استعادة تاريخية للدور الكويتي في مسارالوحدة اليمنية

 

> اتفاقية 1979 م تعد من أهم أساسات الوحدة اليمنية إذ تلتها خطوات عملية تخطت كل التحديات

> في 23 نوفمبر 1981 م عقد رئيسا الشطرين قمة الكويت الثانية لمناقشة انجاز اتفاقية 1979 م

الثورة/ محمد محمد إبراهيم
أيا كانت التعقيدات والتحديات والظروف الصعبة التي تكتنف مجريات مفاوضات الكويت، إلا أن أمل اليمنيين ظل وما يزال معلقاً على الدور الكويتي في الدفع بعملية المفاوضات للخروج بحلول سياسية عادلة.. ولم يكن الشعب اليمني متشبثاً بالأمل انطلاقاً من أن دولة الكويت الشقيق هي صاحبة بصمة إنسانية ريادية في التأسيس الفعلي للحوار كوسيلة لإحلال السلام في أي بلد عربي، ومنها اليمن، فحسب.. بل لان لليمنيين تجربة مريرة مع الحروب والنزاعات التي كانت تفني قرى التماس ومدنه أيام التشطير البغيض، فكان للكويت المبادرة الأبرز في إيقاف النزاع المسلح بين اليمنيين والضغط على رئيسي الشطرين آنذاك حتى توقيع اتفاقية 1979 م التي تُعَدّ مِنْ أساسات الوحدة اليمنية.. في هذه المادة سنستعيد قراءة مختزلة لبنود تلك الاتفاقية.. ودور الكويت حينها في إذابة جليد الفرقة، وإطفاء خطوط النار.. ولكن في البداية سنعرِّج على مجريات المفاوضات اليمنية في الكويت.. وأوجه الشبه بين حرب 1979 م الشطرية، وبين ما جرى في العام 2015 م و 2016 م باقتضاب كبير…… إلى التفاصيل:

منذ اللحظة الأولى لمجريات المفاوضات (اليمنية /اليمنية) في دولة الكويت الشقيقة، ظل أمير الكويت يتابع تلك المجريات لحظة بلحظة عبر دوائر أجهزته الدبلوماسية.. ولم يتوانى لحظة واحدة في الرعاية الشخصية لتقريب وجهات النظر كلما لا حظ ارتباك سير المفاوضات.. حيث تدخل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في المفاوضات اليمنية-اليمنية لدفع أطراف الأزمة إلى الموافقة على الدخول في مفاوضات مباشرة، لإيقاف النزيف اليمني، ولم الشمل بعد التشرذم والشتات.. مشدداً – خلال لقائه كلا الوفدين على انفراد- على ضرورة التوصل إلى نتائج إيجابية في المشاورات اليمنية حاثاً الأطراف على مواصلة المشاورات التي تستضيفها الكويت..
هذا الاهتمام الكبير والرعاية الكريمة حملت الكثير من المراقبين إلى استدعاء الدور التاريخي والمحوري للكويت الشقيق في حل أزمات اليمنيين وحروبهم والتأسيس لعهد دولتهم الوحدوية في الثاني والعشرين من مايو 1990م، مؤكدين أن مفاوضات الكويت تعد محطة محورية باتجاه العودة إلى الحل السياسي العادل، مشيدين بالدور الفاعل للأشقاء في دولة الكويت في مجريات هذه المفاوضات..
وأوضح المراقبون أن دعم الكويت للحل السياسي واهتمامها بالمفاوضات وبالملف اليمني، نابع من حرص الأشقاء الكويتيين على إنجاح الحوار.. وليست المرة الأولى التي تحتضن الكويت مثل هذه الحوارات بين الفرقاء اليمنيين والأهم من هذا أن القيادة الكويتية عملت على عقد اللقاءات المتكررة مع المتحاورين وإقناعهم بالموافقة على بعض القضايا التي كانت موقع رفض طرف دون آخر، متيحةً الفرصة للوفد الوطني الممثل بالمؤتمر الشعبي العام وأنصار الله بعقد لقاءات مع سفراء الدول الخمس ومع السفراء المعتمدين في اليمن وسفراء دول الخليج لتوضيح ما لديهم وهذا عمل ايجابي..
