أدب الطفل، أهميته وتطوره

خليل المعلمي

ازداد اهتمام الأدباء في الوطن العربي بأدب الطفل في منتصف القرن التاسع عشر إلا أنها لم تظهر النماذج الأولية إلا في بداية القرن العشرين، حيث تأثر الأدباء العرب بالأدب الغربي وخاصة بما كتبه الشاعر الفرنسي (لافونتين) فترجم الأدباء حكاياته ومنظوماته الشعرية إلى اللغة العربية.
ويُعد الشيخ رفاعة الطهطاوي الرائد الأول في أدب الطفل (1801- 1879م) فهو أول من دعا إلى أدب الطفل بعد عودته من بعثته التعليمية في فرنسا وقد عمل على تنفيذ دعوته أثناء توليه مسؤولية التربية والتعليم فوضع القصص والحكايات الخاصة بالأطفال في المناهج الدراسية وترجم العديد منها من اللغة الإنجليزية والفرنسية إلى العربية وأشهرها (عقلة الإصبع) ونظم العديد من الأناشيد الحماسية والتربوية.
أما عثمان جلال فقد ظهر بعد رفاعة الطهطاوي وكتب كتاب (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ) ضم العديد من الحكايات منها مائتا حكاية مترجمة عن “لافونتين” ووصفها بأنها من أعظم الأدب الفرنسي، أما الشاعر احمد شوقي فهو أول من أسس شعر الطفولة بل ومن نظم شعراً ونثراً للأطفال.
التنوع في أدب الطفل
وأدب الأطفال يتنوع بين القصة والمسرحية والقصة المصورة ويمكن عرضها بعدة طرق ووسائل إعلام مختلفة مثل الكتب والمجلات والصحف والإذاعة والراديو والمسرح والانترنت وأيضاً الكتاب الالكتروني، ولكل وسيلة طريقتها الخاصة بالكتابة لها لكي توصل الرسالة والمعلومة إلى الأطفال وتثقيفهم.
وقد ازدادت الكتابة للطفل خلال الربع الأخير من القرن العشرين فأصبحت هناك وفرة في مخاطبته عبر وسائل اتصال مختلفة فقد انتشرت المجلات والصحف التي تكتب للطفل وتهتم بتنمية قدراته الفكرية والعقلية والتعليمية، كما خصصت قنوات اتصال يومية عبر القنوات الفضائية وزاد الاهتمام كذلك عبر شبكة الانترنت والكتاب الالكتروني والتقنية الرقمية.
وخلال تلك الفترة تشكلت في الواقع ما يسمى بأدب الأطفال وهو يختلف تماماً عن بقية فروع الآداب المختلفة والتي تهم الراشدين، ويكمن هذا الاختلاف في الطبيعة التربوية لأدب الأطفال التي تنهض على خصوصيات نمائية ونفسية ومعرفية كثيرة، وتستدعي في الوقت نفسه اعتبارات فنية متعددة، على أن النهوض بثقافة الأطفال يظهر جلياً في ارتفاع الوعي بقضية ثقافة الأطفال وفنونها ووسائطها، نظرياً وتطبيقياً.
والإقرار بالنهوض الواضح لثقافة الطفل العربي، يدعو المختصين في هذا المجال إلى أهمية تطويره ومواجهة العقبات التي تحول دون انتشاره من أجل الحد من تفاقم مشكلاته القومية والتربوية والفنية والاتصالية، فيسعى أدب الطفل بكل اهتماماته، وما وسعها المحاولة إلى ترشيد تجربة ثقافة الطفل العربي على مشارف الألفية الثالثة وتأصيلها في الثقافة العربية الحديثة، في آفاقها المختلفة.
مبادرات ومؤتمرات
اكتشف المثقفون والمعنيون بأدب الأطفال المخاطر الناتجة عن غياب هذا النوع من الأدب، فظهرت المبادرات والمؤتمرات والندوات التي نظمها الأدباء والكتاب العرب، سعوا من خلال الدراسات والأبحاث إلى النهوض بأدب الأطفال والعمل على تطويره، إلا أن المعوقات موجودة وقائمة ولهذا فالأمر يحتاج إلى تحدي ويتطلب جهداً عربياً شاملاً يستند إلى تكامل ثقافي حقيقي يعمل على مواجهة عوامل تأخر نهوض أدب الطفل العربي.
ومن هذه المعوقات عدم وجود استراتيجية للعمل العربي المشترك تهتم بهذا الأدب كما هو كذلك خارج استراتيجية التربية العربية سواء في المناهج أو في الأنشطة الثقافية، وكذلك النظرة الدنيا إلى أدب الأطفال مقارنة بفنون الأدب الأخرى، وإضافة إلى ذلك فإن القيمة الفنية لما ينتج لأدب الأطفال حالياً منخفضة بسبب انتشار الأمية الثقافية وعدم وجود المتخصصين وانتشار التجارة في هذا المجال.
وكل هذا لا يعني غياب الاهتمام بأدب الطفل العربي, فهناك العديد من البرامج والتي اعتمدتها البعض من الدول العربية لتنمية وتطوير أدب الأطفال، فالحاجة لهذا الأدب ضرورة تستدعيها إرادة بناء الإنسان العربي بالدرجة الأولى بداية من الطفل العربي.
