العدوان على اليمن .. الأبعاد والتداعيات (7)

عبدالله عبدالرحمن الكبسي
ولكن فيمَ العجب وما عسانا أن نستبقي منه لقابل ربما كان أشد بشاعة وإيلاماً، وهذا هو لاكو العصر، وآخر خدام البيت الأسود الأمريكي من أولاد – صاحب تنومة – يقتل الآلاف المؤلفة من أبناء شهداء – تنومة – وأحفادهم ويحاول جاهداً إفناءهم بشتى وسائل الإماتة والإفناء، من الجو والبر والبحر، وبحجة (مساعدتهم، أي والله مساعدتهم وتحريرهم من أنفسهم) وانتصاراً في أهون دعاوى الإفلاس القيمي الوهابي وتخريفاته الزهيمرية المضحكة على عظم البلية فيها، لشرعية مستأجرة رخيصة، لا تصح لها نسبة إلى مزعومها، إلا كما تصح نسبة الخونة المتاجرين بكرامة الأوطان وسيادتها، إلى (شرف القصد وبطولة المأتي) أو كما تصح نسبة خدمة الأماكن المقدسة إلى الصادين عنها وقتلة مرتاديها من حجاج بيت الله الحرام، أتباع قرن الشيطان حلفاء الصهاينة وأذناب الأمريكان.
على أن الجدير بالإضافة هنا هو أن تلكم الجريمة الوحشية بدلالاتها المحورية من فكر القتلة وملحوظهم الخوارجي الممتد في قلب الحاضر المعاش بكل ظواهره الشيطانية وتجلياته المأساوية المستحرة بعمق وضراوة على مساحة عالمنا – العربي والإسلامي – لم تكن في – الصحيح – سوى بداية دراماتيكية لفصل ساخن ومثير من اضطراب العلاقة وتوترها بين المملكة السعودية والمتوكلية اليمنية، وعلى النحو الذي أفضى إلى الصدام المسلح بالجيوش وخضوع الأقاليم اليمنية – عسير ونجران وجيزان – للإدارة السعودية كما هو معروف.
وإذ يمكن القول الآن: بأن –عبدالعزيز- بعد تربعه على عرش المملكة الحديثة, وانتصاره على الإمام يحيى بن محمد حميد الدين رحمه الله, وإلجائه إلى توقيع – معاهدة الطائف – قد اكتفى من اليمن بمراقبة الأوضاع فيها عن كثب وإقامة العلائق الشخصية مع بعض الوجاهات اليمنية – السياسية والعشائرية – وبخاصة في المناطق المتاخمة سهلها وجبلها على سواء.
ومع ما يمكن ملاحظة هنا بصفة خاصة من كون – عبدالعزيز – آل سعود وقد أصبح ملكاً على مملكة واسعة ومترامية الأطراف, فقد بات من المحتم عليه أن يلغي من ذهنه فكرة التوسع العسكري, وأن يحد من سطوة الوهابية العسكرية ونزوعها المستحر إلى متابعة الغزو الديني المسلح على قاعدتها في (محاربة الشرك ونشر عقيدة التوحيد الوهابية ) بزعمها والتفرغ من ثم لبناء الدولة وتوطيد سلطانه في ربوعها, وهذا ما يفسر اتسام علاقة البلدين آنذاك بقدر ملحوظ من الهدوء والاحترام المتبادل وهذا من جهة.
ومن أخرى فلعل – عبدالعزيز آل سعود – قد أدرك بذكائه الأكيد واختباره بطبيعة اليمن وأحوال اليمنيين استحالة تقبلهم للأفكار الوهابية المتطرفة, كما استحالة البناء على انتصارهم في السهل التهامي الذي شابه الكثير من الملابسات المؤسفة ولاسيما إذا ما عرفنا بأن الأمير – أحمد بن يحيى حميد الدين – المعروف بجسارته وحنكته العسكرية كان يقود كتائبه المظفرة في أعماق نجران في الوقت الذي كانت الجحافل الوهابية المزودة بأحدث الأسلحة والعتاد البريطاني تواصل زحفها إلى –الحديدة –بقيادة الأمير فيصل بن عبدالعزيز – دون مقاومة تذكر وكان الأمير –أحمد بن يحيى – حقيقا بأن يعادل الانتصار السعودي بمثله إن لم نقل : يحسم المعارك لصالحه, لو أمهله والده –الإمام – بعض الوقت آنذاك .
