صمود اليمنيين فاجأ العالم واستبسالهم يعكس بأسهم ووجودهم الحضاري

> رئيس مكون الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار الوطني اللواء الركن خالد أبو بكر باراس لـ “الثورة”
حوار/ محمد محمد إبراهيم
في حوار صحفي صريح وشفاف .. قدم المناضل الكبير اللواء الركن خالد أبو بكر باراس، خلاصات مهمة في توصيفه وقراءته لما شهدته اليمن خلال عام كامل من العدوان، معتبراً أن صمود اليمنيين، الذي فاجأ العامل لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نابعاً من تراكم حضاري ووجودي متجذر على مر التاريخ.. كما أن مقولة (اليمن مقبرة الغزاة) لم تأت من فراغ بل تعكس تراكماً تاريخياً من الاستبسال والوجود الحضاري لأبناء اليمن…
اللواء باراس تطرق في حديث صحفي لـ (الثورة) إلى مجريات الأوضاع في المحافظات الجنوبية، وما تشهده حضرموت وعدن من تطرف وتصفيات للرموز الوطنية، ومن تطهير ثقافي لكل أشكال الموروث الإنساني والعقدي.. مفنداً دلالات استهداف العدوان للأسواق والتجمعات السكنية، وكذلك قضية التفاوض وما يشاع في الفترة الأخيرة من مشاورات مباشرة مع المملكة، وغيرها من القضايا.. إلى التفاصيل:

• بدايـة.. سعادة اللواء وعام العدوان يكمل دورته ما هي قراءتكم لما شهدته اليمن على مدى هذا العام.. ؟
– بداية يجب الإشارة إلى أنه لم يسبق في التاريخ أن يتعرض شعب فقير كاليمن لعام كامل للعدوان الهمجي المدمر والحصار الشامل القاتل، ويصمت العالم بهذه الطريقة، ويلعب المال في مواقف المنظمات الإنسانية الدولية والأممية.. عام كامل بأيامه ولياليه، عاشه اليمنيون تحت حصار شامل جوي وبري وبحري فرضه العدوان السعودي الظالم، فدمرت غارات الطيران الوحشية المتواصلة ليلا ونهارا على مدار الساعة تقريبا كل البنية التحتية تماماً.. ليكشف المعتدون بهذه العدوانية، عن طبيعة عدوانهم الهمجية والمتغولة والحقد المخزون في صدورهم على اليمن وأهله، من خلال عمليات القتل الجماعي المتعمد للمدنيين الأبرياء، في الأسواق الشعبية المكتظة بالمواطنين الأبرياء، وفي صالات الأفراح وتجمعات العزاء، وغيرها من التجمعات السكانية المدنية، التي صارت على مدى سنة كاملة أهدافاً ثابتة لصواريخ الطائرات، وقذائف البوارج الحربية، ولن يكون سوق الخميس بمحافظة حجة كما يبدو آخرها..
أزف الوقت
• هل تتوقعون استمرار العدوان من خلال هذه الإشارة..؟
– لا ليس ذلك، ولكن همجية العدوان لن تتوقف عن جرائمها، ولن يأتي منها إلا الأسوأ.. ومع ذلك أن لا أتوقع أن تستمر هذه الحرب الظالمة، فسنة كاملة من العدوان، دون الوصول إلى هدف إخضاع اليمن.. رغم الحصار الشامل الذي منع كل شيء.. حتى الأدوية مُنع، أو حُرم منها المرضى وماتوا في المستشفيات في عصر التقدم الطبي والمعرفي والقيم الإنسانية، لكن العدوان لا يؤمن إلا بإبادة الشعب اليمني.. فلا الدواء سُمح بدخوله، ولا المرضى سُمح لهم بالسفر إلى الخارج.. ومع هذا لا تزيد صواريخ وبوارج وطائرات العدوان شعبنا اليمني إلا صموداً..
