محلات بيع الأغذية والمخابز.. المخالفات تتزايد.. والرقابة تتناقص

■ رغيف الخبز يفتقد للقيمة الغذائية والاشتراطات الصحية المتبعة
■ منتجات غذائية رديئة وبأسعار جنونية تفوق قدرات الناس الشرائية
■ تدني مبلغ الغرامات يشجع على المخالفات ولا يحد منها
■ إحالة 1500 منشأة لنيابة المخالفات لاتخاذ الإجراءات القانونية العام الماضي فقط
■ ضبط 700 طن من المواد الغذائية غير الصالحة للاستخدام الآدمي منذ بداية العام الجاري
■ تتلقى صحة البيئة شكاوى المستهلكين على الرقم “277038”

تحقيق/ سارة الصعفاني

في معظم بلاد الله هناك سلع غذائية أساسية مدعومة إلا في وطننا، لا تجد الأم حليبًا للرضع ولا رغيف خبز يشبع، تجد أطفالاً يعانون من فقر دم حاد وأجساد منهكة يهزمها زكام بفعل أسعار جنونية، وغش ونصب في السلع والمنتجات الغذائية، ورقابة غائبة حتى على الأفران والمخابز مصدر لقمة عيش شعب فقير 80 % منه بحاجة لمساعدات إنسانية، رغيف هزيل وبسعر مرتفع لا يسد جوع طفل صغير، يصنع من دقيق منزوع القشرة مستخلص بنسب عالية، ويفتقر للمكملات الغذائية، يعتمد على الخميرة والمحسنات في تحضيره منها مادة برومات الصوديوم الممنوعة، ويعد في بيئة إنتاجية لا تنفذ اشتراطات صحية ولا نظامية ولا يعرف أصحاب هذه المنشآت المتعلقة بحياة وصحة ملايين المستهلكين ما هي في ظل رقابة ضعيفة موسمية تقتصر مهمتها على التفتيش عن السلع المنتهية.
يتناول المستهلك رغيف خبز يفتقر للقيمة الغذائية وأسعار جميع المنتجات الغذائية جنونية تفوق قدرته الشرائية فيما الرقابة معدومة حيث الأسواق ممتلئة ببضائع منتهية الصلاحية، وغش ونصب واضح في الأفران والمطاعم والبوفيات والبقالات.. لكن الغالبية مجبرة تشتري، ولا تعرف لمن تشتكي.
تقول حياة الدمشقي: في عيد ميلاد ابنتي بعد إصرار منها بالاحتفال تعرضت للنصب من محل حلويات اشتريت منه تورته بــ خمسة آلاف ريال رديئة تمامًا.. كل من أراد التكسب فتح محل وجبات سريعة أو حلويات دونما معرفة بأبجديات تحضيرها السليم والصحي.
من جهته قال سالم الحميدي : وجدنا قبل فترة خرز مسدسات في رغيف الروتي ومن حيث النظافة نجد صراصير في المحل ومنظر العمال مقرف لكننا نشتري وكأننا لا نرى.
الأفران تعاني من وضع صحي متدهور ضمن أماكن الإنتاج غير النظيفة إلى التعامل اليدوي مع المواد والعجين وأماكن تخزين مدخلات الإنتاج ( دقيق – خميرة -محسنات ) غير ملائمة كما أن الأفران الآلية لا تشكل رقماً مقارنة بالأفران الشعبية والتقليدية.
التقينا محسن الحبابي وسألناه عن مدى التزامه بالاشتراطات الصحية خاصة وقد بدا المكان خارج المواصفات والاشتراطات فكان الرد : نختار عمالاً صحتهم جيدة لأنها صحة بشر وسمعة مصدر عيشنا، وكاشتراطات لم يطالبنا أحد بتنفيذ شيء، يأتي مفتشون للتأكد من نظافة المحل والترخيص ويأخذون عينة من الدقيق لمعرفة صلاحيته فقط.
