محمد حسين هيثم معنى يصعب تجزئته..

(1)
خذوا هذا الليل بعيداً عني
بسببه صارتْ لحظتي سوداء
خذوه إلى مكان أجمل من حارتنا المليئة بالثقوب
حيث لا موسيقى
ولا نساء جديدات
خذوا
هذا الليل
إلى ما خلف هذا الجبل
وأنا على يقين بأنه سيجدُ
في الابتعاد عن هذه المدينة
أشياء مُسلية
وكائنات أقل هلاميّة
خذوا
هذا الشيء الشاسع الذي
يحجب عنّا الأحلام والهواء
العتمةُ البكر
أفضل من ليلٍ تلعلعُ فيه بيانات النعي
كقذائف حزن مباغتة وأنباء الانتقال إلى
جوار الله
إنها مصائب طازجة / عبر الأثير
تفتح شهيِّة
حفّاري القبور
وباعة الأكفان
وأصحاب الصالات
إنه الموتُ
وباء العولمة
المتفشي
والبارد لدرجة أن تعجز عيون كثيرة
عن إراقة قطرة دمع حزن
واحدة
(2)
مشاعري القديمة – قبل اختراع الكهرباء-
كانت تصلح لليّل
أما بعد أن مات معظم الأصدقاء
واستُبدلت مصابيح الشوارع مرات عدة
فلا معنى للجلوس في شاشة الليل
ليل هو ذاته خبر عاجل للموت الذي يتكاثر
عبر الكاميرا
في كل مكان
(3)
نحن الآن
في المدينة العتيقة
أسرى الرتابة والغبار
تحلّقُ في عيوننا دوماً زوابع، وتنشب في أعماقنا شجارات
نزرع الضغائن في الكلمات، وعلى جوانب الأرصفة
ونطلق ابتسامات
في صور الجدران، والصحف
وواجهات محلات التصوير
(4)
لا معنى للتشاؤم
ولا جدوى من الانبهار بالضوء
فكلُ يؤدي دوره المنوط به
لكن لا أحد يحاول أن يجدِّف للعبور
إلى لحظة مجاورة
حسناً
لقد مات الشاعر محمد حسين هيثم
على فراشه كقديّس
وبصمت، لم يكلف أحداً مجرد زيارة له
لم يستجدِ أحداً أن يطلق دعوةً واحدة لله بالشفاء
أو لشيء آخر
لم يكلف الدولة دولاراً واحداً لعلاجه
لأنه شاعرُ
والشعراء لا يتسولون موتهم أبداً
محمد حسين هيثم
كان شجاعاً وهو يحيا
ثم وهو يهبُ الموت سنواته كلها
وبلا شك فإنه كان يحب أبناءهَ
لذلك ترك لهم ولقليل من الأصدقاء
– الذين لا نعرفهم – روحه
تركض … كغزال
وتمضي
كأيام تطرُطق
في اللحظة…. الموحشة
(5)
محمد حسين هيثم
لم تتسع له مدينة الغبار
كان نصلاً لامعاً
في لحظةٍ صدئة
هو يدري الآن
أننا نتزلفه، ونهيل عليه كلماتنا الأخيرة
الكثير من الثناء والتبجيل
هو يبتسم الآن كعادته
لجوقة المنافقين والأصدقاء
لعله الآن يضع بعض الملاحظات
ويصحح بعض الأغلاط
في قصائده التي أعيد نشرها
بالمناسبة
(6)
محمد حسين هيثم
معنى
يصعب تجزئته
يصعب العبث بمحتوياته
كابتسامته تلك
كرؤيته ماشياً
تؤرجحه الأزمنة
إنّه
من تلك الأرض
المصابةِ
بالشعر
بالأيديولوجيا
والثارات
والناس الطيبين
محمد
حسين هيثم
كيف نحبّه الآن
ونحن وحيدون
في المقبرة؟
(7)
كيف
نقول له وداعاً
وليس ثمة شرفة نطل منها على المسافة؟
هو ليس بعيداً..
لكنه هناك واقف
وشمسُ تستظل بقامته
الخضراء
(8)
يا له
من شاعر
عرف كيف يفرقع كل هذا الصمت
وعرف كيف يجعل اللحظة وعاءً للدموع/ بسرعة خاطفة
مضى/ غير آبه بأي انتظار
آخر
لا أظنه
– الآن- يلهثُ مُتعباً
لقد ارتقى الأعالي
تماماً
وقلبه لم يُصدِّق المفاجأة
لكنه… هناك
أخيراً
محمد
حسين
هيثم
* 2007م

قد يعجبك ايضا