ضحايا الحريق بين آلام الجلود المتفحمة والفقر والعلاج المفقود‮!!‬

 -  بشر تفحموا وخدشت وجوههم وتقرحت أجسادهم بسبب حوادث الحريق التي‮ ‬تحدث في‮ ‬وطننا‮.. ‬القليل‮ ‬ينجو من موت محقق ليكتب الله لهم الحياة لكن تظل في‮ ‬أنفسهم أوجاع الألم ومرارة الحسر
تحقيق/وائل شرحه –
بشر تفحموا وخدشت وجوههم وتقرحت أجسادهم بسبب حوادث الحريق التي‮ ‬تحدث في‮ ‬وطننا‮.. ‬القليل‮ ‬ينجو من موت محقق ليكتب الله لهم الحياة لكن تظل في‮ ‬أنفسهم أوجاع الألم ومرارة الحسرة بما حدث لهم نتيجة التشوهات بالإضافة إلى وقوعهم بين‮ ‬غياب العلاج ومعركة الفقر‮ ‬وبخاصة أن الفقراء‮ ‬يحتلون مركز الصدارة من الضحايا‮.. ‬التذمر والاستياء من عدم وجود مستشفيات ومراكز حكومية متخصصة تعالجهم وتصلح التشوهات التي‮ ‬خلفها الحريق على أجسادهم التي‮ ‬يتمنون أن‮ ‬يعود ولو جزء من تلك الصورة التي‮ ‬رسمها الخالق وعجز الأطباء عن إعادة رسمها‮..‬
‮ ‬في‮ ‬هذا التحقيق نستعرض معاناة المصابين ودور المركز الوحيد للتجميل والحروق بالمستشفى الجمهوري‮ ‬وأسباب ضعف الخدمات العلاجية التي‮ ‬يقدمها‮ ‬ومدى الاهمال لمرضى الحروق‮.. ‬وحجم الكارثة التي‮ ‬ابتلوا بها‮ ‬وسنناقش في‮ ‬هذا التحقيق أيضا الإمكانيات البسيطة لدى مركز الحروق وهل‮ ‬24‮ ‬سريراٍ‮ ‬كافية لمن‮ ‬يصابون بالحريق من إجمالي‮ ‬عدد السكان وهل هذا العدد مناسب مع التقديرات العالمية بالإضافة إلى الفرق بين نسبة الوفيات الناجمة عن الحروق بين اليمن والعالم‮.. ‬كل ذلك وأكثر في‮ ‬السطور التالي‮:‬

كانت بداية تجوالنا في‮ ‬أروقة وغرف مركز الحروق مع والد الشاب عبدالمجيد عبدالله صالح ـ‮ ‬10‮ ‬سنوات والذي‮ ‬كان‮ ‬يبدو على وجهه عناء السفر قادما من مديرية ريدة بمحافظة عمران‮ ‬ليخبرنا والده إن أصابته كانت بسبب الضغط العالي‮ ‬حيث قال‮: ‬قبل عامين صعد عبدالمجيد إلى سطح المنزل لينظر من أعلى البيت كل المنازل والمزارع في‮ ‬القرية‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬يعلم أن تلك الثلاثة الخطوط من الضغط العالي‮ ‬الممتدة فوق سطح البيت ستجعله‮ ‬يتحمل ألم المرض وسيضيف له أعباء إلى جانب ما‮ ‬يعانيه مع الفقر والبحث عن متطلبات الحياة وعن قيمة الادوية‮ .‬
مضيفاٍ‮ : ‬في‮ ‬ذلك اليوم أصيب عبدالمجيد بصاعق كهرباء من ذلك الضغط العالي‮ ‬نتج عنه انشقاق في‮ ‬رأسه‮ ‬لتدوي‮ ‬صرخات أسرته بأرجاء القرية‮ ‬لم نجد من‮ ‬يقدم الاسعافات الأولية لابننا بأي‮ ‬مركز صحي‮ ‬أو مستشفى لإصابته البليغة بذلك الحادث‮.. ‬يقول‮: ‬تم نقل عبدالمجيد إلى مركز التجميل والحروق بالمستشفى الجمهوري‮ ‬بصنعاء‮ ‬ليكتشف بأنه‮ ‬يحتاج لجهاز توزيع الأنسجة وزيارة المركز كل ثلاثة أيام لمتابعة الطبيب المعالج والتزود بالأدوية‮.‬
حالة أخرى التقيناها ترقد منذ أكثر من شهر هو الأخ علي‮ ‬عبدالله الحكيمي‮ ‬من ضحايا سقوط الطائرة سوخواي‮ ‬التي‮ ‬سقطت بمنطقة الدائري‮ ‬الشهر الماضي‮ ‬لنجد أن إصابته بليغة جعلته‮ ‬يعاني‮ ‬من الحياة بذاتها ويعاني‮ ‬من إصابات في‮ ‬يده اليمنى ورجله اليسرى وجروح خطيرة وكبيرة في‮ ‬مناطق مختلفة من جسمه‮.‬