وعن تدني القيمة الغذائية وشراء دقيق غير مدعم يرى الحبابي أن مكونات الخبز كالخميرة والمحسنات والشركة المنتجة للدقيق الأبيض ونظافة المطاحن وكيفية تحضير العجينة ومدة التخمير وغيرها تؤثر في جودة الرغيف، ويبرر عدم التزامهم بالبيع بالميزان والأسعار المحددة بأن القرار لا يناسب الواقع حيث المشتقات النفطية مرتفعة الثمن وسعر كيس الدقيق زاد أضعاف ما كان عليه ومتطلبات الحياة كثيرة.
*  في عام2013م صدر قرار يلزم أصحاب المخابز الآلية والشعبية ومنافذ البيع بسعر بيع الخبز بــ 220ريالاً للكيلو على أن لا يقل وزن القرص من الخبز عن 80 جراماً وبعدد 12 قرصاً للكيلو, وتكون المخابز ملزمة بتوفير ميزان وأن تنتج الخبز بأنواعه بالجودة والمواصفات القياسية المعتمدة والاشتراطات الصحية وإشهار أسعار البيع على واجهة المخابز، لم يلتزم بــ القرار سوى معامل الخبز والحلويات الكبيرة وعدد لا يذكر من محلات الأفران والمخابز؛ لأن الحد الأدنى من المواصفات والشروط مجرد لوائح وقوانين بعيدة عن حيز التنفيذ ،وحتى الغرامات كعقوبة ليست رادعة لأنها مبالغ مالية فقدت قيمتها في وقتنا الحاضر فمثلاً عقوبة مزاولة العمل بدون حيازة رخصة في المطاعم درجة أولى غرامة لا تزيد عن 1500ريال ، وعقوبة عدم حيازة العاملين لبطاقة صحية سارية المفعول غرامة لا تزيد عن 1000، وعدم نظافة المحل ومحتوياته أو النظافة الشخصية للعاملين غرامة 3000 ، وكل مذبوح لم يخضع للكشف من قبل المختص غرامة لا تزيد عن 200 ريال فقط ! وهي كما تلاحظون غرامات تشجع على المخالفات ولا تحد منها.
وإجمالي عدد المحلات الخاضعة للرقابة الصحية لعام 2013م في أمانة العاصمة 8441 منشأة، منها 131 معمل حلويات و 575 فرناً ومخبزاً و 191 محل حلوى شعبية.
ويتحدث د. محمد الأصبحي مدير صحة البيئة بمكتب الأشغال بأمانة العاصمة عن دورهم الرقابي : يوجد 12 قسم صحة بيئة في أمانة العاصمة، موزعة على عشر مديريات ونيابة في كل مديريتين وحسب نوع النشاط يتم النزول الميداني للمنشآت الخاضعة للرقابة بشكل يومي لمحلات الأسماك واللحوم وأسبوعي للأفران ومحلات الوجبات السريعة والمطاعم وغيرها، وكل خمسة عشر يوم لمحطات معالجة المياه وكل 30 يومًا للشركات والمعامل والتجار المستوردين، ويشترط وجود ترخيص مزاولة مهنة بعد صدور تقرير بصلاحية المنشأة وتوفر الاشتراطات الصحية.
غرامات بالسعر القديم
ويؤكد أن غرامات المخالفات لم تعد مجدية ولا رادعة كون لائحة النظافة وصحة البيئة صدرت عام 94م ولم تعدل حتى اليوم حيث الغرامات بين ( 300 – 500 ) ريال فقط.. وفي تعديل قانون الرقابة على الأغذية زاد مبلغ بعض غرامات مخالفات المواد الغذائية، لكن غرامات المخالفات الصحية في اللائحة لم يتم تعديلها، وثمن الترخيص أقل من 3000 ريال ، وحاليًا يتم منح التراخيص مجاناً بقرار من المحكمة العليا باستثناء رسوم لوحات الدعاية والإعلان، والشهادات الصحية مجانية أيضًا.
