الحرب الإعلامية.. الوجه الآخر للعدوان

شوقي العباسي

فتحت العمليات العسكرية لتحالف العدوان التي تقوده السعودية في اليمن منذ عام ،المجال أمام حرب من نوع آخر، حيث انقسم المشهد الإعلامي العربي والمحلي ، بين منابر مؤيدة للعدوان وحلفائها وأخرى لجماعة أنصار الله المعروفة إعلاميا بــ”الحوثيين” والأحزاب الموالية لهم ،الأمر الذي زاد من إشعال نار الأزمة اليمنية.

فمنذ انطلاق عاصفة العدوان ،عمد الإعلام الخليجي إلى الضخّ الإعلامي والتضليلي على المستويين الإسلامي والعربي واليمني، من أجل التعتيم وتسويق عدوانه بذرائع شتى رغم ما قام به من انتهاكات لحقوق الإنسان جراء الغارات العدوانية التي يشنها وخلفت خسائر كبيرة في أوساط المدنيين وتدمير المؤسسات الحكومية والخاصة ومنازل المواطنين في مختلف المحافظات اليمنية.
حيث فعلت الإدارة المتحكمة في الإعلام الخليجي منذ بداية العدوان، فأطلقت أبواقها خارج المعايير والضوابط وبعيداً من الحرفية والمهنية،وأصبحت بمثابة آلة لتدمير الوعي والحقائق موازية لأدوات القتل العسكري التي دخلت الحرب على اليمن دون مبررات سوى الغطرسة والحقد الأحمق.
ماكنة إعلامية شرسة
واعتمدت الماكينة الإعلامية السعودية خصوصا والخليجية عموما على أفرغ كل ما في جعبتها من الترويج لانتصارات وهمية لا أثر لها على الأرض. وأصبح تكرار الادعاءات الكاذبة، والانتقال بالفوز والنصر من جبهة إلى أخرى،حيث فقدت وسائل الإعلام الخليجية المصداقية وقدرتها في التأثير حتى على المستوى المحلي الخليجي الذي عادةً ما تستهويه البطولات حتى ولو كانت فارغة.
إغلاق قنوات مناهضة للعدوان
لم يكتف تحالف العدوان بالتضليل الإعلامي، لكنه عمل بكل السبل في محاربة الوسائل الإعلامية الوطنية المناهضة له ، ولم تكد تمر ثلاثة أيام على بدء العدوان حتى بدأت أبواقه في استهداف وسائل الإعلام ، حيث طالب سياسيون وكتاب سعوديون باستهداف الوسائل الإعلامية التي تكشف جرائمهم ،حيث انعكس ذلك من خلال إعلان ناطق تحالف العدوان ان القنوات المناهضة للعدوان أصبحت أهدافاً لطائراتهم، وكانت مقر قناة اليمن اليوم في العشرين من شهر ابريل 2015 م ضمن دائرة الاستهداف في منطقة فج عطان بأمانة العاصمة ما أدى إلى استشهاد أربعة من موظفيها وإصابة أكثر من عشرة أشخاص آخرين واحداث أضرار كبيرة في مبنى القناة ومحتوياته.
بعدها تم إغلاق قناة اليمن الفضائية الرسمية وفضائيات المسيرة والساحات واليمن اليوم والميادين والمنار من قبل إدارة “النايل سات وعرب سات” بإيعاز من دول تحالف العدوان ،كون تلك القنوات تفضح زيف ما تدعيه من انتصارات وهمية وقلب للحقائق وتكشف جرائمه البشعة وكان ذلك السلوك انتهاكا واضحا وصارخا لحرية الرأي والتعبير المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومختلف التشريعات والقوانين ذات الصلة.
تغذية الصراع
على الصعيد الداخلي،حاولت الماكينة الخليجية استقطاب بعض الجماعات والنخب الموالية لها وعلمت على تغذية النزعات المذهبية ، ودفعت بعض الجماعات للانتقال من الحالة الدعوية إلى القتال وصناعة الموت في اليمن ،كما عملت في بعض الدول العربية خصوصاً في العراق وسوريا، غير أن ذلك لا ينطبق على الحالة اليمنية، حيث لا وجود أبداً للنزاعات المذهبية، وحيث يتعايش المذهبان الشافعي والزيدي منذ مئات السنين.
في المقابل عملت وسائل الإعلام الوطنية المناهضة للعدوان على التصدي للماكينة الإعلامية السعودية ،من خلال تشكيل الجبهة الإعلامية والعمل على كشف زيف تلك الوسائل الموالية للعدوان ونشر الحقائق للقراء والمشاهد والمستمع وتقديم المعلومات للناس لمعرفة ما تقوم به دول التحالف من جرائم بحق الشعب اليمني وتدمير كل المقدرات والبنى التحتية لليمن.
