اليمن قد تصبح سوريا ثانية.. واللوم المباشر على بريطانيا والولايات المتحدة

بقلم: نوال المغافي
إن دعمنا للتدخل السعودي الوحشي يخلق أرضاً قاحلة لا تخضع لقانون بحيث يتكمن المتطرفون أمثال  تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من النمو.
“أخبري العالم!” هذا ما توسلت به عجوز مسنة إلى مضيفة” فنحن نذبح!”.
على بعد بضعة أقدام عنا، في قلب العاصمة اليمنية صنعاء، هناك بقايا مجمع سكني. لقد تعرض للقصف بغارتين جوتين متتالتين قبل وصولنا بدقائق فقط.
“لقد دمروا بيوتنا  وقتلوا أبناءنا… ما الذي فعلناه بهم؟” امرأة صرخت قبل أن تسقط بين ذراعي، آخذة في عناقي بشدة  وهي تبكي.
في كل مكان ذهبت إليه، من مخيمات النازحين دخلنا إلى المدارس الابتدائية التي تم تحويلها إلى ملاجئ مؤقتة، سريعا ما أحاط الناس بي حالما لاحظوا كاميرتي. كل منهم يعرض عليَّ نفس الطلب: شخص ما كي يروي قصصهم للعالم.
وهذا ما جلب الحزن الى قلبي، إذ لم تكن لديَّ الشجاعة لأخبرهم بتلك الحقيقة البسيطة الصريحة: بأن وراء حدودهم، عدد قليل جدا من الناس الذين يهتمون باليمن. فبالرغم من انتهاكات حقوق الإنسان المروعة، بما فيها ارتكاب جرائم حرب ارتكبتها قوات التحالف السعودي، يجري توثيقها منذ أشهر، إلا أن هذه الحرب لم تلفت انتباه الجمهور الغربي بأي مكان بمستوى يقترب مما تحظى به سوريا.
تقبع اليمن تحت الحصار. ذلك ان تحالف تقوده السعودية يقوم بقصف البلد بشكل يومي منذ عام تقريبا. ومنذ أشهر حتى الآن، في الوقت ذاته، تعاني عدن، وهي المنطقة الوحيدة التي تقع تحت سيطرة قوات التحالف حتى الآن في يوليو من العام الماضي، تعاني من غياب القانون. لقد انتشر الصراع في جميع أنحاء البلد. اليوم، يعاني اليمنيون من الحرب التي ستمزق اليمن إلى أجزاء، إلى جانب إصابة ما يزيد من 8100 ، أكثر  من 60 بالمائة سببها الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية. أن عشرين محافظة من إجمالي 22 محافظة يمنية تقبع على نحو خطر على حافة حدوث مجاعة مهلكه.
وبالرغم من ذلك، بينما تتصدر المأساة السورية الصفحات الأولى لنشرات الأخبار العالمية، يستمر النظر إلى  الكارثة الإنسانية التي تجتاح اليمن منذ العام الماضي بلا مبالاة. ليس من الصعب الحصول على الأخبار بشأن ما يحدث هنالك، غير أنه من الصعب أن تجد السياسي الذي يضعها على جدول أعماله أو الناخب الذي ينظر إليها بنوع من القلق.
لا يعد هذا مستغرب. خلافا لما يحدث في سوريا، فإن المملكة المتحدة والولايات المتحدة سببان رئيسيان للمشكلة في اليمن. وببساطة، هناك تحالف من أثرى الدول العربية  جمع قواته لضرب وتجويع بلدا يعتبر من أشد البلدان فقرا، وذلك بمساعدة دولتين هما من أغنى دول العالم وأقواها.
في الخمس سنوات التي قضيتها في تغطية أخبار اليمن، تحولت عناوين الصحف العالمية من التفاؤل إلى اليأس. في الأسابيع الأولى من الربيع العربي، كان الجميع يهتف بـ “اليمن: الثورة السلمية”. اليوم، وبحسب تقدير البلد لأزمته الأخطر منذ عقود، باتت القصة الرئيسية  “اليمن: الحرب المنسية”.
اللاجئون والنازحون:
لقد دعوت باستمرار: بما أن الوضع كارثي للغاية، فلماذا لم نر اليمنيين يفرون بالملايين، مثل السوريين؟ الإجابة المختصرة تكمن في أن اليمنيين محاصرون. عندما بدأت الحرب في 26 مارس الماضي، أغلقت على الفور جميع موانئ المغادرة للبلد وتم فرض حصار على حركة الناس وكذلك البضائع ، سواء الداخل منها للبلد أو الخارج.
لقد أغلقت دول أبوابها في وجه اليمنيين رغم أنها كانت قد رحبت ذات مرة بدخول اليمنيين دون فيزه، مثل مصر، الأردن ولبنان. وأي شخص يسعى للحصول على تأشيره سرعان ما يكتشف أن لا أحد من هذه الدول بات لديه سفارة تعمل في اليمن اليوم.
لقد تمكن بعض اليمنيين من الفرار إلى جيبوتي بواسطة القوارب. ولم ينج العديد منهم في رحلة كانت محفوفة بالمخاطر، في حين أُستقبل من نجا منهم  بترحيب فاتر. إلى جانب عدم وجود مخيمات رسمية للاجئين في البلد، بينما تفرض الفنادق أسعاراً باهظة، ما جعل الأغلبية منهم يعودون .