فعُمْر الهمجية لم تخضع أحداً، حتى لو كانت اليمن إمارة من إمارات السعودية أو أية دولة خليجية وعملت السلطات عليها حصار بصفتها تابعة لها كإمارة أو كولاية ومارست كل أشكال القصف لإخضاع شعبها المتمرد على السلطات، ما زادت الإمارة إلا تمرداً، وما سمح العالم بإجبار هذه الإمارة على الخضوع، فما بالك بالعدوان على شعب يمني بدولته المستقلة ذات السيادة والعمق الحضاري والتاريخي.. وبالتالي الحرب لن تستمر ولا نتوقع أن وقتاً ما بقي لها..
• هل تبنون هذا التوقع على مجريات ما يشاع حول بداية التفاوض بين أنصار الله والسعودية..؟
– ليس هذا.. ولكن هذا التوقع مبنيٌّ على منطقية الواقع السياسي والجغرافي والإنساني، فوقت العدوان أزف، والعالم الذي كان يعيش تحت ضغط المال والتدليس السعودي بالخطر الإيراني، بات يعرف أن استهداف الأسواق والتجمعات السكنية، ومراكز المكفوفين، لا يعكس إلا إفلاس العدوان، ويفضح أهدافهم المبطنة في إبادة الشعب اليمني.. وها هو العالم بعد سنة كاملة بدأ يتململ ويندد بجرائم العدوان السعودي ويسعى بجدية لإدانته، وإيقافه، وتحميل السعودية كافة المسؤوليات المترتبة عليه..
فلا يظن العدوان السعودي ومن حالفه، وعملاؤه أنهم سيهربون من العقاب حتى لو اتفق العدوان- مساومةً- مع أي طرف يمني في الخارج أو في الداخل، في الشمال أو في الجنوب في شرق الوطن أو غربه، فهذا لا يعفيهم من العقاب الحتمي، ولا يعفي أي طرف يمني من مسؤولياته تجاه ما هو حق للشعب اليمني المعتدى عليه في عقر داره..
شرط التفاوض
• ما يشاع هو أن هناك تفاوضاً بدأ بين أنصار الله وبين السعودية.. ما هي رؤيتكم لما يجب أن يكون عليه التفاوض اليمني السعودي..؟
# جميعنا كيمنيين نؤيد مساعي إيقاف العدوان عبر التفاوض الندي اليمني السعودي، ولكن انطلاق هذا التفاوض مشروط بإيقاف العدوان على كل شبر من اليمن أولا وأخيراً.. وبالتالي أي تفاوض خارج هذا الشرط، ليس مقبولاً لدى الشعب اليمني، إذ لا يحق لأي طرف يمني، التفاوض خارج إرادة الشعب، كما أن التفريط بأي قطرة دم يمنية سفكها العدوان، يعد جريمة سيعاقب عليها الدستور اليمني، وستحاكم الأجيال اليمنية كل من ساهم في ضياع حق الشعب اليمني في هذه الظروف العصيبة، وفرّط بسيادته.. عقاب العدوان على فعلتهم، حق لا يملكه إلا الشعب اليمني الذي عانى وضحى، واستهدف في أريافه ومدنه ومراكز أعماله وتجمعاته.. وأي تفاوض يقوم تحت يافطة “لا تطاردونا في الدول والمحاكم، ولا نطاردكم” غير مقبول أبداً، لا يمكن هذا.. يطاردونا إذا عندنا دم نحن نتحمّل المسؤولية.. الجيش واللجان الشعبية اليمنية إذا اعتدت-خارج أهداف الدفاع عن النفس والأرض والعرض – على المدنيين، أو الأطفال أو المكفوفين، أو غيرهم في الأراضي السعودية، فنحن نتحمل العقاب والمسؤولية الأخلاقية والإنسانية.. لكن ذلك لم يحصل من طرف اليمن، فالشعب اليمني معتدى عليه.. وبالتالي من دمر اليمن وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة والمكفوفين، يجب أن يحاسبوا أمام العالم وبالقوانين الدولية والأعراف الإنسانية. وأنا أقول الآن إن العدوان السعودي ومن حالفهم صاروا اليوم على قناعة أنهم ارتكبوا خطأ لم يحسبوا حسابه.. وأنهم تورطوا بسفك دماء اليمنيين، وإن كانوا ما زالوا مكابرين، فالحق لا يسقط أبداً بالمغالطات والمكابرة..
