العلاقات المصرية الصهيونية.. نحو مزيد من الدفء

تقرير/ خالد عبدالمنعم
تحركات سريعة تشهدها الساحة المصرية في تعاطيها مع الكيان الصهيوني. هذه التحركات رافقتها مجموعة من التطورات الجغرافية الخطيرة، كالتنازل المصري عن إطلالته الإستراتيجية على خليج العقبة عبر جزيرتي تيران وصنافير، في الوقت الذي يسعى فيه الكيان الصهيوني لتعزيز تواجده فيه عبر قناة البحرين مع الأردن.
وقد تزامن رفض إسرائيل القاطع للمبادرة الفرنسية القائمة على حل الدولتين، رغم محاولات فرنسا الحثيثة، والتي باءت بالفشل لإقناع دولة الاحتلال بها، مع ارتفاع وتيرة الحلول التي تصب في صالح تل أبيب، كالحديث عن كونفدرالية الضفة الغربية مع الأردن، أو حتى توطين الفلسطينيين في سيناء المصرية، ناهيك عن التقارب الفج بين أنقرة وتل أبيب دبلوماسيًّا وعسكريًّا، بالإضافة لطابع العلنية في علاقات الدول الخليجية مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يمهد لوجود طبخة عربية إسرائيلية شرق أوسطية معدة سلفًا، وستقدم بالتدريج للجمهور العربي والإسلامي.
وفد إسرائيلي في القاهرة
التطور الأبرز على الساحة المصرية بين القاهرة وتل أبيب جاء عبر البوابة الدبلوماسية، حيث وصلت إلى القاهرة الاثنين الماضي أفيفا راز شيختار، مديرة إدارة الشرق الأوسط بوزارة خارجية العدو الإسرائيلي، على رأس وفد من تل أبيب؛ في زيارة لمصر تستغرق يومين. وقالت مصادر دبلوماسية كانت في استقبال الوفد إن مديرة إدارة الشرق الأوسط بالخارجية الإسرائيلية ستلتقى خلال زيارتها عددًا من كبار المسؤولين المصريين؛ لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك.
توقيت الزيارة
وتتزامن الزيارة مع معطيين مهمين: الأول يتعلق بتصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 17 مايو الماضي، والتي دعا فيها لتطوير العلاقات المصرية الإسرائيلية لتصبح “أكثر دفئًا”، وربط تزايد الدفء هذا بإيجاد حل للقضية الفلسطينية. الثاني أن الزيارة الصهيونية لمصر تزامنت مع رفض رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمس مبادرة السلام الفرنسية المقترحة بين فلسطين المحتلة وإسرائيل وللمرة الثانية على التوالي خلال هذا الشهر. وبما أن الوفد الإسرائيلي جاء إلى القاهرة، فهذا يعني أن دعوة السيسي وجدت آذانًا مصغية في تل أبيب، وقدوم الوفد الصهيوني إلى القاهرة في ظل رفضه لمبادرة السلام الفرنسية يعني أن الزيارة انعقدت بالفعل دون الالتزام بشرط السيسي المتعلق بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، فمن الطبيعي أن الكيان الصهيوني سيرفض كل المبادرات الفرنسية أو حتى المصرية وقبلها السعودية؛ كونه يمتلك القوة، وبالتالي لن يقبل بأي مبادرة عربية أو أوروبية تحد من طموحات هذا الكيان في السيطرة على كامل فلسطين، ناهيك عن تطلعاته للسيطرة على دول عربية مجاورة له، الأمر الذي يشير إلى أن التطبيع بدأ يأخذ منحى آخر في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، قد لا تكون القضية الفلسطينية طرفًا أصيلًا فيها، حيث إن وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون كانت قد كشفت، في 7 إبريل الماضي، عن وجود مباحثات تجرى على “مستوى رفيع” بين واشنطن والقاهرة وتل أبيب، بشأن قوات حفظ السلام الدولية بمحافظة شمال سيناء، نافية ما تردد من تقارير إعلامية حول إغلاق موقعين للقوات في تلك المنطقة، كما أن هناك تحركات مبهمة بين القاهرة والكيان الصهيوني، لفتح السفارة الإسرائيلية في القاهرة، بعد أن تم إغلاقها بدافع شعبي بعد ثورة يناير 2011م، ومحاولات للتطبيع على المستوى الشعبي، بعد أن قام النائب المعزول توفيق عكاشة باستضافة السفير الصهيوني في منزله، حيث قال إن أجهزة الدولة على علم بهذه الزيارة. وفي فبراير الماضي ألغت السلطات المصرية شرط إثبات الجنسية لأبناء سيناء، والذي كانت قد اشترطته لحصولهم على شقق وأراضٍ بجنوب سيناء، الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا وغضبًا واسعًا في مصر.