بين حربين
* منذ فبراير 2011م شهدت وتشهد اليمن أعتى موجات الصراعات السلطوية انتهت جولتها الأولى بتوقيع المبادرة الخليجية المشروطة بلائحة تنفيذية مزمنة، تخللها أكبر حوار سياسي في تاريخ اليمن، لكنه أفضى إلى استئثار طرف سياسي أزاح الشباب عن المشهد مكررا رموزاً كانت في نظر الشباب جزءا محوريا في منظومة الفساد التي أفرزت البطالة وأُخرجت الشباب بحثاً عن فرص العمل، لينتهي ذلك الاستئثار بثورة 21 سبتمبر 2014م وتوقيع اتفاقية السلم والشراكة، بعد سبعة أشهر من خروج المبادرة الخليجية عن مسارها الزمني حسب المراقبين السياسيين، تلت ذلك استقالة عبدربه منصور هادي بعد التجاوز سنة كاملة من المدة الزمنية المحددة في المبادرة الخليجية لرئاسته..
وفي صبيحة 26 مارس 2015م باشر التحالف السعودي الامريكي الاسرائيلي عدوانه المتمثل في عاصفة الحزم التي شلت حركة المطارات اليمنية وأطبقت الحصار الشامل على الشعب اليمني، ومنذ تلك اللحظة إلى الآن والطيران السعودي يدمر كل البنى التحتية العسكرية والمدنية في اليمن. دون رحمة تحت ذريعة إعادة شرعية هادي التي رفضها الشعب اليمني المنهك تحت قصف العدوان بتظاهرة 26 مارس 2016م الملايينية، وهي التظاهرة الأكبر في تاريخ اليمن، التي لفتت أنظار العالم المنساق خلف سطوة فضائيات العدوان وزيف خطابها المكرر والمغالط للوضع الإنساني الكارثي، الذي جعل دولة الكويت الشقيق تتحرك سعياً منها لوقف النزيف اليمني، وإعادة أطراف النزاع إلى طاولة الحوار والحل السياسي العادل. معيدة إلى الأذهان سلسلة من مواقفها التاريخية في محاولات لملمة شمل اليمنيين، رغم موقفها السياسي المؤيد لعاصفة الحزم، والرافض للمشاركة العسكرية فيها أو المساهمة بجند في الاجتياح البري لليمن، خصوصاً وهي من ذاق طيش دولة جارة اجتاحت أراضيها في مطلع تسعينيات القرن المنصرم..
الصورة الثانية من الحروب التي كان للكويت دورها المحوري في إعادة أطراف الصراع اليمني إلى مسار العمل السياسي، هي حرب اليمن الشطرية التي اندلعت نهاية 1979م بين شمال اليمن وجنوبه (الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في المناطق الحدودية) . حيث أسرعت دولة الكويت إلى دعوة الشطرين لقمة الكويت في 30 مارس 1979م حيث أوصلت الطرفين (بفضل حرص أمير الكويت الشيخ الجابر الأحمد الصباح امير الكويت – آنذاك ) إلى اتفاق إنهاء المواجهات ووقف إطلاق النار بين الشمال والجنوب، وتضمن الاتفاق خارطة الخطوات العملية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية على أساس الوحدة الاندماجية.
وبعيداً عن أوجه الشبه الضئيلة جداً بين الحربين البرية في 1979م بين الشطرين، والحرب التي يقودها تحالف العدوان السعودي الامريكي اليوم بحجة شرعية هادي بغطاء جوي معاد من 18 دولة على رأسها الجارة السعودية، وبالتالي لا وجه للمقارنة بين الحربين.. إلا في الحرص الكويتي على أن يلم شمل اليمنيين من جديد على طاولة التفاهم والحوار والعمل السياسي..