على أن المهم في الأمر الآن هو أن العلاقة الرسمية بين البلدين والشخصية بين الملكين قد أخذت منحى مختلفا عن ذي قبل هو إلى التفاهم والحرص من الطرفين على استقرارها وتجنب ما من شأنه أن يعيدها إلى أجواء – الحذر والتربص أقرب منه إلى أن يكون شيئاً آخر .
وهكذا مضت واستمرت بقية (مدة حكم الإمام يحيى وطيلة عهد ابنه الإمام أحمد) رحمه الله .
بيد أنه لم يكد يمضي أسبوع واحد على وفاة الإمام أحمد حتى حدث المتغير الأهم والأكبر في تاريخ العلاقة اليمنية السعودية وعلى النحو الذي أيقظ الهواجس المستنيمة في زحمة التطلعات والمشاغل التي لا تنتهي هنا وهناك .
فذلك حيث اندلعت في صنعاء ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م التي قضت على الحكم الأمامي الملكي – في اليمن وأعلنت النظام الجمهوري بديلا عنه, ملقية للتو بأبعادها التحولية المستولدة من طبيعتها كما من الظروف والمؤثرات الإقليمية المصاحبة لبداياتها الصعبة في مجرى العلاقات اليمنية السعودية التي بلغت المنتهى من التعقيد والتناقض مع ظهور – البدر محمد بن أحمد بن يحيى – آخر ملوك آل حميد الدين في المناطق الشمالية المتاخمة للحدود السعودية ودعوته القبائل اليمنية إلى مناصرته ضد الثورة في صنعاء وضد ما أسماه الغزو المصري لليمن .
وغني عن القول: أن صنعاء ومنذ الأيام الأولى للثورة وإعلان – الجمهورية – كانت قد استقبلت الطلائع الأولى للقوات المصرية التي هرعت لدعم الثورة ونظامها الجمهوري في الوقت الذي كانت – المملكة السعودية – وبدعم وتأييد من بعض القوى الدولية والإقليمية المشاكلة – قد تبنت دعم وتجهيز القبائل المناهضة للثورة بالمال والسلاح والعتاد .
وهكذا أصبحت الساحة اليمنية مهيأة للدخول في أتون حرب طاحنة استمرت نحواً من – خمس سنين – دُمرت خلالها الكثير من المقدرات المادية كما أزهقت فيها الكثير من النفوس من الجانبين، وكما هو معروف فقد كان حظ الإخوة المصريين ونصيبهم من ذلك الحصار المرعب وافراً وكبيراً جداً مع الأسف الشديد.
على أن الجدير بالذكر هنا، والأحرى بالتأمل والملاحظة في هذا السياق: هو أن الحرب قد توقفت في نهاية المطاف وبمقتضى حكيم من اتفاقية الخرطوم بين الزعيمين الراحلين – جمال عبدالناصر وفيصل بن العزيز – وهي المعاهدة التي وقع الاتفاق فيها بينهما على أن تسحب مصر قواتها من اليمن في مقابل أن توقف السعودية دعمها كليا للجانب الملكي ويترك الخيار لليمنيين من ثم لكي يقرروا مصيرهم بأنفسهم ويختاروا النظام الذي يريدون دون وصاية عليهم، أو إملاء من أحد وهنا حضرت – الحكمة اليمانية – المأثورة لتنجز الختام الأجمل والأبهى لمأساة الإحتراب والتطاحن مجسداً في -المصالحة الوطنية- التي يُعتقد بأن – البدر محمد بن أحمد – رحمه الله، قد أسهم فيها بدور مهم إن لم نقل: بأنه أول من وضع لبناتها واختط الطريق إليها عندما نفض يده من الأمر كله عقب انسحاب القوات المصرية من اليمن قائلاً عن نفسه كما نقل عن البعض من خاصة مرافقيه آنذاك: (الآن لا حاجة لنا إلى الاقتتال، وعلى الشعب اليوم أن يقرر مصيره بنفسه، ويختار من يريده لحكمه) ويقال أيضا: بأنه قد وافى الرئيس السابق علي عبدالله صالح ببعض الوثائق المفيدة غداة تفاوضه مع السعوديين بشأن مسألة ترسيم الحدود (13).
