انعدام بعض المحاليل المخبرية.. طريقة أخرى لقتل اليمنيين

مخبريون:
– ارتفاع كلفة التأمين وسعر الدولار من تداعيات العدوان التي فاقمت مشكلتنا
– المصابون بالأمراض المزمنة وأمراض قصور وظائف الأعضاء والأورام هم الأكثر تضرراً

تحقيق/ سارة الصعفاني
تعد الفحوصات الطبية من أهم وسائل التشخيص التي لا غنى لأي طبيب عنها, ودقة التشخيص تمكن الطبيب من معرفة ما يعانيه المريض ومعالجته بوصف الأدوية المناسبة، لكن الفحوصات المخبرية تحتاج لمعدات طبية ومحاليل ومواد تستخدم لإحداث تفاعل كيميائي أو فيزيائي معين ينتج عنه التوصل إلى نتيجة الفحص الطبي المطلوب.. وإذا كان ارتفاع ثمن المحاليل والمواد المستخدمة في المختبرات يحول دون استخدامها بالشكل الأمثل في الظروف العادية إذ يحاول الطبيب بقدر استطاعته اختصارها تعاطفاً مع الظروف المعيشية الصعبة للمريض فإن انعدامها اليوم أو انعدام بعض منها يضع الطبيب في موقف العجز التام رغم المقدرة, ويضاعف معاناة المريض الذي يضع كل ثقته في الطبيب بعد الله ويتعاطى الدواء غير مدرك أن الطبيب يكتفي مجبراً باستخدام فراسته ومعلوماته النظرية فقط في الوصول إلى التشخيص.

الفحوصات الطبية تستخدم أيضاً في العلاج كوسيلة لمتابعة مدى تحسن المريض واستجابته للخطة العلاجية, وما يترتب على ذلك من ضبط للجرعات الدوائية أو استبدالها، وإذا كانت الفحوصات هامة لتشخيص مختلف الأمراض إلا أن المصابين بالأمراض المزمنة وأمراض قصور وظائف الأعضاء والأورام هم الأكثر تضرراً.. إذ يحتاج الأمر إلى دقة عالية في التشخيص ومتابعة المرض، فحدوث نقص أو زيادة في الجرع يعطي نتائج عكسية وربما كارثية، وفي ظل العدوان تتدخل منظمات طبية إقليمية وعالمية لكن دورها يقتصر غالباً على توفير الأدوية للأمراض الشائعة والمزمنة وأدوية الإسعافات, ويبقى دور المختبر منسياً رغم أهميته البالغة .
نقص المحاليل مشكلة مالية
وهنا يقول د. عبدالله الحبابي -مدير عام المختبر المركزي للصحة العامة- أن المحاليل المخبرية ضرورية لتستمر الخدمات التشخيصية التي يقوم بها مختبر الصحة العام المركزي وبقية المختبرات في المراكز الصحية والمستشفيات، وانعدامها هو بسبب عدوان همجي وحصار لا إنساني يمنع دخول المحاليل والمستلزمات الطبية، وكنتيجة ارتفعت كلفة التأمين وسعر الدولار لكنه يؤكد أن نقص المحاليل مشكلة مالية قديمة “منذ عام 2014م نعاني من نقص المحاليل وكثيراً ما طرقنا أبواب المالية لدعم المختبر المركزي بالموازنة المخصصة التي يبلغ إجماليها في السنة 280 مليون ريال لكن لم نستلم خلال عامين سوى 25 مليوناً، ولكم أن تتخيلوا حجم المأساة” .
في الآونة الأخيرة دخلت محاليل “مهربة” وبسؤال د. الحبابي عن كيفية التأكد من مدى فاعليتها وجودتها يقول: نشتري المحاليل المناسبة عبر وكلاء معتمدين وفقاً لمعايير يتم فحصها داخل المختبر المركزي حتى نضمن سلامة النتائج، وينبغي الرقابة على المختبرات الخاصة لأن معاييرها أحياناً تختلف، ولنضع جميعاً مخافة الله قبل أداء مهمتنا ،كما أن توفير المحاليل والتأكد من جودتها مسؤولية تكاملية، كل الجهات المعنية بحياة وصحة اليمنيين يفترض عليها ممارسة دورها.