سر الصمود
• بالعودة إلى عام العدوان الذي يكمل اليوم دورته السنوية.. برأيكم ما سر صمود الشعب اليمني.. ؟ وكيف تنظرون إلى ما كان يتوقعه العدوان ..؟
– سرّ صمود الشعب اليمني نابع من طبيعته الديموغرافية ذات الصلة بالأرض والإنسان، الأرض العصية طبيعياً على الغزاة والإنسان الأبي على كل أنواع الخضوع للقهر والظلم، وعبر مئات السنين..
أما نظرتي لما كان يفكر به العدوان، ففي تقديري إنما كان مرسوم في فكر العدوان عن استسلام اليمن، في ظرف أسبوع وتم إقناع الحليف الأمريكي على هذا الأساس. كان يعكس جهلاً كبيراً لدى الجيل السعودي الجديد، بالديموغرافية اليمنية، وجهل بالتاريخ العريق، واستهتار بالمقولة التاريخية “اليمن مقبرة الغزاة” المقولة التي لم تأت من فراغ أو هرطقات، وإنما جاءت كنتيجة عصور من صراع قوى العالم التسلطية علي اليمن، فأي غزو أو عدوان خارجي على أي أرض يمنية، سيواجهه الشعب اليمني كله وسينسى كل خلافاته في ظرف لا يتوقعه العدوان..
• خلال عام من القصف والتدمير.. لماذا ركز العدوان على استهداف المدنيين..؟
– هذه الهمجية نابعة من الخطأ في التخطيط العسكري المبني على الحقد والغرور.. ففي المرحلة الأولى عندما كانت قيادة التحالف تعلن بثقة كبيرة، أنها فعلاً ستصل، صنعاء وتحررها من الجيش واللجان الشعبية، وتخضع الشعب اليمني.. وعندما فشلت واصطدمت بواقع التماسك والصمود والبسالة اليمنية، لجأ العدوان إلى التدمير بدلا عن التحرير، خصوصاً عندما وصلوا إلى قناعة أنهم لن يحتلوا اليمن.. وإن دخلت مجموعة منهم وعملاؤهم ومرتزقتهم، إلى منطقة لن يستمروا، سيخرجون.. لقد أصيب العدوان بجنون الهستيريا.. فيجلدون ذواتهم بحصار الأسئلة.. مال هؤلاء الناس لا يستسلموا..!! لماذا لا يخرجوا بثورة على الحوثيين، والعفاشيين..!! إذن اضربوهم في الأسواق في التجمعات سعيا لإيلام المجتمع اليمني.. وبنفس السطحية تجدهم لا يعرفون أن العدوان حشد اليمنيين إلى جنب الحوثيين، ولم تعد المسألة حوثيين أو عفاشيين، بل القضية يمنية تهم كل يمني..
• لكن.. ألا ترى أن الصراع اليمني اليمني لا زال مستمراً.. رغم عام من العدوان.. كيف تنظرون إلى ما يعيشه فرقاء السياسية اليمنية..؟
– الخلاف بين الأطراف الداخلية، ليس صراعاً في ظل العدوان الذي وحد الجميع.. صحيح كان ثمة صراع مستحكم بمسار اليمنيين، وما زال قائماً بسبب أن أحد أطراف الصراع لم يعد قراره بيده بل بيد السعودية.. وهو ما استغلته للانقضاض على اليمن، لكن ما حدث لم يكن في حسبان المملكة العربية السعودية، فالطرف اليمني الذي تسيطر السعودية على قراره لم يعد يمثل أحداً في نظر كل مكونات الشعب اليمني، بعد العدوان، ومنذ بدء أول غارة غادرة على مقدرات البلاد..
وما يجب على الأطراف اليمنية المناهضة للعدوان هو نسيان خلافاتها، ورص الصفوف فالمستقبل يتطلب من الجميع نسيان الخلافات والاتجاه إلى البناء والتنمية، في حال توقف العدوان وجنح العدو للسلام وتحمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية والمادية تجاه ما خلفته الحرب من قتل وعدوان..
