خروج السعودية من “جنّة عدن”، ودخولها جحيم الموصل

 

أمين أبوراشد*
أوَّل ردَّة فعل مدوِّية تلقَّتها السعودية من مصر، بعد انهيار العلاقات الثنائية على خلفية تصويت المندوب المصري لصالح مشروع القرار الروسي بشأن سوريا والحرص على وحدتها، وهي جاءت من الجامعة العربية، وقَضَت برفض عقد القِمَّة العربية المقبلة ال 28 التي كانت مقررة في مدينة عدن، لعدم أهلية الرئيس اليمني الفار عبد ربّه منصور هادي لرئاستها، وبالتالي منعَهُ من المشاركة بأية قِمَم عربية أخرى لانتفاء الصفة الرسمية والشعبية اليمنية عنه.
إعلان الأمانة العامة للجامعة العربية، على لسان المتحدث الرسمي محمود عفيفي، إلغاء القِمَّة التي كان مقرراً عقدها في عدن برئاسة هادي، جاء على خلفية رسالة من وزير خارجية هادي عبد الملك المخلافي من الرياض، تضمَّنت الاعتذار عن عدم ترؤس اليمن للدورة المقبلة، بعد رفض الإمارات – بصفتها تحتلّ عدن ضمن دول التحالف السعودي- طلباً سعودياً من الجامعة العربية للمضي بترتيبات انعقاد القمة العربية في عدن برئاسة هادي، وهنا بَرَز الدور المصري المُسانِد لموقف الإمارات، مُضافاً إليه مطالبة الحكومة المصرية مدعومةً من عدة دول عربية، بعقد القِمَّة من دون حضور ممثلين عن اليمن وسوريا، لتقطع الطريق على السعودية التي كانت تضع ترتيبات تمثيل سوريا بما تُسمَّى “المعارضة السورية” لحضور قِمَّة عدن.
والمُلفِت أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، شَرَع بتوجيه الدعوات للزعماء العرب لحضور مؤتمر القِمَّة في عدن، بناءً على الطلب السعودي المؤيّد من قطر، لكنه تلقى ردوداً من عدة دول عربية، أكدت رفضها المشاركة في أي تمثيل في القِمَّة إذا تقرَّر عقدها بمدينة عدن، وجاءت الزيارة الأخيرة للأمين العام أحمد أبو الغيط إلى الإمارات، بناء على طلب من الشيخ محمد بن زايد، الذي أبلغه رفضه عقد القِمَّة المرتقبة في عدن، وعدم مسؤولية القوات الإماراتية المحتلة للمدينة عن تأمين هذا المؤتمر، فضلاً عن تأكيد محمد بن زايد، رفضه مشاركة عبد ربّه منصور هادي بأية قِمَم عربية مقبلة، مما أظهر موقفاً إماراتياً متمايزاً عن السعودية، وإعطاء هادي الحجم الطبيعي، بحيث لم يبقَ للسعودية من اليمن سوى شخص عبد ربّه منصور هادي، الذي لن يكون مصيره أفضل من الملك اليمني محمد البدر الذي هرب الى السعودية عام 1962، والرئيس عبدالله السلّال الذي تم الإنقلاب عليه وهو في العراق عام 1967، والرئيس عبد الرحمن الإرياني الذي هرب إلى مصر عام 1974 وبقي فيها، وكما يقول الدكتور محمد البخيتي الأستاذ المُحاضر بجامعة صنعاء: “تاريخ اليمن يشهد أن لا رئيس غادر الوطن اليمني وتمكَّن من العودة الى الحُكم”.
واقترن إلغاء انعقاد القِمَّة المقبلة في عدن، ومحاولة مصر استعادة دورها القومي العربي، وسحب البساط من تحت العرش السعودي، بإعلان الرياض للمرة الأولى منذ بدء عدوانها على اليمن، وقفاً لإطلاق النار من طرفٍ واحد، وقبل اتضاح موقف الطرف الآخر، واستعدادها لوقف عملياتها العسكرية، ليس فقط استجابةً لضغوط الولايات المتحدة وبريطانيا، بعد اجتماع الرباعية الدولية الأخير لتقييم تداعيات مجزرة صنعاء الأخيرة على دار العزاء، بل نتيجة الضربات القاسية التي تتلقاها القوات السعودية على أيدي الجيش اليمني واللجان الشعبية داخل الجنوب السعودي، وكرر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير تصريحاته، عن مؤشراتٍ لإمكانية التوصل لإتفاق يضمن استمرار وقف إطلاق النار، بعد سنة وسبعة أشهر من إعلانه بنفسه بدء الحرب على اليمن، وقال أنه يأمل أن تُقنع الأمم المتحدة أطراف الصراع بالعودة إلى مائدة المفاوضات.