مضيفاً: كل المرضى بحاجة لإجراء فحوصات طبية لكن هناك مرضى يعتمدون في علاجهم على نتائج فحص المختبر بصفة مستمرة كمرضى السرطان والفشل الكلوي والسكري وسوء التغذية وغيرهم، ومرضى الدم الوراثي بحاجة لنقل دم يتطلب وجود متبرعين وفحوصات لقرب الدم منعاً لانتقال عدوى التهابات الكبد الوبائي وفيروسHIV، وتوفر هذه المحاليل بشكل متقطع يؤثر على هذه الشريحة من المرضى بشكل مباشر فكيف بانعدامها.
ويؤكد مدير المختبر المركزي أن الكارثة مستمرة إن لم تصرف المالية مخصصات المختبرات التي تقدم خدمات تشخيصية للمرضى خاصة أن المحاليل الطبية لا تتوفر في الصيدليات وليس بإمكان المريض شراءها حتى إن وجدت؛ أقل عبوة تتكون من 50-100 فحص، لمن يقدمها المريض ومن يدفع ثمنها، فيما دعم المنظمات كان باتجاهات محددة إسعافيه وبكميات بسيطة.
فقر في مخزون الدم
ويتحدث د. أيمن الشهاري -مدير عام المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه- عن واقع المركز والمشكلات التي تواجهه ويقول:
شحة المواد الطبية وانعدامها وفي مقدمتها قرب الدم والمحاليل أدى لتوقف خدمات يحتاجها المرضى، وتقدر نسبة النقص في مخزون الدم لدينا بـ95%، ولم تورد لنا الشركات محاليل بسبب عدم صرف مستحقاتها للأعوام (2012 -2014م) بسبب احتجاز المالية للموازنة، وعدم دخول قرب الدم والمحاليل نتيجة حصار المنافذ أدى لنفاد المخزون الذي يفترض أن يكون 6300 قربة بينما ما يتوفر أقل من 400 قربة، ونستقبل في اليوم 50 متبرعاً فيما نعتذر من متبرعين قد يصلون للمئات لعدم توفر محاليل وقرب دم.
وقد بلغت مشتريات المركز من القرب والمحاليل قبل 2014م (140 مليون ريال) وبعد عام 2015م لم تتجاوز 11 مليونا، وانعدامها يؤثر على جميع المرضى خاصة المصابين بالثلاسيميا، الهيموفيليا، الأورام، والعمليات الجراحية.
فحص المحاليل
ويقول د. الشهاري في رد على سؤال.. كيف أدى المركز مهامه رغم الحصار والطلب المتزايد على الدم من غالبية مستشفيات العاصمة؟
– اعتمدنا خلال العدوان على مخزوننا من المحاليل والقرب والدعم المحدود للمنظمات وجهود ذاتية وفرت المحاليل وقرب الدم بشكل متقطع وبكميات بسيطة عبر مسافرين ومندوبين وليس عبر شركات.
وتابع: بالتأكيد لم نستطع التغطية كما ينبغي لكننا لم نتوقف، وحتى المحاليل المهربة ذات جودة وفاعلية لأنها جاءت عبر وكلاء لكنهم لم يتمكنوا من توريدها باسم الشركات فدخلت عبر مسافرين ومهربين، والمحلول قيمته أكثر من 300 دولار.
رقابة غائبة
كل جهة صحية ملزمة بتوفير المحاليل للمختبر من ميزانيتها ويفترض عبر شركات مضمونة.. وعن دور وزارة الصحة في ظل الحصار كجهة معنية بحياة وصحة المرضى يرى د. الشهاري أنه ينبغي عليها تفعيل دورها الرقابي على المختبرات، وحل مشاكل الشركات والموردين، والمساهمة في دخول المحاليل عبر المنظمات، وكسر القيود بالتفاهم مع الدول ونقل معاناة اليمنيين للعالم.
