الرقص مع الذئاب..

جمال الظاهري
من شاهد الأفلام الأمريكية التي توضح كيفية صيد حيوان النو (الثيران الأمريكية البرية).
الكيفية أو الأسلوب الذي كان يتبعه الهندي الأمريكي في صيد هذه الثيران هي إحدى الاستراتيجيات التي يعتمدها الجيش الأمريكي .. بل أحد أهم العقائد القتالية لدى السياسي الأمريكي وخبرائه العسكريين.
على ماذا ترتكز هذه العقيدة القتالية (العسكرية)؟
كما قلنا وكما شاهدنا في أفلامهم وصيدهم للثور الأمريكي.. تعتمد على تسليط الكلاب وإحداث الضجيج والإزعاج لهذا الحيوان الضخم والشرس وتدفعه للجري في البراري لساعات حتى تتبدد قواه ويتفرق القطيع الذي من سماته أنه يتحرك بشكل جماعي ويستميت ذكور هذا القطيع في الدفاع عن بقية القطيع مهما كان الخطر الذي يداهمه, لذا فإن مطاردته بالكلاب وببعض الصيادين الذين يمتطون الجياد وبمجرد أن يتفرق بعد أن يكونوا قد عملوا على سوقه أثناء المطاردة إلى مكان محدد ينتظر فيه حاملي السهام الذين بدورهم يطلقون نبالهم على هذا الحيوان الذي أصبح منهكاً مشتتاً فاقدا للتركيز ومتخلياً عن استراتيجيته في مواجهة الخطر وحينها تبدأ حفلة الصيد التي يشارك فيها بقية أفراد القبيلة.
هذه الاستراتيجية اعتمدها الأمريكان في اغلب إن لم يكن كل حروبهم منذ أن عرفت أمريكا كدولة مستقلة عن التاج البريطاني وحتى حين كانت تتبع جيوشهم العرش البريطاني.
أمثلة:
حرب الاستقلال عن بريطانيا اعتمد الثوار هذه الاستراتيجية وكانوا يتنقلون من مكان إلى آخر كي ينهكوا القوات الموالية للمملكة التي كانت لا تغيب عنها الشمس ونجحوا وحققوا بهذا الأسلوب النصر.
في الحرب العالمية الأولى ضلت أمريكا بعيدة تراقب وتساعد من حين إلى آخر بالدعم اللوجستي لمن تقف في صفهم حتى بدأت ملامح هزيمة الألمان ومن معهم تلوح فشاركت بقوات بسيطة مسجلة حضورها ومملية شروطها وحاصدة لمكاسب النصر.
الحرب العالمية الثانية, نفس الشيء ظلت تتفرج وترصد وتحصي أنفاس المتحاربين حتى المراحل الأخيرة للحرب في أوروبا ومن ثم نزلت بقواتها التي لم تشترك إلا في معركة واحدة وخسرت تلك المعركة ولكنها سجلت الحضور وحصدت أغلب المكاسب.
ما يحدث اليوم في المنطقة العربية اليوم ليس إلا إحياء لنفس الاستراتيجية القديمة – إنهاك واستنزاف – مراقبة ودراسة لسير المعركة – تحريك وتنشيط القتال في أكثر من مكان – تحديد مكامن الضعف والقوة – الاستعداد المستمر لإذكاء الصراع كل ما خبت نيرانه أو اقترب من النهاية في مرحلة ما ترى أنها ستبقي على بعض القوة لمن قد يهدد مشروعها أو يقلص من مكاسبها.
ولكنها في الأخير ستكون حاضرة بملفها الخاص مملية على من تريد شروطها بحرب تخط هي لا غيرها نهايتها أو بحصد الثمار التي تساقطت في معركة هز الأشجار المثمرة عبر بوابة الحلول السياسية التي سيعتبرها المحتربان المنهكان مخرجاً لهما بعد أن بدأوا يشعرون بأن أنفاسهم تتقطع وقواهم تخور وأنهم إذا ما استمروا في المواجهة إلى الهلاك حتماً ذاهبون.
أكيد الكثيرون شاهدوا فيلم (الراقص مع الذئاب) هذا الفيلم الذي زاوج أو مزج بين عقيدة الجيش البريطاني المعتد بما يمتلكه من قوة, وروح وأسلوب المقاتل الهندي الذي يرفض التخلي عن أرضه ويأبى الخضوع والعمل تحت إمرة شخص من خارج قبيلته, مكتفياً بالقليل والبسيط من العيش ومسخراً الأدوات البسيطة التي يمتلكها في صيد ما يحتاجه أفراد قبيلته من حيوانات على رأس القائمة منها الثور الأمريكي الشرس الذي لا يتردد في الدفاع عن بقية القطيع أو مواجهة أي شيء ينتهك حرمة الأرض التي يرتع فيها.
أختم بالسؤال.. هل سيقبل أبناء المناطق التي نزلت فيها قوات أجنبية دون أن يحركوا ساكنا, وفي هذه الحالة, أم سينساقون كقطيع (النو) ويظلون يركضون هنا وهناك في معارك جانبية حتى ينال منهم التعب والإعياء ليأتي المحتل في الأخير ليجهز على الجميع ويصوغ النهاية لهذه المسرحية التي جعلت من الإنسان العربي مجرد دمية يحركها الآخرون أنا شاءوا ومتى أرادوا؟
ثقتي بأبناء اليمن وبتاريخهم بأنه سيكون لهم رأي آخر وبأنهم لن ينساقوا لما يريد وأنهم لن يجفلوا هاربين إلى افتعال معارك خاسرة مع بعضهم البعض, وأن حالة الارتباك لن تطول.

قد يعجبك ايضا