الإمام الشافعي.. قاضي الشريعة .. وخطيب الفقهاء

هو محمد بن إدريس بن العباس بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف , ولد سنة 150 هجرية في غزة والدته هي حفيدة أخت السيدة فاطمة أم الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه. والمطلب هو شقيق هاشم بن عبد مناف .. وهاشم هو ابو عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان هاشم يقود رحلة الشتاء إلى الشام بقافلة قريش ومات ودفن بغزة.
عرف الحياة منذ ولد جهاداً متصلاً في سبيل العيش والعلم, حياته القصيرة (150-204هجرية) تعلم أن الإمام الليث كان قد اهتدى إلى مذهب وسط بين أهل الحديث وأهل الرأي , معتمدا على استيعاب يقظ لروح الشريعة ومقاصدها , فأعجب بأصول مذهب الليث وفروعه وزاد عليه وأضاف , ونقح في خمس سنوات عاشها في مصر كل ما كان قد كتب طيلة حياته من قبل . وعرف ما كتبه في مصر باسم (المذهب الجديد) .
وكان الشافعي يقول : ( علي بن أبي طالب ابن عمي وابن خالتي)
فهو قرشي الأب والأم وكان أبوه فقيرا خرج من مكة يتلمس سعة من العيش في المدينة . ولكنه لم يجد ما يريد , فخرج بأهله إلى غزة ومات بها بعد مولد ابنه محمد بنحو عامين.
ولم تطق الأم المقام في غزة بعد وفاة زوجها , فحملت وليدها محمدا إلى عسقلان وهو ابن عامين , وكان يرابط بها جيش من المسلمين , وكانت عسقلان تسمى إذ ذاك (عروس الشام) وخيرها دافق والعيش بها رائق .
غير أن العيش لم يرق للأرملة الصغيرة في عسقلان , فحملت ابنها محمدا إلى مكة موطنها وموطن آبائه وأجداده ليعيش في قومه قريش , لينال نصيبه من المال وهو سهم ذوي القربى ولكن حظه من هذا المال كان ضئيلا لم يسمح له ولأمه إلا بحياة خشنة , عرف خلالها الحرمان منذ نعومة أظافره.
وعندما شب الطفل ألحقته أمه بمكتب في مكة . ولكنها لم تجد أجر المعلم .. ( فكان المعلم يقصر في تعليم الصبي إلا أن المعلم كلما علم صبيا شيئا كان الشافعي يتلف ذلك الكلام . ثم إذا قام المعلم من مكانه أخذ الشافعي يعلم الصبيان تلك الأشياء فنظر المعلم فرأى الشافعي يكفيه من أمر الصبيان أكثر من الأجرة التي يطمع بها منه فترك طلب الأجرة واستمرت هذه الأحوال حتى تعلم الشافعي القرآن كله وهو ابن سبع سنوات.)
ثم وجهته أمه إلى إتقان تلاوة القرآن وتجويده وتفسيره على شيوخ التفسير والترتيل والتجويد في المسجد الحرام .. حتى إذا بلغ الثالثة عشرة , كان قد أتقن القرآن حفظا وترتيلا وإدراكا لما يقرأ بقدر ما يتيحه عمره.
وكان عذب الصوت .. في ترتيله خشوع , وإيقاع حزين تخالجه الرهبة من خشية الله . فكان حين يقرأ القرآن في المسجد الحرام يتساقط الناس بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته . فإذا رأى ذلك أمسك.
بعد ذلك اتجه إلى حفظ الحديث , ولزم حلقات شيوخ التفسير وأهل الحديث . وكان الورق غالي الثمن , فكان يلتقط العظام العريضة فيكتب عليها , أو يذهب إلى الديوان فيجمع الأوراق المهملة التي ألقي بها فيكتب على ظهرها.
كان يجد مشقة في الحصول على ورق الكتابة , فأعتمد على الحفظ وهكذا تكونت له حافظة قوية . حتى لقد كان يحفظ كل ما يلقى عليه .
لاحظ أثناء إقامته في مكة أن لغة قريش قد دخلها الغريب من كلمات وتعبيرات المسلمين الجدد من الموالي غير العرب . فلم يعد لسانها هو اللسان العربي المبين .
ثم إنه في تأمله للقرآن والأحاديث شعر بأنه في حاجة إلى زاد لغوي كبير , وإلى تفهم أعمق لمعاني الكلمات وأسرار التراكيب .. وكان يشهد دروس الليث بن سعد إمام مصر وهو حينذاك فقيه كبير يتحلق حوله الطلاب في المسجد الحرام كلما جاء حاجا أو معتمرا .
وكان الشافعي حين قدم إلى مصر وأقام بها حتى توفي فيها سنة 204هجرية , كان عالما ويحفظ القرآن والحديث ويعرف إجماع الصحابة ويتقن اللغة العربية وعلومها وآدابها .. كان كل أولئك , وكان بعد رجلا عرك الحياة وبلاها , وتجول في كثير من البلاد واجتهد واصبح صاحب مذهب ونشأت له من خلال هذه التجارب كلها مودات وعداوات .. كثير الأسفار ينتقل هنا وهناك ليتعلم هو ويعلم الآخرين .

قد يعجبك ايضا