لنتوجه بعد ذلك إلى‮ ‬غرفة أخرى لنجد الشاب عصام خير الدين‮ ‬يبلغ‮ ‬من العمر‮ ‬11عاماٍ‮ ‬مطوياٍ‮ ‬كل جسمه بالشاش الأبيض وغير قادر عن الكلام‮ ‬لتقول لنا أمه أن ما حصل له في‮ ‬الساعة الثانية بعد منتصف الليل في‮ ‬الليلة الخامسة من الشهر الجاري‮ (‬مارس‮) ‬عندما كان‮ ‬ينام بأمان في‮ ‬الغرفة التابعة لوالده‮ ‬بينما كان الأب‮ ‬يحمل بين‮ ‬يديه دبة البنزين‮ “‬البترول‮” ‬ولمبة كهرباء‮ ‬ليحكم عليه القدر بالسقوط لتنكسر لمبة الكهرباء وليصل الـ»شرت‮« ‬إلى دبة البترول ليؤدي‮ ‬إلى حريق تلك الغرفة‮ ‬مما نتج عنه انتهاء كل ما كان في‮ ‬الطابق السفلي‮ ‬من الغرفة‮ ‬واصابة عصام بجروح بليغة كادت تودي‮ ‬بحياته وأسرع الجيران بإخماد الحريق‮.‬
هذه الحالات التي‮ ‬استعرضناها هي‮ ‬نماذج بسيطة من عدد كبير من الحالات التي‮ ‬ترقد في‮ ‬المركز وأغلبها تعرضت للحريق في‮ ‬المنازل فهناك أسباب عديدة ومآس مؤلمة ليس هنا فقط بل في‮ ‬أماكن عديدة‮ ‬لكن دعونا نعرف عن أكثر الاسباب من خلال الحالات التي‮ ‬تصل إلى مركز التجميل والحروق بالمستشفى الجمهوري‮.‬
‮(‬الغاز في‮ ‬المركز الأول‮)‬
يوضح لنا في‮ ‬هذا الجانب نائب مدير المركز الدكتور محمد عبدالحميد الشرجبي‮ ‬بأن هناك حالات كثيرة تصل إلى المركز من محافظات مختلفة وبأسباب متعددة‮ ‬يأتي‮ ‬الغاز في‮ ‬المركز الأول والذي‮ ‬يصل نسبته ما بين‮ ‬60‮ ‬إلى‮ ‬70٪‮ ‬من الحالات المتواردة إلى المركز وأكثرها من الأطفال والنساء‮ ‬بينما‮ ‬يحتل البترول في‮ ‬الدرجة الثانية بنسبة‮ ‬20٪‮ ‬وعلى وجه الخصوص في‮ ‬العام الماضي‮ ‬2012م وذلك نتيجة للتخزين السيء لهذه المادة بينما‮ ‬يحتل الماس والصاعق الكهرباء المرتبة الاخيرة وبنسبة‮ ‬10٪‮ ‬وذلك ناتج عن التوصيل العشوائي‮ ‬الذي‮ ‬يقوم به بعض المواطنين الذين‮ ‬يخالفون بتلك العشوائية العمل الفني‮ ‬للمهندسين المختصين بشبكات الكهرباء بالإضافة إلى مرور خطوط الضغط العالي‮ ‬من فوق وبجوار المنازل‮.‬
انعدام الامكانيات الحديثة
وشكا الدكتور الشرجبي‮ ‬من انعدام الإمكانيات الفنية الحديثة اللازمة لعلاج حالات الحروق بسبب عدم توفر الميزانية الكافية لتوفير تلك الاحتياجات‮ ‬بالإضافة إلى انعدام العلاج الطبيعي‮ ‬الفعال الذي‮ ‬يعتبر وجودة‮ ‬يساعد المريض على الحركة الفعالة والشفاء السريع‮.‬
مؤكداٍ‮ ‬أن المركز لا‮ ‬يملك سوى‮ ‬24‮ ‬سريراٍ‮ ‬لخمسة وعشرين مليون مواطن باعتباره المركز الحكومي‮ ‬الوحيد المتخصص بتجميل الحروق‮ ‬وبذلك لا تكفي‮ ‬الامكانيات مقارنة بالحالات التي‮ ‬تصل إلى أكثر من‮ ‬30‮ ‬حالة‮ ‬يوميا وكثر من900حالة شهرياٍ‮.‬
24‮ ‬سريراٍ
من جانبه أكد مدير المركز الدكتور صالح مسعد الحيظاني‮ ‬والاخصئي‮ ‬في‮ ‬علاج الحروق والتجميل أن المركز لا‮ ‬يمتلك سوى‮ ‬24سريراٍ‮ ‬عادية و4‮ ‬عناية مركزية‮ ‬وهذه لا تكفي‮ ‬ليس مقارنة بالحالات التي‮ ‬تصل إلينا فقط بل بالعالم الذي‮ ‬يعتمد لكل ثلاثة ملايين مواطن مستشفى ولكل مليون مركز‮ ‬ولو اردنا أن نوفر ذلك نحن في‮ ‬اليمن مقارنة بالعالم نحتاج إلى توفير‮ ‬7‮ ‬مستشفيات و21مركز حريق‮ ‬لكننا لا نقارن اليمن بالعالم لظروفه الاقتصادية وإنما نريد توسعة هذا المركز بالإضافة إلى إنشاء مراكز أخرى في‮ ‬المحافظات الرئيسية كعدن وتعز وحضرموت والحديدة‮.‬