والمُلاحَظ، أن الحراك السعودي المفاجئ، بدا وكأنه محاولة جمع أشلاء سُمعة دولية لمملكة راعية للإرهاب في العراق وسوريا، وتُمارسه مباشرةً عبر القتل الجماعي في اليمن، وجاء الحراك مباشرةً، بعد دعوة أميركية وبريطانية على لسان وزيري خارجية البلدين، كيري و جونسون، بضرورة وقف الأعمال العدائية بعد مجزرة صنعاء، التي اعترفت مملكة آل سعود بالمسؤولية عنها، وإعلان مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة، أن بلاده قررت وضع مشروع القرار المتعلق باليمن أمام مجلس الأمن في مرحلة الانتظار لمدة أسبوع واحد، قبل دعوة أعضاء المجلس للتصويت عليه، وتَرَقُّب ما ستؤدي إليه الخطة الدولية التي أُعلنت في اجتماع لندن وتبناها المبعوث الدولي اسماعيل وِلد الشيخ.
سقط آل سعود في اليمن، وسقطت عنهم دولياً وعربياً الهيبة المزيَّفة، وأُلغي دورهم لصالح مصر في تنظيم القِمَم العربية، ولأن ميزان القوى انقلب عليهم، وباتت النار اليمنية تلتهم جنوبهم بعد أن التهمت خزينتهم ووصلت إلى ودائعهم الخارجية، نقلوا لعبة الدمّ الى مكانٍ آخر، وبدأوا مؤامرة التدخُّل في الموصل من منطلقهم المذهبي التكفيري، وأعرب وزير خارجيتهم عادل الجُبير، عن مخاوف مزعومة من أن يتسبب دخول قوات الحشد الشعبي إلى المدينة بحمَّام دم، وأكد في تصريحاته عند بدء الجيش العراقي عملية تحرير الموصل منذ أيام، أن تنظيم “داعش” سيخسر الحرب في النهاية، ويُخشى من اشتعال حرب مذهبية داخل المدينة في حال تواجد الحشد الشعبي فيها، واستنهض الأتراك مع طموحاتهم العُثمانية للتدخُّل في حرب الموصل في محاولة شقّ الصفوف العراقية وإشعال فتيل التفجير بين أبناء الشعب الواحد، مما استفزَّ أبناء الموصل من السنَّة، وأعلنت شخصيات عشائرية ونيابية عن رفضها الوصاية السعودية على السنَّة، وأكَّدت على وحدة الشعب العراقي، لا بل حمَّلت السعودية مسؤولية أي تحريض في حال حصول أحداث مذهبية ولو كانت فردية بعد تحرير الموصل!
وإذا كانت قيادات ومجموعات مسلحين من إرهابيي داعش، يتمّ تهريبها حالياً من الموصل إلى الداخل السوري، على وقع ضربات الجيش العراقي ومعه المكوِّنات الشعبية العراقية، فإن التحذيرات التي أطلقتها شخصيات سياسية ودينية وعشائرية عراقية مرموقة لكلٍّ من السعودية وتركيا، برفع أياديهما الملطَّخة بالدماء العربية عن الموصل، فلأن هذه التحذيرات ربما تكون آخر فرصة للتعقُّل السعودي – التركي، وآخر بادرة حُسن نيَّة سياسية عراقية، قبل أن ينتقل الإرهابيون تحت الضربات العراقية إلى الداخل التركي من حيث أتى بعضهم، ويعود البعض الآخر الذي صدَّرته السعودية إلى حدودها مع الأنبار العراقية، وينزلق العرش السعودي إلى دفع الأثمان في جحيم الموصل…
* كاتب عربي” المنار”

قد يعجبك ايضا