أسر يمنية تبيع مدخراتها الثمينة للوفاء باحتياجاتها المعيشية

*بسبب استمرار العدوان والحصار:

استطلاع/ أحمد الطيار
شيء واحد يكاد يكون عاما على الأسر اليمنية هذه الأيام في الريف والحضر ويتمثل في فقدان المدخرات يوما بعد آخر كحقيقة واقعية ملموسة من الكل فلم تعد الأسر تستطيع توفير كامل احتياجاتها من المال فتلجأ لبيع مدخراتها الثمينة كالذهب والسلاح والمجوهرات ،وهو امر يدعو للحزن على المستوى الوطني ويثير تساؤلات كثيرة عن المدة التي يمكن الصمود فيها قبل أن تنهار بقية الأسر وهذا ما يناقشه هذا الاستطلاع.

المشكلة
تكمن المشكلة في أن دخل الأسر اليمنية المتوفر حاليا وعلى رأسهم الموظفين لم يعد يكفي ويسد رمق المعيشة اليومية لهم فما بالك بالمنقطعين عن أعمالهم كموظفي القطاع الخاص الذين تم تسريحهم بسبب آثار الازمة والحرب والعدوان منذ اكثر من عام.
يقول الخبير الاقتصادي نبيل الطيري مدير عام الدراسات الاجتماعية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي إن الحرب خلفت آثار كارثية على موازنة الأسر اليمنية جعلتها تفقد حوالي 50% من دخلها نتيجة سببين الأول ارتفاع التضخم بنسبة تفوق 30% والثاني آثار الحصار والحرب فهذه جعلت الأسر تتحمل أعباء جديدة في حياتها كالنزوح والدمار الذي أصاب ممتلكات الناس ومنازلهم ومساكنهم مما جعل دخلهم ينخفض بنسبة 50% على الأقل مقارنة بما كان قبل الحرب.
في دراسته عن آثار الحرب والصراع في اليمن على الأسر يقول الطيري: إن تقديرات دخل الفرد في اليمن من الناتج الحقيقي كان في 2010م 532 دولاراً تراجع في 2011م إلى 450 دولاراً وفي 2012 و2013م إلى 445 دولاراً ثم انخفض إلى 390 دولاراً في 2014م وفي 2015م واصل التراجع إلى 239 دولاراُ أي انه فقد 327 دولاراً من نصيبه خلال عام 2015م عام الحرب والصراع والعدوان والتدخلات العدوانية الخارجية والتمزيق الذي يحصل لاقتصاد البلد والذي سبب فقدان الاعمال والإنتاج والقوة الاقتصادية وهذه اكبر خسارة للفرد اليمني لم يشهدها في تاريخه المعاصر.
الأسباب
العدوان الخارجي والاقتتال الداخلي تسبب في تهجير ملايين اليمنيين من منازلهم ودمرت المنازل في القرى والمدن إضافة إلى المنشآت الصناعية والتجارية والخدمية وهي التي تشغل مئات الآلاف من الأيادي العاملة كل ذلك سبب تهجير أكثر من 3 ملايين إنسان يمني مما يعني فقدانهم مصادر دخلهم كذلك وهذا جعل تلك الأسر تعتمد على الإعانات وبيع المدخرات وما تملك لتستمر في الحياة.
يقول الخبير الاقتصادي عاصم الزبيري إن النازحين من والمحافظات الى العاصمة صنعاء يبيعون مدخراتهم وممتلكات نسائهم من الذهب والمجوهرات من اجل العيش والسكن بعد ان تقطعت بهم السبل هناك ،كما يعتبر نازحو محافظة صعدة مثالا حيا حيث واجهوا النزوح منذ بداية العدوان وهؤلاء كشأن حرض ومناطق الشمال بمحافظة حجة دمرت منازلهم ومزارعهم مما دفعهم للنزوح والنجاة بأنفسهم وهذه الرحلات افقدتهم مدخراتهم كاملة وأصبحوا الآن فقراء عليهم الصدقة، وكذلك الأمر في نازحي محافظة تعز أيضاً.