دور رقابي محدود
وعن غياب بيئة إنتاج الخبز والحلويات ولو بأدنى الشروط والمواصفات كما حددت في لائحة الاشتراطات الصحية يقول د. الأصبحي : تركز لجان الرقابة والتفتيش على اشتراطات النظافة وصلاحية المواد الغذائية وليس مدى تنفيذ الاشتراطات الصحية إذا لم تمس صحة المستهلكين كشكل المحل مراعاة  للظروف الاقتصادية، ويتجاوز عدد المفتشين الصحيين المخولين بالرقابة والضبط القضائي في أمانة العاصمة 200 مفتش، ومنذ بداية عام 2016م تم ضبط 700 طن من المواد الغذائية غير الصالحة للاستخدام الآدمي، والسنة الماضية فقط تم إحالة أكثر من 1500 منشأة لنيابة المخالفات لاتخاذ الإجراءات القانونية.
اعتداء على الأجهزة الرقابية
مضيفاً: لدينا غرفة عمليات على مدار الساعة لتلقي شكاوى المواطنين في العاصمة على الرقم (277038)، ومستوى التنسيق بيننا وبين مكاتب الصناعة والتجارة ضعيف ولا يتعدى الإدارة بسبب إشكاليات تداخل اختصاصات الجهتين بخلاف الجمعية اليمنية لحماية المستهلك حيث يتم إبلاغنا عند تلقيهم بلاغاً أو شكوى لنقوم بدورنا الرقابي لكن الموازنة التشغيلية معدومة وكثير من المفتشين يتعرضون للضرب والشتم.
اختصاصات متشابكة
ويؤكد مدير مكتب الصناعة والتجارة بأمانة العاصمة خالد الخولاني تداخل اختصاص صحة البيئة ومكتب الصناعة والتجارة ودور المجالس المحلية قائلاً: أوكلت المهام الرقابية لوزارة الصناعة والتجارة ومكاتبها بعد صدور قانون التجارة الداخلية وقانون حماية المستهلك وقانون تنظيم الصناعة مع اللوائح التنفيذية الصادرة عن مجلس الوزراء، وقبل تلك الفترة كانت الرقابة من مهام صحة البيئة والتي تعمل بقانون الرقابة على الأغذية وما تزال المشاكل الرقابية في الميدان مستمرة بسبب ازدواجية الاختصاصات وتم الرفع لأمين العاصمة للفصل في الأمر وتحديد مهام كل جهة، وهناك تنسيق مع صحة البيئة والمجالس المحلية يتم في شهر رمضان من كل عام من خلال تشكيل لجان رقابية مشتركة.. وضبط مخالفات الاشتراطات الصحية من مهام صحة البيئة فيما المكتب عليه الرقابة على محلات الاستيراد والشركات والمنتجين المحليين، والرقابة على الأفران من مهام المجالس المحلية.
وعن دورهم الرقابي يقول مدير مكتب الصناعة والتجارة : نتائج أعمال المكتب في ضبط السلع والمنتجات الغذائية والاستهلاكية المغشوشة والمجهولة والتالفة والمخالفة للمواصفات نقوم بنشرها أسبوعياً في مواقع التواصل الاجتماعي ونرفع تقارير لقيادة أمانة العاصمة ووزارة الصناعة والتجارة مع توضيح الإجراءات المتخذة حيال المخالفات منها الإحالة إلى النيابة وفي الفترة الماضية وجدنا تفاعل النيابة ما أثر إيجابيًا بتمكين الفرق الرقابية  من ممارسة أعمالهم واحترامهم من قِبل أصحاب المنشآت.
قوانين خارج حيز التنفيذ
من جهته يقول فضل منصور – رئيس جمعية حماية المستهلك- : لم يترك إنتاج رغيف العيش والحلويات وغيرها لملاك وأصحاب الأفران والمخابز ومعامل الحلويات للعمل وفقاً لأهوائهم وإنما نظمت بقرار رئيس مجلس الوزراء بشأن لائحة الاشتراطات الصحية وبقوانين الرقابة على الأغذية وحماية المستهلك منها قانون الرقابة على الأغذية وتعديلاته، وقانون التجارة الداخلية، وقانون حماية المستهلك والمواصفات القياسية اليمنية لإنتاج الخبز، وغيرها لكن تكمن المشكلة في التنفيذ من قبل الجهات الحكومية والسلطة المحلية وحتى المنتجين والمستهلكين.