مشيراٍ‮ ‬إلى ارتفاع نسبة الوفيات باليمن مابين‮ ‬17ـ‮ ‬20٪‮ ‬مقارنة بنسبة الوفيات عالمياٍ‮ ‬والتي‮ ‬تتراوح مابين‮ ‬17‮ ‬ـ‮ ‬18٪‮ ‬بالإضافة إلى أن مريض الحروق عالمياٍ‮ ‬يحتاج ما بين‮ ‬400ـ‮ ‬500‮ ‬دولار‮ ‬يومياٍ‮ ‬للتغذية والعلاج والجراحة وكذلك مقابل الرقود بينما في‮ ‬اليمن تصرف للمصاب بالحريق‮ ‬200ريال‮ ‬يمني‮ ‬وذلك مقابل مغذية بينما الأدوية الأخرى‮ ‬يتحملها المريض والبعض منها صندوق المعاقين الذي‮ ‬لازال دعمه السبب في‮ ‬بقاء المركز مفتوحاٍ‮ ‬لما‮ ‬يواجه من صعوبات في‮ ‬استقبال الحالات وعلاجها نتيجة عدم توفر الامكانيات التي‮ ‬يكون أبرزها الأدوية العلاجية وعدم سعة المركز لكل الحالات الواردة إلينا من كل محافظات الجمهورية‮ ‬وكذلك العلاج الطبيعي‮ ‬والكثير من الإمكانيات التي‮ ‬نسمع عن توفرها في‮ ‬المناقصات والميزانيات التي‮ ‬تتراوح ما بين‮ ‬3ـ‮ ‬6‮ ‬ملايين ولم نرها إلى حد اليوم‮.. ‬بالإضافة إلى عدم وجود ميزانية مستقلة للمركز رغم كل ما‮ ‬يقدمه من خدمات وعمليات تصل‮ ‬500‮ ‬و600‮ ‬عملية سنوياٍ‮ ‬للمحروقين‮.‬
ويتساءل الدكتور الحيظاني‮ ‬عن سبب عدم تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية الأخ عبدربه منصور هادي‮ ‬الذي‮ ‬وجهها عندما افتتح المركز في‮ ‬28‮/‬9‮/‬2005م وهو في‮ ‬منصب نائب رئيس الجمهورية‮ ‬باعتماد ريال إلى خمسة ريالات من قيمة كل دبة‮ ‬غاز البالغ‮ ‬سعرها في‮ ‬ذلك الوقت بـ700‮ ‬ريال‮ ‬لصالح المركز ولم تعتمد من ذلك التاريخ حتى الآن‮.. ‬مؤكداٍ‮ ‬بأن اعتمادها سيحل الكثير من المشاكل التي‮ ‬تواجه المركز‮.‬
وطالب مدير مركز الحروق وزير المالية الأخ صخر الوجيه باعتماد ميزانية مستقلة وكافية للمركز أسوة بمركز الأورام بالمستشفى والذي‮ ‬يعتمد لكل مريض‮ ‬2000‮ ‬دولار لمجرد فتح ملف للمريض وإنما النظر إلى إحصائيات المركز والحالات التي‮ ‬يستقبلها ويقوم بعلاجها‮.. ‬منوهاٍ‮ ‬بعدم مساواتهم بمركز الأورام بل باعتماد ميزانية كافية ليستطيعوا من خلالها اعتماد‮ ‬500‮ ‬دولار لكل حالة حريق وكذلك من أجل مواكبة العالم وتقديم خدمة أفضل للمجتمع‮.‬
أخيرا
أخيرا‮ »‬قضايا وناس‮« ‬تطلق صرخة استغاثة لكل الخيرين والتجار ورجال الأعمال والجمعيات الخيرية تقديم‮ ‬يد العون والمساعدة لمرضى حوادث الحريق حيث أن‮ ‬غالبية هؤلاء هم من فئة الفقراء ومتوسطي‮ ‬الدخل ولأن مرضهم‮ ‬يحتاج إلى وقت أطول للشفاء‮.. ‬لقد حملنا هؤلاء المرضى أمانة‮ ‬يطلبون فيها إيصال صوتهم وحالاتهم المرضية وظروفهم المعيشية الصعبة إلى أهل الخير والحكومة لعلهم‮ ‬يجدون من‮ ‬يصغي‮ ‬ويسمع عن وضعهم وندائهم ليلتفتوا إليهم بعين الشفقة والرحمة وزيارتهم في‮ ‬غرف مركز الحريق ليعيشوا ولو للحظات بسيطة معاناتهم مع المرض‮.‬
تصوير/ناجي السماوي

قد يعجبك ايضا