غياب الميزانية التشغيلية
وكان المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه بالتعاون مع UNDP قد دعم ثمانية فروع للمركز في المحافظات بعربات متنقلة لسحب الدم وتوفير أجهزة طبية بمبلغ مليونين ومائتي ألف دولار لكن الفروع لم تعمل بسبب عدم اعتماد ميزانية تشغيلية من قبل وزارة المالية ما أدى إلى رفض المانحين دعم المركز مرة أخرى.
انتهاء المخزون
من جهته يقول د. علي الديلمي -مدير المختبر في مستشفى السبعين- بدأت المعاناة في مجال المحاليل وتوريدها منذ بدء العدوان، وواجهتنا مشاكل مع شركات معينة نشتري منها المحاليل عبر مناقصات لأنها لم تفِ بالتزاماتها تجاه المستشفى نتيجة الحصار فيما تمكنا من شراء محاليل من السوق، ولحسن الحظ تم توريد كمية من المحاليل لمستشفى السبعين قبل الحصار بفترة قصيرة، كانت كافية حتى نهاية 2015م، فالفحوصات محدودة كون المستشفى مختص بالأمومة والطفولة، فتلقينا عينات من عدة مستشفيات (الجمهوري، مستشفى 48، الشرطة) والمختبر المركزي وبنوك الدم، ودعمتنا منظمات ببعض المحاليل الناقصة، وحالياً انتهى مخزوننا من المحاليل ولم يتعاون معنا أحد، ولانعدامها أوقفنا العمل في بنك الدم، لسنا كمستشفيات كبيرة في العاصمة لا أريد ذكرها صارت تعمل بطرق بدائية، متجاهلين كارثية نقل دم لم يتم فحصه كما ينبغي ما يؤثر على صحة بل وحياة المرضى، وفعلاً انتقلت فيروسات B،C ، HIV لآخرين .
مستشفى بلا إدارة
ويشير د. الديلمي إلى أن مستشفى السبعين يعاني من عدم وجود إدارة منذ سنة خاصة في الشؤون المالية ما يتسبب في حدوث مخالفات وتخبط في شراء المشتريات، كما امتنعت شركة عن توريد المحاليل للمختبر حتى تحصل على مستحقاتها لكن أمانة العاصمة توقفت عن دعم المستشفى.
د. نبيل الحاج – نائب رئيس هيئة المستشفى الجمهوري بصنعاء- يقول: القطاع الصحي يعاني من مآسي كارثية والوضع متردٍّ من قبل العدوان لكن نتيجة الحصار انتهى مخزون البلد من المستلزمات والأدوية والمحاليل ما أدى لتوقف مستشفيات ومختبرات وهذه كارثة انسانية، كما أن مرضى الغسيل الكلوي يعانون من عدم وجود محاليل، ولا توجد ميزانية تشغيلية لمركز الغسيل الكلوي.
والخلاصة
أوضاع وقصص إنسانية مأساوية لا تخفى على أحد، وإمكانيات بائسة في المختبرات والمستشفيات وبنوك الدم لكن عدم تفاعل الجهات المعنية وتحديداً المالية وغياب اهتمام المسؤولين عن هذه القطاعات الصحية لا يرتقي لمستوى مشكلة تمس حياة وصحة الملايين، ومناشدات لم توضح مدى خطورة انعدام المحاليل منذ أكثر من عام، وعندما يأتي الإعلام ليؤدي رسالته في نقل حقيقة ما يعانيه المرضى والجرحى نتيجة انعدام المحاليل ولفت انتباه المعنيين كحد أدنى لا يجد تفاعلاً مع اقترابهم من أوجاع ومعاناة مرضى على قارعة انتظار الفرج.

قد يعجبك ايضا