الجبهة الإعلامية
كان للجبهة الإعلامية ،دور كبير وهام في مواجهة العدوان، من خلال التركيز على توفير المعلومات لتوضيح التطورات في المواجهات العسكرية في مختلف الجبهات  وتسليط الضوء على المبادرات الأهلية الداعمة للجيش واللجان الشعبية، بالإضافة إلى العمل على إظهار دور الجيش واللجان في حماية الشعب وتأكيد قدرته الدائمة على مواجهة الإرهابيين.وكذا مواجهة الإعلام المعادي والتصدي للدعايات التي ينشرها وسعى أبواقه الى قلب الحقيقة وتزييف الأحداث والوقائع على الأرض.
وهنا لا يفوتنا التذكير بالدور الكبير الذي لعبه الإعلام الحربي في نقل الصورة الحقيقة من ميدان المعارك في المحافظات أو خارج الحدود في جيزان ونجران وعسير. بالإضافة إلى قناة المسيرة الفضائية. وفضائية اليمن والساحات وقناتي الميادين والمنار اللتين كانتا شعاعان مضيئان في فضاء الإعلام العربي والدولي المعتم.
وسائل التواصل الاجتماعي
منذ بداية العام الجاري أطلق ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و “تويتر” حملات مكثفة تفضح الولايات المتحدة الأمريكية وتورطها بجرائم الحرب في اليمن .بالإضافة الى فضح الدور الأمريكي السعودي وما تقوم به في المنطقة من إشعال للحروب والصراعات تحت مسميات وشعارات مختلفة كما تهدف الى نشر صور جرائم التحالف الأمريكي السعودي الذي تُرتكب بحق اليمن واليمنيين منذ عام .
وشارك في الحملة ناشطون عرب وأجانب من مختلف الجنسيات تضامناً مع الشعب اليمني الذي يتعرض لحرب شاملة تشارك فيها أكثر من 20 دولة خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .وحظيت الحملة التي تأتي في إطار السخط الرسمي والشعبي إزاء الدور الأمريكي في العدوان الغاشم على اليمن باهتمام وسائل الإعلام وما تزال العنوان الأبرز وقد نجحت تلك الحملات في الوصول إلى مئات الملايين من مستخدمي وسائل التواصل – تويتر – فيسبوك – في أنحاء العالم.
مراقبون أكدوا ان استمرار الحملة يسهم في إيصال رسالة الشعب اليمني للعالم عن قضيته العادلة وكشف حقيقة العدوان التي حاول تحالف دولي على رأسه أمريكا إخفائها عن الرأي العام العالمي.
التعتيم الإعلامي
يقول الأستاذ عبدالله علي صبري رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة للصحافة سابقا: إن العدوان السعوأمريكي اتخذ طرقاً وأساليب شتى منها الحرب والتعتيم الإعلامي.. بالمقابل ظهر الإعلام الوطني إعلام حر واجه العدوان بالحقائق بالصوت والصورة.
وقال صبري في ورقة عمل قدمها في ندوة عقدت مؤخرا بصنعاء بعنوان “الإعلام الوطني في مرمى الاستهداف”: لقد ابتكر العدوان أساليب شيطانية جديدة من خلال صناعة إعلامية تضليلية انخدع به البعض حتى وصلوا لموالاة العدوان.. هناك ماكينة إعلامية كبرى وصحف يومية وعشرات المواقع الإلكترونية التضليلية ذات طابع عدواني تجاه اليمن وغير منسجمة مع الحقائق والوقائع العدوانية، كما أنها استغلت أدوات التواصل الاجتماعي ووجهتها لإدارة الحرب وأسهمت في خلق شق الصف اليمني.
وأشار إلى أن الحرب العدوانية على اليمن رافقتها تهديدات واضحة منذ البداية على وسائل الإعلام اليمنية، وفعلا تم الاعتداء على القنوات الوطنية فقد استطاعوا الضغط على إدارة قمر نايلسات لإغلاق قناة المسيرة وقناة اليمن الفضائية وقناة الساحات وقناة اليمن اليوم، ثم عمدوا على استنساخ قناتي اليمن الفضائية والمسيرة.. كما عمدوا على حجب المواقع الإخبارية اليمنية الوطنية على الشبكة العنكبوتية في السعودية.
مواقف مشرفة
صحفيون وكتاب عرب كان لهم مواقف قومية مشرفة من العدوان على اليمن ورفضهم للتدخل في الشئون الداخلية اليمنية وإدانوا أعمال القتل والتدمير التي يقوم بها تحالف العدوان بحق اليمينين.
وفي السياق تحدث الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل قبل وفاتة ، عن العدوان على اليمن، وأنه أمريكي في الأساس وأوكل إلى أطراف عربية.
وشن هيكل في حوار مع قناة “cbc”المصرية الذي أجري يوم الجمعة 10 أكتوبر 2015م هجوماً عنيفاً على ما يسمى التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد اليمن، منتقدا القصف العشوائي الذي يستهدف المنشآت والمدنيين.
