُعتبر محور صراع آخر، إذ أنها البوابة الجنوبية لمضيق باب المندب، وتقع في الممر البحري الدولي الذي يربط بين دول المحيط الهندي والعالم. وتحدثت معلومات سابقة عن سيطرة أميركية على الجزيرة، فيما ترسو أساطيل عسكرية دولية على مقربة منها، بحجة كبح الطموح الإيراني للتوغل فيها.
وقد تسبّبت زيارة سابقة إلى الجزيرة قام بها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، دون إذن من السلطات اليمنية، بحالة من الغضب، سيما بعد تردد معلومات عن سعي الإمارات ودول أخرى للسيطرة على الجزيرة بدافع المصالح الاقتصادية والاستثمارات، سيما بعد إعطاء بعض أهالي الجزيرة جنسيات إماراتية، ما دفع النظام اليمني إلى إعلان سقطرة محافظة يمنية لقطع الطريق أمام هذه الأطماع.
وصُنّفت الجزيرة في المركز الأول كأغرب الأماكن في العالم وفق منظمة اليونسكو، نظراً لتنوّع تضاريسها وموقعها الاستثنائي، ولوجود نباتات وزواحف فيها غير موجودة في أي منطقة أخرى من العالم.
وكانت الاستخبارات اليمنية شنّت قبل سنوات، حملة تفتيش لدُور الكتب والمكاتب في اليمن، لمصادرة كتاب لأحد الجنرالات الصوماليين يتحدث فيه عن أن جزيرة سقطرى صومالية.!
وتشير تحليلات سابقة إلى أن عوامل عديدة أدت إلى تفاقم مشاكل اليمن في مياهه الإقليمية، مثل عدم قدرة الدولة اليمنية على السيطرة على كل مياهها الإقليمية الطويلة وجزرها الكثيرة، وفساد النظام الإداري والأمني والسياسي، وعدم تقدير من حكموا البلاد لأهمية موقعها الاستراتيجي، ما عرّض ثروات اليمن وسيادتها للانتهاكات والنهب من قبل أطراف محلية وخارجية.
فبعد الوحدة اليمنية اتسعت مساحة الشريط الساحلي للجمهورية اليمنية إلى نحو 2500 كيلومتر، تمتد من ميدي على البحر وحتى ساحل عمان في المهرة”، ويشير مراقبون في هذا الخصوص إلى أن “القوات اليمنية ممثلة بالقوات البحرية والدفاع الساحلي، وقوات خفر السواحل، لم تتمكن من تغطية هذه المساحة الكبيرة والشاسعة، وخصوصاً بعد تدمير وإضعاف البحرية الجنوبية في حرب 1994، بعدما كانت من أقوى القوات البحرية في المنطقة”. ووفق هذه القراءات فإن “هذا الضعف اليمني استغلته القوى الدولية والإقليمية، وراحت تزيد من انتشارها العسكري، على مقربة من المياه الإقليمية اليمنية، تحت حجج مختلفة، منها مكافحة القرصنة والإرهاب والتهريب وغيرها”.
ويرى المراقبون أن “الصراع السياسي والعسكري في اليمن وضعف الأجهزة الأمنية، ضاعف من قلق المجتمع الدولي والإقليمي وفتح شهية التدخل في شؤون هذا البلد”، مشيرين إلى أن “من أهم التحديات التي تواجه أية حكومة يمنية قادمة هي بناء وتحديث قوات بحرية يمنية، قادرة على تأمين الشريط الساحلي اليمني، ومضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية، لامتلاك السيادة الكاملة”.

قد يعجبك ايضا