خلاصة القول إن قيادة العدوان أخطأت الحسبة، والتقارير التي اعتمدتها صادرة عن مجموعة أفراد لكل منهم أهداف شخصية، وكل ما في الأمر لدى هؤلاء النّفَر أن مصلحتهم أهم من الشعب اليمني بأسره، فالأهم لديهم أن تبدأ الحرب ضد الشعب اليمني لإخضاعه وإيلامه، لعل وعسى هذه الحرب، تهزم اليمنيين، فيحصل هؤلاء العملاء على نصيبهم في السلطة.. وآخرون تقاريرهم نابعة من معلوماتهم القديمة لأنهم كبروا في السن، ولم يعد لهم أي تأثير جماهيري أو شعبي.. وصدّقت المملكة تقاريرهم بناء على دعمها لهم خلال عشرات السنين الماضية، بالمال والسلاح، حيث كانوا قادرين كشباب على تنفيذ مخططاتها في اليمن..
السحل والتدمير
• هل كنتم تتوقعون أن تذهب الامور في المحافظات الجنوبية إلى ما هي عليه الآن..؟
– منذ وقت مبكر وفي أكثر من حوار صحفي منذ مجريات الحوار الوطني، حذرنا كل الفرقاء أن مزيدا من الخلاف لا يذهب بالبلد إلا إلى هاوية سحيقة، وأن الجنوب محور صراع للقوى الخارجية، وسيكون عرضة للاجتياح في حال استمرت الصراعات والخلافات الداخلية، وفعلاً وصلنا إلى هذه النتيجة المؤسفة.. لكن مع ذلك وحتى اللحظة ما فقدنا الأمل في تحرير ما سقط من الجنوب في أيدي العدوان والقاعدة وداعش..
مسألة التوقع لهذا العدوان خصوصاً على الجنوب، لم تكن متوقعة لكن كان لها مؤشرات ثبتت مع أول غارة، أبرز تلك المؤشر هي الاغتيالات السابقة، ما قبل العدوان ومنها اغتيال اللواء سالم قطن، واللواء عمر بارشيد، واللواء أحمد عبدالرزاق.. وغيرهم.. هذه العمليات كانت مقدمات لما جرى ويجري الآن من عدوان، وتصفيات متواصلة لرموز الوطن الأمنية والعسكرية والاجتماعية.. أما السحل والقتل والتطهير الثقافي للمعالم والموروث الإنساني فهذا يعكس الفكر الذي يحمله فصيل داعش في العراق..
• تشهد عدن أحداثاً دموية رغم إعلان التحالف تحريرها والسيطرة عليها.. لماذا فشلوا في تأمينها..؟
– رغم سهولة تأمين عدن، كونها مناطق سهلة السيطرة على الحركة فيها، فالمنصورة وكريتر وخور مكسر، والتواهي والمعلا، كل منطقة منفصلة عن الأخرى بمخانق طبيعية.. غير أن الوضع يعكس أنهم عجزوا عن تأمينها.. لكن في تقديري، هم لم يفشلوا بل أرادوا ذلك متعمدين الفشل.. فمن ناحية هم مقتنعون بأنهم رغم وصولهم إليها لكنهم لن يستمروا أبداً، وبالتالي ليس من الضروري بنظرهم، أن يخسروا في المال وفي البشر، حتى الرواتب التي وعدوا بها مع بداية العدوان لم تصرف، والمجندون الموعودون بقبولهم في الجيش الجديد- وهم بـ(بالآلاف)- لم يقبلوهم.. ومن ناحية ثانية، أرادوا هذه البيئة كي تتسنى لهم فرصة استكمال قتل كل رموز الوطن..
# # لكن بعض المحللين يرون أن ما يجري في عدن هو صراع على عدن بين السعودية والإمارات..؟
# لا أعتقد ذلك فهم لا يجهلون ان الارض التي يتصارعون عليها ليس لهم حق فيها، إلا إذا كانوا يعتقدون أن اليمن هي الثور الذي سقط وكثرت سكاكينه.. وأياً كانت اعتقاداتهم، فلن يصلوا إلى هدف تقاسم اليمن.. إلاّ إذا أبادوا الشعب اليمني كله رجالاً ونساءً.