جدير بالذكر أن شيختار سبق أن زارت القاهرة، في 19 مايو 2014م، حيث أشارت التقارير الصادرة إلى أن الطرفين تباحثا في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وخاصة تأمين الحدود، ولم يصدر حينها بيان رسمي حول الزيارة.
رمزية توقيت الزيارة
تتزامن الزيارة مع إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في مثل هذا اليوم من عام 1967م إغلاق “خليج العقبة” عبر مضيق تيران – الذي تنازلت مصر عنه لصالح السعودية حليفة واشنطن – في وجه السفن التي ترفع علم الكيان الصهيوني، حيث قال عبد الناصر: “إن سيادتنا على مدخل الخليج لا تقبل المناقشة، وإذا أرادت إسرائيل أن تهدد بالحرب، فنحن نقول لها: أهلًا وسهلًا”.
ولم يمضِ أقل من شهر لإعلان إغلاق المضيق لتأتي حرب عام 1967م بين الكيان الصهيوني ومصر وسوريا والأردن، والتي انتهت بانتصار الكيان الصهيوني واستيلائه على قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء والجولان.
زيارة وفد العدو الإسرائيلي لمصر في هذا التوقيت تأتي في إطار تعزيز الكيان الصهيوني لمكتسباته في حرب 67، خاصة بعد تنازل مصر عن سيادتها على تيران وصنافير للرياض.
التطبيع
بدأت الإذاعات ووسائل الإعلام العبرية تتحدث عن وجود علاقات قائمة بين الكيان الصهيوني والحكومة المصرية، فبعد أن كانت هذه المعلومات مقتصرة على مجموعة من التسريبات التي تشير إلى وجود تنسيق بين القاهرة وتل أبيب، أصبحت المعلومات تتوارد على لسان دبلوماسيين صهاينة منسوبة لهم بالاسم، الأمر الذي يحتاج إلى نفي من الجانب المصري على الأقل، حيث حذر السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن والقيادي في حزب الليكود زلمان شوفال من “الصورة السلبية التي تجسدت لدى الرأي العام المصري والعربي عن السيسي؛ بسبب تغطية الإعلام الإسرائيلي لنمط تجنيده من أجل المساعدة على تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل”، مشددًا على أن “مصر في عهد السيسي تمثل أهم شريك استراتيجي لإسرائيل في المنطقة”.
واتفق وكيل الخارجية الإسرائيلي الأسبق ألون ليفين مع شوفال، مستهجنًا أن “تتطوع” وسائل الإعلام الإسرائيلية بالكشف عن الطابع الحميمي للعلاقة بين نتنياهو والسيسي، مؤكدًا أنه لا يخدم مصالح إسرائيل.
يذكر أن فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك شهدت طفرة في عدد الزيارات الرسمية الإسرائيلية للقاهرة، وكانت آخر زيارة نتنياهو للقاهرة في عام 2010م، وانقطعت زيارات المسؤولين الإسرائيليين لمصر منذ ثورة 25 يناير، مع بقاء بعض الإشارات في خطاب الرئيس المعزول محمد مرسي كـ “صديقي العزيز شمعون بيريز” في خطابه الشهير للكيان الصهيوني؛ لاعتماد سفير مصر. لكن بعد ثورة 30 يونيو، وبعد تأكيد السيسي التزام القاهرة باتفاقية السلام، استقبلت القاهرة عددًا من المسؤولين الإسرائيليين، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، أغلبهم مسؤولون أمنيون. ففي 29 يونيو 2015م عقد مدير عام وزارة خارجية العدو الإسرائيلي، دوري جولد، عدة لقاءات في وزارة الخارجية المصرية، تضمنت اجتماعه بمساعد وزير الخارجية لشؤون دول الجوار، وفي أغسطس من العام نفسه، زار وفد سياسي إسرائيلي مصر، والتقى عددًا من المسؤولين، وضم الوفد 5 مسؤولين برئاسة مدير مكتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إسحاق مولخو. وفي سبتمبر 2015م شارك دوري جولد في مراسم رفع العلم الصهيوني على المقر الجديد لسفارة تل أبيب بالقاهرة.
ويرى مراقبون أن زيارة الوفد الإسرائيلي لمصر تعد بمثابة جس نبض للشارع المصري، ففي حال نجاحها وعدم وجود رفض شعبي لها، فإنها قد تمهد لزيارة نتنياهو للقاهرة، التي يتم التمهيد لها منذ فترة عبر تسريبات من الصحف العبرية، حيث قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “إن قمة ثلاثية بين السيسي ونتنياهو وأبو مازن في القاهرة”، الأمر الذي من شأنه أن يفتح ملف التطبيع الدبلوماسي بين مصر والكيان الصهيوني على مصرعيه، بعد أن كان مقصورًا على الجانب الاقتصادي وبعض التنسيقات الأمنية والعسكرية.

• نقلاً عن موقع البديل المصري

قد يعجبك ايضا