أدباء وكتّاب عرب
ومن الكتاب المشهورين في أدب الطفل في مصر أحمد بهجت رحمه الله، أحمد نجيب وعبد التواب يوسف في بعض إنتاجهما، وأحمد مختار البرزة، ومحمد موفق سليمة، وعبد الودود يوسف وداود العبيدي، وخولة درويش وغيرهم.. وكذلك أماني العشماوي وهي كاتبة قصص للأطفال وآخر إصدار لها “طيري يا طيارة” الفائز بجائزة اتصالات لكتاب الطفل والذي نظم في الشارقة.
أما من الكتاب الأردنيين يمكن أن نشير إلى روكس العزيزي الذي أصدر كتابه الأول للأطفال 1935م، راضي عبد الهادي 1945م، فايز الغول 1965م، عيسى الناعوري 1963م، وطبعاً هذا في فترة الأربعينيات والستينيات، أما في فترة الثمانينيات فقد ظهر الكثير من الأدباء والكتاب الذين أثروا مكتبة الطفل بالإصدارات المتعددة والمتنوعة، كما بدأ الاهتمام بأدب الطفل من خلال الإذاعة عبر برامج متخصصة في عدد من الدول العربية.
ولا ننسى الشاعر والأديب سليمان العيسى الذي اهتم بأناشيد الأطفال عبر كتابه “أراجيح تغني للأطفال” والذي نشرته مجلة دبي الثقافية في العام 2009م ويحتوي هذا الإصدار على العديد من الأشعار والأغاني التي تنمي معرفة الأطفال.. كما كان يكتب العديد من القصص في مجلة المعلم العربي والتي كانت تصدر من العاصمة السورية دمشق.
السمات والخصائص
ولأدب الطفل سمات كما يقول الدكتور: مع د. حبيب بن معلا اللويحق المطيري أستاذ وأكاديمي وناقد في الأدب: ومنها أن يكون مناسباً للمراحل العمرية للطفل، ونقاء مضمونه، وجمال لفظه، وضوحه وسلاسته، وبعده عن التهويل المبالغ فيه، ثم روعة الحبكة والجذب والتشويق- وبالذات في القصة والمسرحية، أما الخيال فهو ضرورة من ضرورات الأدب، فلا أدب بلا خيال، ولكن الخيال المحمود هو ذلك الخيال التصويري المعقول الذي يحلّق بالطفل في أجواء محبته بحيث يُعْمِل عقله وفكره في هذه الأحداث وتتملّك عاطفته.
وقد تناول الدكتور حبيب من خلال كتاباته للأطفال القصة والمسرحية نقداً، والقصة والمسرحية والقصيدة إبداعاً، ولا زال المجال مفتوحًا لكتابات نقدية في معجم الطفل وبنائه اللغوي ومناسبة الأدب للمراحل العمرية من خلال دراسة معيارية وصفية تطبيقية، كما أن باب الإبداع مفتوح على مصراعيه للكتبة المجيدين.
بينما يتحدث الباحث حسن شحاتة في كتابه القيّم: “أدب الطفل العربي – دراسات وبحوث” عن أهمية أدب الأطفال كوسيط تربوي في تنشئة الأطفال وبلورة هويتهم وشخصيتهم فيقول: ” إن أدب الأطفال يوفر سياقا نفسيا اجتماعيا يراعي سمات الإبداع وينميها خلال التفاعل والتمثل والامتصاص من حيث استثارة المواهب، ومحاولة تنمية هذه المواهب عن طريق تحقيق جو من التسامح والدفء العاطفي والحب والديمقراطية”
أدب الأطفال في بلادنا
أما في بلادنا فلا زال أدب الأطفال في باكورة عهده, فالإصدارات قليلة وقليلة جداً والمهتمين بهذا الأدب قلة والإمكانيات محدودة على الرغم من وجود قطاع يعنى بهذا الأدب في وزارة الثقافة، وينقص المبدعون في هذا المجال التشجيع والدعم المادي والمعنوي، وأولى البرامج التي ظهرت للأطفال في الإذاعة كانت للمبدع عبدالرحمن مطهر قدم خلال ذلك قصص مفيدة تناسب أعمارهم وتنمي معارفهم ومداركهم، كما أن هناك محاولات كثيرة لعدد من الأدباء والمبدعين في بلادنا وكانت لهم بصمات واضحة في محاولة إنشاء مجلات للأطفال وفي إعداد برامج تثقيفية تعني بثقافة الطفل في مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، أمثال الأديب منير طلال وغيرهم، كما لا يزال الطفل اليمني يعتمد على نتاجات الدول العربية من أدب الطفل مثل القصص والمجلات الملونة.
وبالرغم من ذلك فيبقى مجال أدب الطفل مجال واسع ورحب ومفتوح أمام المبدعين والأدباء والكتاب وبما يتناسب مع أعمارهم وأفكارهم وبما يحقق تنمية معارفهم ومداركهم فهم أمل الغد وصناع المستقبل.

قد يعجبك ايضا