تجنيد غير متحكم فيها
لقد عزا البعض التركيز الدولي على سوريا إلى تواجد القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام هناك. هذه المنظمات تتصدر عناوين الصحف التي تستحوذ على انتباه الجمهور الغربي. لكن هذا الوضع هو تماما ما يتجه اليمن نحوه أيضاً.
نفس الأخطاء التي افتقرت للبصيرة والتي أوصلت سوريا إلى حافة الانهيار هي الآن تتكرر في اليمن. على سبيل المثال، منذ بدء اليمن قام التحالف بقيادة السعودية بتسليح جماعة “المقاومة الشعبية في عدن وتعز”. بالرغم من مواصلة وسائل الإعلام في وصفهم بـ”أتباع هادي” (المتواجد حالياً في المملكة العربية السعودية)، وتشير الأدلة أن العديد من أفراد جماعة المقاومة هم في الواقع ينتمون لجماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام وكذلك تنظيم القاعدة.
في الحقيقة، بينما تزداد الحرب احتدام، تتعرض بنية البلد التحتية ومؤسساته للدمار. في حين تشير نسبة البطالة إلى مستوى قياسي مرتفع، إلى جانب أن الحصول على عمل في وظائف تم تجميدها أمر قد تلاشى، كذلك انقطع نصف طلاب جامعات البلد تقريبا عن الدراسة، مقدما بذلك فرص مثمرة لانضمامهم للجماعات المتطرفة مثل القاعدة وتنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية التي ظهرت مؤخرا في اليمن.
حاليا، باتت المحافظات الجنوبية أرضاً قاحلة وينعدم فيها القانون حيث ينمو التطرف المسلح بنسبة تنذر بالخطر، ولن يستغرق فترة طويلة ليتحول الى مشكلة دولية بدلا من محلية. بعد عقد من الزمان أثناء ما كان اليمن ساحة رئيسية في حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، وتظهر بانتظام كقصة نجاح في وسائل الإعلام، إلا أن التجاهل الغامض لسقوط البلد في الفوضى، وخروج قضيته عن العناوين الرئيسية للصحف، لم يغب عن بال المراقبين المحليين.
تواطؤ في ارتكاب جرائم حرب
هذا الشهر، تم تسليط الضوء ثانية على التباين الإعلامي بين ما يحدث في سوريا واليمن. عندما تعرض مستشفى أطباء بلا حدود في شمال سوريا لضربة بالقنابل الروسية، حدث ضجيج في وسائل الإعلام الغربية يصم الآذان، وهي محقة في ذلك. ” أنها بالفعل جريمة حرب”، هذا ما صرح به اندرو ميتشل، الذي كان وزيرا للدولة للتنمية الدولية سابقا في برنامج “اليوم” صباح اليوم التالي للضربة. وأضاف: “الجميع يعلم أنه كان مستشفى لمنظمة أطباء بلا حدود”، وهذا من دون شك يتعارض مع القانون الإنساني الدولي”.
بطبيعة الحال، لقد كان محقا، قد لا يمكنني المساعدة لكنني لاحظت أن ما لا يقل عن ثلاثة مستشفيات يمنية تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود قد تعرضت للضرب بواسطة غارات جوية سعودية خلال الأشهر القليلة الماضية، وقد اعترفت السعودية بواحدة منها  في حينه. لكن ذلك لم يحظى  سوى بتغطية ضئيلة في وسائل الإعلام الغربية، ناهيك عن إبداء أي غضب أو إدانة صريحة.
وللأسف أن هذا ليس مجرد لا مبالاة من الغرب بل تورط وتواطؤ. في أكتوبر الماضي، أحبطت بريطانيا والولايات المتحدة خططاً لإجراء تحقيق مستقل تقوم به الأمم المتحدة بشأن ارتكاب المملكة السعودية جرائم حرب في اليمن. كانت هذه فرصة استثنائية للإمساك بكافة وللمساءلة عن أفعالهم. بدلا من ذلك، تم السماح للسعودية في التحقيق بنفسها عبر لجنة داخلية خاصة بها.
وبالطبع ليس الغرض من ذلك تشويه سمعة معاناة السوريين، التي كانت هائلة، لكن لتسليط الضوء على المأساة المنسية الجارية في اليمن و كيف أن فشل وسائل  الإعلام في أخبار الجمهور عن طبيعة وحجم دور حكوماتهم في واحدة من أعظم الكوارث الإنسانية اليوم قد جعل من السهل على الولايات المتحدة وبريطانيا مواصلة دعمهم المشين لحرب لا مبرر لها.
بالتالي ستسمعون  في المرة القادمة الدبلوماسيين البريطانيين والأمريكيين يعبرون عن غضبهم إزاء المذبحة المروعة في سوريا- كما ينبغي عليهم- وتذكروا أن ما يريدون منكم تجاهله هو: أن هناك أمة أخرى، وشعب آخر، يعاني بنفس القدر. يستثنى من ذلك أنه عندما يتعلق الأمر بمأساة اليمن، فيمكن توجيه اللوم مباشرة، للولايات المتحدة وبريطانيا.
* صحيفة  “تلغراف” البريطانية

قد يعجبك ايضا