أمثلة حية
في صنعاء قمنا بدراسة ثلاثة حالات على مدى العشرة الأيام الماضية تحكي هذه الحالات قصة ثلاث شخصيات الأول الشاب عادل محمد وهو رب أسرة من خمسة أبناء يقول انه باع خلال هذا العام ذهب زوجته لشراء خزان مياه بقيمة 40 الف ريال لتوفير مياه الشرب وسدد ديون البقالة بمبلغ 35 ألف ريال متراكمة منذ شهور فيما يعتمد في شراء مستلزمات الأكل على الدين من البقالة القريبة من منزله.
الشاب عادل يشير إلى أن مستوى توفر مبلغ نقدي لديه اصبح مستحيلا فهو لم يحصل على فرصة عمل في مهنته ككهربائي طيلة خمسة شهور كما أن راتبه كموظف مع الدولة لايكفيه لمدة عشرة أيام متتالية مما يدفعه لبيع مدخرات ما لديه اواشياء ثمينة بين الفينة والاخرى.
الحالة الثانية المدرس سعيد يقول راتبي 65 الف ريال ولم يعد يكفيني مما جعلنا انا والزوجة نبيع حصتي في حقل بالقرية بمبلغ 350 الف ريال وتسديد الديون المتراكمة علي منذ ستة أشهر خاصة بشراء القوت الضروي.
اما الحالة الثالثة فهي للحاج على كجيل ويقول انه باع مسدس بـ150 الف ريال ليتمكن من توفير مستلزمات أولاده للمدارس وشراء مواد غذائية لهم خلال شهرين.
القدرة الشرائية
تدنت القدرة الشرائية لليمنيين بشكل غير مسبوق وتدهور هذه القدرة يعني أن المناخ الجديد للأسواق في اليمن يمثل مناخاً طارداً لشريحة كبيرة من المستهلكين، حيث لا تتمكن الشرائح الفقيرة التي أصبحت تمثل نسبة 44% من إجمالي السكان من الحصول على السلع والخدمات كما يجب ،كما يقول الدكتور محمد الحيفي أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء مؤكدا حقيقة أن القوة الشرائية للمستهلكين اليمنيين قد مالت إلى التدهور خلال العام الماضي نتيجة الحرب والعدوان والحصار الاقتصادي وفقدان الاعمال وهذا كارثي على الاقتصاد الوطني.
مؤشرات
تقول دراسة لليونيسف إن 20% من السكان لا تتجاوز نسبة إنفاقهم سوى 8% من إجمالي الإنفاق العام في البلد ، بينما الشريحة الأعلى إنفاقاً وهي تمثل 20% من السكان تنفق 41% من إجمالي الإنفاق في عام 2013م ،لكن يعتقد في العام 2015م ان الوضع تغير تماما فالسكان وخصوصا 80% منهم على شفاء الفقر دون شك.
المدخرات لم تعد موجودة
المدخرات للأسر لم تعد موجودة بالمعنى الاقتصادي كما يقول الخبير منصور الحرازي وإنما يمكن القول أن الأسر لازال لدى بعضها أراض زراعية أو منازل في القرية أو سيارة أو بعض الذهب مع النساء وهذا يمكن أن ينتهي من الأسر محدودة الدخل قريبا إذا لم يتحسن دخلها لمواجهة أعباء المعيشة مالم فسوف تبيعه لمن لديه المال وهنا الكارثة.
مثال العراق حين حصاره العدوان قبل الغزو الأمريكي في 2004م كان الشعب العراقي واقعا تحت الحصار 14 عاما اضطره لبيع مدخراته حتي وصل لبيع منازله وأثاثه المنزلي لسد رمق العيش بعدها كان فريسة للانهيار والدمار.

قد يعجبك ايضا