حضرموت
• هلا حدثتنا عما شهدته حضرموت من سقوط في أيدي القاعدة، وما جنته على المحافظة من تطهير متعمد للمعالم الأثرية والمساجد والقباب.. ما هو تفسيركم لهذه الأعمال..؟
– ما يجري من استمرار لانتشار تنظيم القاعدة والتيارات المتطرفة، والسيطرة على بعض المناطق في حضرموت، وما تشهده من تدمير متعمد للمعالم التاريخية أمر مؤسف، لكنه أكبر دليل على إرادة العدوان في جر اليمن ككل من حضرموت إلى صعدة في حروب طائفية لا أساس لها في التاريخ اليمني، المشهود بتعايش المذاهب والفرق الدينية والفكرية.. ولعل هذا الأساس هو من سينتصر مهما حاولت السعودية تغذية المد الوهابي ومن والاه من تيارات التطرف، من أجل الذهاب باليمن إلى نموذج العراق أو سوريا.. صحيح أن محافظة حضرموت هي الأكثر تضررا من هذا العدوان الثقافي، لكن ليست وحدها المستهدفة من التطهير الثقافي، فكل المعالم الأثرية التاريخية، صارت ضمن الأهداف الثابتة منذ اليوم الأول لبدء العدوان في 26 مارس 2015م إلى يومنا هذا..
ولقد ثبتت العلاقة الوطيدة المتينة، بين السعودية التي تقود هذه الحرب وبين تنظيم القاعدة الإرهابي من خلال نوعية الأهداف التي تقاسما تدميرها فيما بينهما، فالقاعدة تكلفت بتدمير القباب ذات الطابع الأثري هناك في المحافظات الجنوبية التي تزيد أعمارها عن 800 سنة إضافة للمساجد التاريخية وقبور علماء بارزين ومقابر لها قيمة تاريخية وكلما لم تستطع القاعدة الوصول إليه وخاصة في المحافظات الشمالية قام الطيران السعودي باستهدافه نيابة عنها، ليتم التدمير بالمتفجرات أو بصواريخ الغارات الجوية التي طالت عرش بلقيس وجرْف أسعد الكامل وكوكبان وصنعاء القديمة المأهولة بالسكان، وغيرها من المعالم..
• برأيكم ما دلالة استهداف العدوان للمآثر التاريخية..؟
– استهداف تاريخ اليمن ومعالمه الدالة على حضارة اليمنيين، انعكاس لعقد النقص في المعتدي، فالبعد الحضاري والإنساني والتاريخي هو ما ينقص المعتدي الذي يتمنى أن يكون لديه العمق الحضاري الذي تملكه اليمن.. وهذه النظرة لدى العدوان السعودي قاصرة، وتنم عن عقليات صغيرة، لا تؤمن بقيم انتمائها للمنطقة والإنسانية.. فالمعالم الأثرية أياً كانت معابد كنائس، مساجد، أضرحة، تماثيل، هي جزء من إرث المنطقة العربية والموروث الإنساني..
الدلالة الثانية أن الفكر الذي دمر تراث الإنسانية في مدن العراق وأهمها بابل، وفي مدن الشام، وفي ليبيا، هو نفسه الذي طال مآثر اليمن وتاريخها الحضاري.. وهو فكر واحد، ناتج عن تعبئة ثقافية بُنيت كتراكم لعقود من المد الوهابي، الذي لا يرى إلا من زاوية الجهل، بمقتضيات عصرنا الحاضر القائم على العلم واحترام العقل الإنساني.. فما حصل في فتح مكة من تدمير التماثيل وآثار وأوثان الشرك، كان ضرورة تقتضيها مرحلة العصبية والشرك والاعتقاد السائد أن الوثن إله، وهو نابع من الجهل المطبق.. أما اليوم فنحن في عصر العلم والعقل، وصار الماضي بتاريخه وآثاره جزءاً من موروث الإنسانية فقط، يجب احترامه كموروث دال على حضارة الإنسان في أي مكان، فديننا الإسلامي بعد انتصاره على الجاهلية الأولى، صار ينظر لهذه المعالم كعلامات وآيات تقود إلى الاعتبار، وحافظ عليها كجزء من التعايش الإنساني بين الشعوب والأديان..