وأيا كان الأمر من حقيقة ما قد قيل، أو سيقال بهذا الشأن وغيره- فإن الأخص بالذكر مما نحن بصدد الحديث عنه هو: أن معسكر الثورة قد انتصر في نهاية المطاف، وانضوى الجميع في إطار – الجمهورية العربية اليمنية- هذا الاسم الجميل والعنوان الضخم الرنان الذي اختزل في نطاقه كل هو أجس آل سعود واستثار حساسيتهم المزمنة تجاهه ما حدى بهم إلى تغيير استراتيجيتهم تجاه اليمن بالكلية والانتقال بالعلاقة من حالة العداء الصريح والصراع المباشر- إلى ما يمكن اعتباره نوعا من التعاون المشروط ضمناً أو صراحة بإعطاء النظام السعودي صفة- الشريك السياسي الممتاز – بكلما تعنيه أو بالأحرى تتضمنه هذه المفردة الجذابة من الحقوق العرفية المفروضة وفق ملحوظها المدلس العجيب.
وإذا كان من الحق الذي ينبغي الاعتراف به أن نشير في هذا الصدد: إلى أن اليمن التي خرجت من الحرب في غاية الإنهاك آنذاك قد تلقت بعضا من المساعدات النقدية والعينية كالمواد الغذائية والبترولية إلى بعض المشاريع الإنشائية البسيطة كما حصل المغتربون اليمنيون بدورهم على قدر مهم من الامتيازات النوعية التي سهلت لهم فرص العمل في نواحي المملكة وكان لها الأثر الطيب في إنعاش الحالة الاقتصادية في البلاد، ورفد الخزينة العامة بالسيولة المناسبة من العملة الصعبة ولاسيما على عهد الملكين الراحلين فيصل وخالد – يرحمهما الله نقول: إذا كان ذلك كذلك، فإن من الحق ذاته أن نشير إلى أن ذلك الفصل الجديد من العلاقات الثنائية السلمية، وما تخلله من المساعدات السعودية لليمن، قد أسس لبداية مختلفة من النفوذ السعودي الذي عزز تلفته نحو دائرة الاستقطاب الشخصي – السياسي والعشائري- وتوثيق العلاقة بأقطابه، مشاركا بذلك ومن ملحوظه – الخاص – الآخرين من أرباب التيارات السياسية ذات الصبغة الفلسفية من قومية واشتراكية – الباحثين بدورهم عن النفوذ والساعين إلى التأثير في الساحة من خارجها ما أدى في المحصلة إلى نشوء أوضاع سياسية صعبة تعددت فيها مراكز القوى من مختلف الألوان والمشارب العسكرية، والقبلية، والحزبية وتجاذبت فيما بينها أسباب القوة وعوامل التأثير والسيطرة متسببه في تصعيد عنصر الإثارة والتوتر مع القيادة السياسية المدنية بطبيعتها العلمائية المسالمة ورؤيتها التي تكره العنف والفوضى ما اضطرها في نهاية المطاف إلى تقديم استقالتها لتتداعى الأمور بعدها سريعا وعلى النحو الذي أفضى إلى تسلم القوات المسلحة زمام الأمور في البلاد، وقيام حركة – الثالث عشر من يونيو التصحيحية عام 1974م- بزعامة العقيد (إبراهيم محمد الحمدي) كما هو معلوم للكثير من المعاصرين.
13 – نتمنى على الأخ علي عبدالله صالح، أن يفصح لنا بحقيقة هذه المسألة، إن صحت الرواية بشأنها فعله أن يكفر بذلك عن خطئه، بل خطيئته في عدم السماح بدفن جثمان البدر محمد – رحمه الله – في صنعاء حسب وصيته، وفي المقابل لا يسعنا إلا أن نعرب للجنة الثورية العليا ومن باب أولى للأخ القائد السيد عبدالملك الحوثي، حفظه الله ورعاه، عن إعجابنا الشديد للموقف الإنساني النبيل في السماح باستقبال جثمان الدكتور عبدالكريم الارياني أياً يكن المأخذ عليه، مؤكدين هنا بأنه ليس من حق أي كان أن يمنع يمنيا من هذا الحق الطبيعي، كما أنه ليس من حق أي أحدٍ أياً تكن صفته، وتحت أي مسمى أو ذريعة – أن يجرد يمنيا من يمنيته أياً تكن جنايته وجريرته، وبالمقابل قد تسعه بعض الإجراءات أو العقوبات القانونية لاقتضائه بالحق الذي عليه ليس إلا.

قد يعجبك ايضا