دعوة الإسلام إلى السلم بين المسلمين

الشيخ د. محمد بن محمد المهدي
الحمد لله والصلاة والسلام دائمين متلازمين على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن سار على هداه أما بعد: فهذه كلمة موجزة حول دعوة الإسلام إلى الصلح والسلام بين المسلمين وضرورة السعي للإصلاح بين الأمة ومنع قتل بعضها بعضاً بغير حق وعدم التدخل في الوضع الداخلي للمسلمين في أي بلد إلا بما ينفع ، وذكر واجب المسلمين في الحفاظ على الدين والنفس والمال والنسل والعقل وأن الشرائع كلها متفقة في الحفاظ عليها ومنع تحريم وتجريم هدم المنازل وأعظم من ذلك تحريم هدم المساجد بأي طريقة كانت وأن الواجب على الأمة أن تكون كالبنان أو كالبنيان كما ورد في الحديث ( في صحيح البخاري رحمه الله، عن أبي موسى ،رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” وشبك بين أصابعه).
وقد قال :الله تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) وقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، وأن قتل المسلمين وظلمهم محرم من أي دولة أو حزب وتحريم التعاون مع المعتدين أو الظالمين ضد أي شعب مسلم في مشارق الأرض ومغاربها.
وأن أهل اليمن أهل الإيمان والحكمة لا عهد لهم بهذه المذاهب الغربية على اليمن فقد عاشوا مئات السنين مع الخلاف المذهبي بين الزيود والشوافع ولم يهدم بعضهم مساجد بعض ولم يعمل كل منهم على إلغاء الآخر وإنما كانت حوارات علمية.
لا بديل للصلح والسلم إلا الصراع والمواجهة بالباطل والحال أن العنف ليس بجديد فهو قديم قدم الإنسان، والعالم ، ولكل يعرف قصة قابيل الذي قتل أخاه هابيل والحوار الذي دار بينهما) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) فظاهرة العنف قديمة جداً ويجب أن تكون قد عولجت نظراً لأهوالها ومخاطرها وتداعياتها.
إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي عني عناية فائقة بالدعوة إلى السلام وجعلها دعامته الأولى.. وقد تناول القرآن الكريم “السلم والسلام” في عشرات من آياته المحكمات، ليس ذلك فحسب، بل إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ) وجعله تحيته إلى عباده، وأمرهم بأن يجعلوا السلام تحيتهم يلقيها بعضهم على بعض وشعارهم في جميع مجالات الحياة في المسجد والمعهد والمصنع والمتجر.
وسمى الجنة دار السلام:” وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ “،”لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ “:” دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ “. وجهله سبحانه وتعالى جزاء على رضوانه :” يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ “. والآيات التي تناولت السلام كثيرة مثل قوله تعالى:” سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ” ،” سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ… سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ… سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ … سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ… وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ …”، إلى قوله عز من قائل :” سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ “، ” وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ “، إلى أن يقول:” فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ “. فالصلح والسلم هما الأصل والمواجهات طارئة عندما يحارب المسلم من الكافر للقضاء على دينه وبلده وعرضه وغيرها من الصور.
حفظ الشريعة للضروريات الخمس
قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى :”فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، هي :الدين ، والنفس ، والنسل ، والمال ، والعقل”.
1 – حفظ الدين:
وقد عنيت الشريعة بحفظ الدين بطريقتين:
الأولى: الأوامر وذلك بالأمر بإقامة أركان الدين وواجباته وإظهار شعائره ، وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف ، وإقامة شعيرة الجهاد في سبيل الله تعالى بالمال والنفس ، والدعوة إلى الله تعالى باللسان والقلم لتحقيق نشر الدين وحمايته.
الثانية: النواهي : وذلك بالمنع من كل ما يتسبب في:
أ‌- نقص الدين في الأفراد والمجتمع، كالمنع من الشرك الأصغر بأنواعه، والتحذير من البدع وأنواعها.
ب‌- ذهاب الدين كله في الأفراد والمجتمع، كالمنع من الشرك الأكبر بأنواعه. والأمر بعبادة الله وحده وإقامة الفرائض وترك المحرمات.
2 – حفظ النفس:
وقد اهتمت الشريعة بحفظ النفس بطريقين:
الأولى: الأوامر: وذلك بالأمر بالمحافظة على النفس، ونكاح المرأة الولود، وابتغاء الولد، وغير ذلك.
الثاني: النواهي: وذلك بتحريم قتل النفس المعصومة أو الإضرار بها بأي وجه من الوجوه وقال تعال ” وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” وقال تعالى ” وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ”.
3 – حفظ النسل والعرض:
وقد حافظت الشريعة على النسل والعرض بطريقتين:
الأولى: الأوامر: وذلك بالحث على ما يحصل به استمرار النسل وبقاؤه وكثرته، كالأمر بالنكاح والترغيب فيه.
الثاني: النواهي: وذلك بتحريم الزنا، والمعاقبة عليه ، قال الله تعالى “وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ” الإسراء آية 32.
4 – حفظ العقل:
وكذلك حافظت الشريعة على العقل بطريقين:
الأول: الأوامر: بأن جعلت العقل مناط التكليف إذ به بميز الإنسان بين المصالح والمفاسد، فلا تكليف على غير العاقل، وأمر الله تعالى بالتفكير في .. ومخلوقاته، وأثنى على العقلاء، ونبه إلى أنهم هم الذين يستفيدون ويعتبرون بآيات الله تعالى.
الثاني: النواهي: حيث حرم الله تعالى كل ما يفسد العقل أو يخل به، ومفسدات العقل نوعان:
أ‌- حسية: كالخمور والمخدرات/ إذ هي مفتاح كل شر وإفساد للعقول.