اتفاقية الكويت 1979م
* في 28مارس 1979م التقى وفدا الشطرين، اليمن الشمالي برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح واليمن الجنوبي برئاسة الرئيس عبدالفتاح اسماعيل، في مدينة الكويت، وتم عقد مؤتمر للصلح بين الشطرين واتفق الجانبان على استئناف التفاوض بشأن مشروع الوحدة اليمنية.. وضرورة انجاز الوحدة وتسهيل كل الطرق التي تؤدي لقيام دولة واحدة وانهاء التشطير، رعا هذا المؤتمر الشيخ الجابر الأحمد الصباح امير الكويت – رحمه الله – وجمع من الدبلوماسيين والمراقبين العرب والدوليين.. وتوصل الوفدان الشمالي والجنوبي في هذا الاجتماع الى تأكيد الرئيسين على العمل باتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس 1972م..
ورغم أن هذه الاتفاقية تشبه سابقتها (اتفاقية 1972 في القاهرة) كونها جاءت نتيجة أزمة حرب وظرف طارئ، جمعت الطرفين حول المفاوضات التي انتهت بالتوقيع على اتفاقية الوحدة. ولم يسبقها اي تنسيق او خطوات مع اختلاف بسيط في أوجه الشبه إذ أنه عند توقيع معاهدة الكويت (1979م) كان هناك انخفاض كبير لنسبة المعارضة في الداخل للوحدة، وبالذات من القوى القبلية في الشطر الشمالي، على عكس اتفاقية القاهرة (1972م) والسبب في ذلك يرجع الى أن الرئيس علي عبد الله صالح اصطحب معه كل الشخصيات الوطنية والقبلية والحكومية والعسكرية، إلى الكويت لحضور التوقيع على الاتفاق وقبل التوقيع وقف وقال لهم :
«ها نحن اولاً جميعاً هنا وهذا هو الاتفاق المطلوب توقيعه مع الاخ عبدالفتاح اسماعيل، فقولوا لي وقع اولا توقع لأني لا أريد ان يزايد علي احد عندما نعود الى صنعاء، او يحتج على ما جرى، ومن له رأي فليقله الآن». ثم وقع الاتفاقية بمشورة وموافقة الجميع بمن فيهم القوى التقليدية التي كانت تعارض الوحدة مع الجنوب، وفي المقابل لم تلق الاتفاقية معارضة تذكر من القوى النافذة في الحزب الاشتراكي واعلن عبدالفتاح اسماعيل انه مستعد للتخلي عن السلطة للرئيس علي عبدالله صالح في خطوة لإثبات جدية النظام في عدن تجاه الوحدة اليمنية، وقد نصت الاتفاقية على ما يلي :
أولاً: تقوم اللجنة الدستورية بإعداد مشروع دستور دولة الوحدة خلال فترة أربعة أشهر .
ثانياً: عند انتهاء اللجنة الدستورية من أعمالها يعقد الرئيسان لقاءً لإقرار الصيغة النهائية لمشروع الدستور الدائم ودعوة كل منهما لمجلس الشعب في الشطرين للانعقاد خلال مدة يتفق عليها الرئيسان من تاريخ إقرارهما للصيغة النهائية التي يقدم بها مشروع الدستور إلى مجلس الشعب في كل من الشطرين للموافقة عليه كمشروع .
ثالثاً: يقوم رئيسا الشطرين بعد ذلك بتشكيل اللجنة الوزارية المختصة بالإشراف على الاستفتاء العام على مشروع الدستور وانتخاب سلطة تشريعية موحدة للدولة الجديدة والانتهاء من ذلك خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ تشكيلها .
رابعاً: يقر الرئيسان التقيد والالتزام الكامل بالمضمون والأحكام الواردة في اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس وقرارات مجلس الجامعة العربية وتنفيذ القرارات والتوصيات التي توصلت إليها لجان الوحدة .
خامساً: يتولى رئيسا الدولة في الشطرين متابعة إنجاز عمل اللجنة الدستورية في الموعد المحدد ونتائج أعمال اللجان الأخرى من خلال لقاءات دورية في اليمن في كل من الشطرين .