وقال هيكل :إن “الغارات الجوية دمّرت ما بناه اليمنيون في 100 عام”. منتقدا الاستهداف العشوائي الذي يستهدف المدنيين ومنشآتهم. لافتاً إلى أن “الضربَ في اليمن أوكلته الولاياتُ المتحدة لأطراف عربية”.
تجاهل عربي
الصحفي والكتاب العربي عبدالباري عطوان رئيس تحرير موقع رأي اليوم ،كتب العديد من المقالات والتقارير عن تجاهل الإعلام لضحايا العدوان السعودي على اليمن،وغياب قتلى الحرب اليمنية وجرحاها عن معظم شاشات الفضائيات العربية .
وقال في مقال نشره موقع رأي اليوم تزدحم شاشات محطات التلفزة العربية، والخليجية منها بالذات، بأخبار القصف الجوي في اليمن، والأهداف التي تدمرها، وسط حالة من النشوة غير مسبوقة، ولكن من النادر ان تعرض صورا للقتلى من المدنيين الأبرياء الذين يسقطون من جراء هذا القصف.
وقال عطوان في مقال له نشره مؤخرا في رأي اليوم:” أن الإعلام السعودي لا يعتبر الحرب في اليمن من انجازات العهد الجديد رغم أن محمد بن سلمان يصر انه انتصر فيها، وسيطر على ثمانين في المائة من الأراضي اليمنية باستثناء اكبر ثلاث مدن ومحافظات يمنية هي صنعاء وتعز وآب، ولكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما، فمعظم المدن التي ادعت قوات التحالف تحريرها، بما فيها عدن والمكلا والضالع وأبين، باتت في يد تنظيم “القاعدة” أو منافسه “الدولة الإسلامية”، جزئيا أو كليا.حد قوله.
قرار أمريكي
من جهته أكد رئيس اتحاد الكتّاب العرب حسين جمعة أن انطلاق ما يسمى بعاصفة الحزم ضد أبناء الشعب اليمني كانت نتيجة قرار أمريكي دُرِسَ بعناية.
وتابع جمعة في تصريح نشرته مؤخرا وكالة انباء فارس:” أنه في نهاية المطاف يهدف هذا العدوان السعودي الامريكي للسيطرة على القرار السيادي الوطني في اليمن دون ان يكون الشعب اليمني سيد القرار بنفسه”.
شق الصف
يقول الكاتب لقمان عبدالله في تقرير له في صحيفة “السفير اللبنانية” ،انشغلت الماكينة الإعلامية الخليجية منذ بداية العدوان بالعمل على فكّ الارتباط بين حزب «المؤتمر الشعبي العام» و«أنصار الله». فبعدما كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح حليفاً للسعودية لمدة ثلاثة عقود، تحوَّل فجأةً إلى خصم سلّطت عليه الدعاية الخليجية الأضواء، في محاولة لشيطنته والتصويب على خلافاته السابقة مع «أنصار الله» والعمل على شقّ الترابط معهم. فتارةً تشير إلى «تبعيته» لـ«أنصار الله»، وطوراً تتهمه بأنه هو من ورّطهم في دخول الحرب. كذلك توجه الإعلام الخليجي إلى «المؤتمر» باتهامه بالتسبّب في الحرب وتحميله مسؤولية ما وصل إليه البلد،ولا تزال محاولات الإعلام المعادي لخلق الشق بين المؤتمر وأنصار الله وداخل المؤتمر الشعبي نفسه
محاولات قلب الحقيقية
مراقبون ومختصون بالشأن الإعلامي اكدوا إن كل ما تمارسه السلطة السعودية من نفوذ سياسي واقتصادي على وسائل الإعلام العربية وغيرها لم يفلح في قلب الحقيقة وتجميل صورة العدوان. وماتزال الحقيقة واضحة للجميع بأن ما قامت به الحملة السعودية لم تكن سوى القتل للأبرياء والخراب للأبنية، ولم تستطع تحقيق أي هدف يذكر، والسبب هو وقوف اليمنيين خلف الجيش واللجان الشعبية في وجه الحملة العسكرية والإعلامية السعودية بكل شجاعة للمحافظة على الأرض والعزة.
الإعلام العربي والخليجي الداعم للعدوان فشل حتى في رفع شعار وقف الحرب لفسح المجال أمام المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات العاجلة لسكان اليمن من المدنيين، من نساء وأطفال وشيوخ، حيث شكلت حرب اليمن امتحانا عسيرا بالنسبة لقنوات عربية بالإضافة إلى العديد من المواقع الإلكترونية والجرائد التي كانت تعتبر جريئة ومستقلة إلى حد ما في تناول الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية، وجعلتها تظهر بمظهر “بوق النظام”وتناست القيم المهنية والأخلاقية في نقل الحقائق وسعت إلى قلب الحقيقة والتعتيم على جرائم تحالف العدوان في اليمن.

قد يعجبك ايضا