أوسطه مغفرة.. العزة

الكبرياء على العباد صفة رب العباد، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي إذا ظهر قهر، وإذا تجلى طاشت لأنوار جلاله ألباب البشر: (فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين * وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم). وذلة العباد لربهم ذلة بالحق لا بالباطل؛ فإن الخلق والأمر والغنى والملك له وحده. ومصاير العباد رهن مشيئته وطوع إرادته، وهم إنما يكونون في أزكى أحوالهم ساعة تعنو جباهُهُم لرب العزة في السجود الخاضع الطويل، عندئذ يعرفون وضعهم ويلزمون حدهم، ويعطون الخالق الكبير حقه الذي لا مرية فيه، ولا عدوان في تقريره..
أما ذلة العبد لعبد مثله فباطل لا ريب، والمتكبر هنا متطاول مبطل يزعم لنفسه ما ليس لها، والوضيع المستعبد جاهل بقدره، تحمل من الأوزار ما لا يطيق، وقد حرم الإسلام الكبر، وحرم الذل، وأوجب العزة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر كبه الله لوجهه في النار”.
ذلك أن الكبر وصف الله، ولا ينبغي لبشر أن ينازع الله وصفه المستحق له، وتكبر الناس إنما يعنى جملة من الخصال السيئة، في طليعتها جحد الحق وجهل الواقع، وسوء العشرة، وتجاوز القدر، وتحقير الفضل، إلى غير ذلك..
العزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى الإسلام بها، وغرسها في أنحاء المجتمع وتعهد نماءها بما شرع من عقائد وسن من تعاليم.
علام يصيح المؤذن خمس مرات كل يوم منادياً بتكبير الله وحده في بداية الأذان ونهايته؟ ولماذا يتكرر هذا التكبير فيكتنف حركات الصلاة كلها من قيام وقعود؟ ذلك لكي يوقن المسلم يقيناً لا يهتز ولا يزيغ، أن كل متكبر بعد الله فهو صغير، وإن كل متعاظم بعد الله فهو حقير، فكأنما وكل إلى هذا النداء أن يرد الناس إلى الصواب كلما أطاشتهم الدنيا، وضللتهم متاهاتها الطامسة. وتوكيداً لهذه المعاني اختار الله عز وجل اسمي العظيم والأعلى من أسمائه الحسنى ليكررها المسلم في أثناء ركوعه وسجوده، فتشرب روحه إفراد رب العالمين بالعظمة والعلو..
فالإسلام عندما أوصى المسلم بالعزة هداه إلى أسبابها، ويسّر له وسائلها، وأفهمه أن الكرامة في التقوى، وأن السمو في العبادة، وأن العزة في طاعة الله والمؤمن الذي يعلم ذلك ويعمل به يجب أن يأخذ نصيبه كاملاً غير منقوص في الحياة الرفيعة المجيدة، فإذا اعتدى عليه أحد أو طمع فيه باغ كان انتصابه للدفاع عن نفسه جهاداً في سبيل الله، وليس ذياداً عن الحق الشخصي فقط، بل إقرارا للحقوق العامة والمثل العالية.
ومن ثم فإن موت المسلم دون حقه شهادة : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال: لا تعطه مالك! قال: أرأيت إن قاتلني ؟ قال: قاتله! قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد! قال أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار”.
نعم: فمن عزة المؤمن ألا يكون مستباحاً لكل طامع، أو غرضاً لكل هاجم، بل عليه أن يستميت دون نفسه وعرضه، وماله وأهله، وإن أريقت في ذلك دماء؛ فإن هذا رخيص لصيانة الشرف الرفيع.

قد يعجبك ايضا