قال تعالى في بيان أضرار الخمر الوخيمة :” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ” المائدة آية 91
ب‌- معنوية: وهي التصورات الفاسدة التي تطرأ على العقول بسبب أن يوقع خوضها فيها لا تدركه مما استأثر الله بعلمه ولا مصلحه للناس في التفكير فيه، كالخوض الباطل في مسائل القدر.
5 – حفظ المال:
المراد بالمال: كل ما يتموله الإنسان من متاع أو نقد أو نحوهما.
قال الله تعالى:” وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ” النساء آية 5
وقد عنيت الشريعة بحفظ المال بطريقتين:
الأولى/ الأوامر: وذلك بالحث على الكسب وإنفاق المال في وجوهه الشرعية، والمحافظة عليه، وشرعية الدفاع عنه ضد كل معتد.
الثانية: النواهي: وذلك بتحريم الاعتداء على المال بالغصب والسرقة وأكله بالباطل وتحريم الربا والنهب، والرشوة، وغيرها، وتحريم إضاعته وإتلافه في الوجوه غير المفيدة وبمعاقبة سارقه والمعتدي عليه.
أهمية الصلح في الشريعة الإسلامية
إن الصلح من أهم الوسائل الشرعية في الفقه الإسلامي فهو يحتل مكان الصدارة ، ويعود ذلك إلى النتيجة التي يتمخض عنها ، فالغرض من الصلح هو التوفيق بين الناس وإزالة ما بينهم من خصام وحقد بالإضافة إلى كونه يعيد الحقوق إلى أصحابه برضا الطرفين فيحل بين الناس الحب والود ويسود الأمن والاطمئنان، وتنتهي أسباب الظلم ولانتقام، فالصلح إذا ليس رابطة قانونية فقط إنما مقاصده روابط اجتماعية أساسية ودية متينة، لأنه ليس من مقاصد الشرع بقاء الحقوق دون حسم، وبقاء روح المخاصمة والانتقام في النفوس، وهذا ما نبه إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رد الخصوم إلى المصالحة لأنه يعلم أن حكم القضاء وإن فصل بين المتخاصمين مادياً إلا أنه يورث بينهم الضغينة ويزرع في نفوسهم الكراهية وحب الانتقام.
ولذا كان من القواعد الشرعية في الفقه الإسلامي “جلب المصلحة ودرء المفسدة”، فمن جلب المصلحة ” تشريع المصالحة” ومن درء المفسدة “إنهاء الخصومة” ويتضح هذا المقصد – في الاستثناء البين – من القاعدة الأساسية للحق في الفقه الإسلامي، إذ القاعدة أن كل صاحب حق له أن يأخذ حقه كاملاً غير منقوص في الصفة والمقدار، والاستثناء أن يرخص له الشارع بإسقاط الحق كله أو جزئه واستيفاء الباقي لمعنى “إزالة المشقة في تحقيق مالا سبيل إلى تحقيقه” من إقرار الحقوق لانعدام بينة أو جهل بمقدار، ومبني على قاعدة “المشقة تجلب التيسير” التي هي ضرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة.
وإذا كان الشارع الحكيم في مقاصده الشرعية قد حافظ على الضروريات، فإن الصلح ألصق بالمال والمحافظة عليه، فتضييع المال مفسدة وحفظه على ممتلكيه مصلحة فردية وجماعية.
ولأهمية الصلح نجد أن الشريعة الإسلامية وضعت له أحكاماً خاصة ومنها:
جواز الكذب من أجل الصلح:
فقد رخصت الشريعة الإسلامية في الكذب من أجل الصلح، وذلك لأن الساعي في الصلح يسعى في الخير والإصلاح لا في الشر والفساد، وكما ورد في صحيح البخاري – حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح ، عن أبي شهاب أن حميد بن عبدالرحمن، أخبره أن أمه أم كلثوم بنت عقبة، أخبرته: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيرا”.
تفجير المساجد والأسواق والمصالح العامة
لا يخفى على ذوي البصائر والإيمان ما يقوم به المجرمون والمارقون من أعمال إجرامية، وأفعال لا دينية ولا خلقية ، من ترويع للآمنين، وقتل للمؤمنين وللمعاهدين والمستأمنين ، ومن ترصد للعساكر ورجال الأمن.
فإن ما حدث في الآونة الأخيرة من تفجير للمساجد في مدينة صنعاء والقطيف والدمام والكويت وما يجري في البلدان الإسلامية كلها والتي تعاني من الفوضى أثار تساؤلات لدى عامة المسلمين عن حكم هذا العمل شرعاً وإبراء للذمة أمام الله تعالى أقول باختصار شديد:
هذا عمل ليس من الإسلام في شيء بل جرم عظيم ومنكر جسيم وفتح لباب الفتنة الكبرى بتفجير المساجد على أهلها مع ما فيه من الظلم والفساد والغدر وقتل المصلين وعابري السبيل وقتل من لا يجوز قتلهم كالنساء والأطفال فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عن قتل النساء والصبيان. كما في الصحيحين من حديث أبن عمر – رضي الله عنهما.
قال الإمام النووي – رحمه الله “أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والأطفال إذا لم يقاتلوا” (شرح صحيح مسلم) (12/73)
وليس مبرراً لتفجير “المساجد” ما يفعله بعض المتعصبين من فرق وجماعات أخرى من استهداف للمساجد فهو عمل غير مقبول عند ذوي البصيرة والعقول الرشيدة، ولا فرق في تحريم هدم المنازل وأشد منها هدم المساجد بجميع أنواع الأسلحة المتفجرة.. فليحذر المسلمون من ذلك.

قد يعجبك ايضا