مخالفات صحية ونظامية متعددة
وعن بيئة إنتاج الخبز والحلويات ومدى التزام الأفران والمخابز ومحلات الحلويات بالاشتراطات الصحية والنظامية يقول : المخالفات كثيرة ومتعددة منها عدم تنفيذ الاشتراطات الصحية والفنية ومنها التلاعب بالأوزان ومنها ارتفاع الأسعار وتدني جودة المنتج وغيرها، ونسبة ما هو منفذ من الشروط الصحية لعينات عشوائية في عدة مديريات لا يتجاوز تقريبًا (20%) في الأفران العادية و(45%) في الأفران الآلية و(30%) لمعامل الكيك والحلويات ودرجة الإتقان في مستوى التنفيذ للمحلات المقبولة أقل من المتوسط كون المحلات لم يتم إنشاؤها خصيصاً لهذه الأنشطة والوضع الصحي فيها سيئ حيث لا يوجد مخزن وغرف العمال فوق الدقيق والحمام أمام الدقيق وأكثر مشاكل الأفران الآلية تتمثل في غياب نظافة العمال وعدم وجود بطائق صحية تثبت خلوهم من الأمراض المعدية وعدم ترتيب المخزن مع وجود كراكيب).
وفي رد على سؤال” لماذا الرقابة الغذائية ضعيفة؟” يقول رئيس الجمعية : الجهات الرقابية متعددة والتقصير واضح وأهم جهة السلطة المحلية لكننا لم نلمس أي دور لجميع الأجهزة وإن عملت لتنفيذ قرار أو غيره فلمدة بسيطة جداً، وهناك تداخل في القوانين والاختصاصات وكل منهم يحمل الآخر التقصير وهناك صلاحيات مخولة للسلطات المحلية بتحديد الأسعار والأوزان وغيره ورقابتها محدودة رغم أن القوانين واللوائح والاشتراطات الصحية والفنية واضحة, والمطلوب هو تنفيذها بكل الوسائل ولو بالتدريج نتيجة للمتطلبات، كما أن الغرامة والغلق والحبس هي إجراءات كفلتها كل القوانين وآخرها قانون حماية المستهلك الذي ما زال غائباً عن التنفيذ.
التقيد بالمواصفات
وعن دور الجمعية اليمنية لحماية المستهلك في منع الاختلالات يأتي الرد : الجمعية تراقب وتتابع وتبلغ، ونشارك في قرار تحديد وزن وسعر الرغيف مع من يمتلكون الأفران ونطالب هيئة المواصفات والمقاييس بأخذ عينات من الدقيق ومنتجات الخبز للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية التي حددتها الهيئة وقرار مجلس الوزراء بإضافة الفيتامينات والحديد للدقيق لكن التقيد بالمواصفات نادر جداً نتيجة مدخلات الإنتاج التي في الغالب لا تتوفر فيها المضافات كما أن الأفران الصغيرة التي انتشرت بشكل كبير جداً غالبيتها لا تعرف شيئاً عن المواصفات القياسية اليمنية المعتمدة كنسب الإضافات من خميرة ومحسنات ولا الاشتراطات الصحية والفنية.
وتؤكد هيئة المواصفات والمقاييس وضبط الجودة أن مهمتها تقتصر على تحديد مواصفات مكونات الخبز والحلويات فقط والرقابة على معامل إنتاجهما في حال دون في المنتج المكونات وتاريخ صلاحية وانتهاء.
ختامًا:
عدم تقيد مطاعم ومحلات وجبات سريعة وأفران ومخابز ومعامل حلويات ومحطات مياه بالاشتراطات الصحية والنظامية والأسعار الجنونية واقع لا ينكره أحد، ما يفرض على جميع الجهات الرقابية المعنية القيام بدورها كما ينبغي، وتعديل العقوبات بما يتناسب مع واقعنا؛ لإحكام الرقابة الصحية فحتى في أكثر الدول الرأسمالية وأكثرها حرية تجارية هناك ضوابط يمنع تجاوزها واهتمام بالقيمة الغذائية وجودة المنتج وضبط للسعر حرصًا على صحة المستهلك حيث لا يقتصر دورهم الرقابي على التفتيش عن التراخيص والسلع المنتهية !

قد يعجبك ايضا