ان الرئيسين يعبران عن تقديرهما الكبير وامتنانهما للحفاوة وكرم الضيافة التي قوبلا بها من قبل الكويت الشقيق أميراً وحكومة وشعباً ويؤكدان أن الوحدة اليمنية لن تكون إلا عاملاً من عوامل الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة وهي مع وحدة الشعوب وتقدمها وازدهارها، ومع إقرار السلم في العالم ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب من قبل الإمبريالية والصهيونية وتشجب الاعتداء مهما كان وتدين العنصرية بكل أشكالها وهي مع سيادة الأوطان وحق الشعوب في اختيار النظام الذي ترغب في بنائه..
خطوات عملية
* ورغم كل الصعاب والتلكؤ إلا أن هذه الاتفاقية أتت ثمارها على الصعيد العملي بعد أشهر حيث احتضنت صنعاء في 2 أكتوبر 1979م العاصمة صنعاء لقاء حافل بين الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية العربية اليمنية وعلي ناصر محمد رئيس هيئة رئاسة مجلس الاعلى ورئيس الوزراء أكدا خلالها على أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية هي قدر ومصير الشعب اليمنى.. معربين عن العزم والتصميم للالتزام بتنفيذ اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس والكويت. وعبرا عن ارتياحهما للإجراءات المتخذة بين ممثلي الشطرين في الاطراف والتي تسهل تنشيط التبادل التجاري وحركة المواطنين.. وأكدا على ضرورة التنسيق بين وفود الشطرين في المؤتمرات واللقاءات العربية والدولية التي يشارك فيها الشطران.
وتتوالى اللقاءات بين رئيسي الشطرين على وتيرة من العمل الفني للجان المشكلة التي نصت عليها الاتفاقيات بما فيها قمة الكويت 1979م..
اهتمام كويتي مستمر
سرعان ما عادت الأنظار إلى الكويت حيث انعقدت في الكويت يوم 23 نوفمبر 1981م قمة يمنية برئاسة رئيسي شطري اليمن علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد وبرعاية أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وشكلت القمة وهى الثانية في الكويت بعد قمة 1979م محطة هامة في المسار الوحدوي. إذ هدفت إلى تصفية الخلافات وتنقية الأجواء بين الشطرين.. بعد ازدياد حدة المجابهة في المناطق الوسطى.. ليقم بعدها بأسبوع فقط في 30 نوفمبر 1981م الرئيس علي عبد الله صالح. بزيارة تاريخية إلي الشطر الجنوبي من الوطن, استمرت ثلاثة أيام, وعقد خلالها لقاء قمة عدن مع الرئيس علي ناصر محمد. حيث اتفقا على إنشاء مجلس رئاسي برئاسة رئيسى شطري اليمن يسمى المجلس اليمنى الأعلى والذي يختص بمتابعة كافة اتفاقيات الوحدة وتنفيذها والإشراف على اللجان الوحدوية.. وقد حدد الاتفاق اختصاصات ومهام المجلس عقب الاتفاق على تشكيل سكرتارية له لتنظيم أعماله, كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية مشتركة تتكون من رئيسي الوزراء, وكذا التنسيق على الصعيد الاقتصادي, والتربوي والثقافي والإعلامي, واتفقا على تنقل مواطني الشطرين من شطر إلى آخر بالبطاقة الشخصية. كما اتفقا على توحيد موقفهما على صعيد السياسة الخارجية….
أخيراً
* هذه أبرز المحطات التي كان للكويت فيها بصمات عملية، لكن هناك المواقف السياسية لتي ظلت الكويت تتمسك فيها بدعوة اليمنيين إلى الوحدة وإنهاء ماضي التشطير البغيض وانهاء الصراعات والنزاعات المسلحة.. وكل هذه الأدوار التاريخية والمواقف الإنسانية في تاريخ العلاقات اليمنية الكويتية هي اليوم مبعث الأمل والتفاؤل اليمني بإنهاء العدوان والصراعات الداخلية بين الأطراف السياسية اليمنية..

قد يعجبك ايضا