الدلالة الثالثة وهي الأهم، تتمثل في أن هذه الحقائق تؤكد الخلفية المذهبية لهذه الحرب العدوانية المدمرة، وهنا تكمن الخطورة التي تضع النخب الثقافية والسياسية والاجتماعية وعموماً أمام مسؤولية تاريخية عظيمة وخاصة جيل الشباب الذي يهدد مستقبله هذا الانحراف الخطير بالنضال الوطني للشعب اليمني إلى هاوية سحيقة من الصراعات المذهبية العبثية بعيداً عن خطط التنمية والسير في ركاب العصر الحديث..
واجبات تقتضيها المرحلة
• أمام هذا الخطر سعادة اللواء.. ما الذي يجب علينا كيمنيين عُرَفَ تاريخنا بالتعايش كما ذكرت. ؟ وما هي دعوتكم.. ؟
– إن أهم المهام والواجبات التي يجب النهوض بها في تقديري هي التصدي للفتنة المذهبية التي بدأت تهيئ لها العقليات الوهابية المتعصبة والتي خضعت للتعبئة المذهبية عقوداً من الزمن- وللأسف الشديد- كان ذلك على حساب المعارف الأخرى، والثقافة العامة، والفكر الإنساني، وعلوم العصر الحديث.. ومواجهة هذا لا يكون بالرد، بالمثل والعصبية الهوجاء، وإنما بالتنوير والعلم والمعرفة..
ومن جهة أخرى يجب التنبّه لما قد يصدر من ردود فعل مماثلة، عن المتعصبين للمذهب، وفي حال حصلت تلك الردود فستؤجج وتهيئ بدورها للفتنة.. وتكون هذه الحرب المدمرة والظالمة، قد وصلت إلى هدفها الحقيقي، ويكون العدوان لحظتها قد حقق هدفه في للفتنة الطائفية بين اليمنيين.. إنها دعوة صادقة للتمسك بسلوك الإخاء والتسامح الذي ساد عبر القرون الماضية بين اليمنيين هو أهم عوامل كبح وإلجام الأصوات النشاز لدعاة الفتنة المتشنجين وهم قلة لا تمثل الشعب اليمني.
أخيــــراً
• أخيراً.. ما هي رسالتكم للداخل والخارج.. ؟
– رسالتي للجميع: إن مقاومة العدوان حق مشروع للشعوب في العالم كله، وأنا أقف على هذا المبدأ ليس لأني مع طرف هذا التيار ، أو ذاك الآخر فلست مع أحد. بل من منطلق إن هذا العدوان ظالم وغاشم على بلد حر مستقبل، وأن مقاومة هذا العدوان حق مشروع.. وتأييده جريمة، خصوصاً من قبل يمنيين، جريمة يجب أن يحاكمهم الدستور اليمني عليها.. حتى إذا هم يعتقدون أن هذا العدوان جاء ليعيدهم إلى السلطة، وأنهم أفضل نخبة، أو هم زهرة الدنيا. فأنا أقول لهم اليمن الذي تريدون حكمه دمره العدوان، الذي جلبتموه.
أنتم أيها المواطنون، أيها الشعب اليمني العظيم، أنتم تدافعون عن أرضكم التي ضحى لأجل سيادتها أجدادكم الأوائل، وأسلافكم، ولم يسمحوا لأحد من الغزاة أن يأخذها، فبقي أسمها إلى اليوم أرض اليمن، إن أردتم تكنوا أنتم الجيل الذي سيصونها فاصمدوا وضحوا ورابطوا، وإن أردتم أن تكونوا أنتم الجيل الذي سيضيعها. فباطنها خير لكم من ظاهرها.

mibrahim734777818@gmail.com

قد يعجبك ايضا