استمرار الصمود الاقتصادي يتطلب مزيداً من حشد موارد البلد المالية

وكيل وزارة المالية لقطاع الإحصاء والمتابعة الأستاذ أحمد حجــر لــ » الثورة «:

تجميد 500 مليون دولار من احتياطيات البنوك التجارية أضر بالنشاط الاقتصادي لكنه حفّز الحكومة على حشد موارد الدولة

تعثر الرواتب لن يطول وهناك مؤشرات جيدة لتجمع الكتلة النقدية في البنك المركزي

75 % من موجهات السوق استهلاكية وعلى الحكومة انتهاج سياسة إنتاجية لكبح مؤشر الطلب الخارجي

العدوان السعودي استخدم وسائل قذرة ضد الاقتصاد اليمني ولا مفر له من تحمل كامل المسؤولية

الدولة قادرة على تأمين القمح والدواء والمشتقات رغم الصعوبات التي فرضها العدوان

حاوره / محمد محمد إبراهيم

أوضح وكيل وزارة المالية لقطاع الإحصاء والمتابعة الأستاذ أحمد حجــر أن تعثر رواتب الجهاز الإداري للدولة ومنتسبي مؤسستي الجيش والأمن لن يستمر طويلاً.. مؤكداً أن هناك مؤشرات جيدة لتجمع الكتلة النقدية في البنك المركزي، على إثر الإجراءات والجهود التي تبذلها حكومة الإنقاذ الوطني والبنك المركزي اليمني ووزارة المالية باتجاه حشد موارد الدولة الممكنة..
وقال حجــر في حوار صحفي خاص لــ «الثورة»: إن قرار نقل بعض صلاحيات واختصاصات البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى فرع محافظة عدن، إجراء غير دستوري بالمطلق، بل وليس ممكنا تشريعياً وفنياً ومواردً بشرية فـ(80) موظفاً غير مؤهلين في فرع عدن ولا يمكن أن يقوموا بعمل (800) متخصص مالي يعملون في مركز البنك بصنعاء.. مشدداً على ضرورة أن يعرف العالم كارثية استهداف العدوان السعودي للاقتصاد اليمني..
وتطرق وكيل وزارة المالية إلى مجمل القضايا ذات الصلة بالتداعيات الكارثية على الاقتصاد الوطني وملف التهرب ومؤشرات السوق اليمنية، وممكنات استمرار الصمود المالي والاقتصادي أمام تحالف العدوان ومواليهم: قضايا أخرى إلى التفاصيل:

*  بداية أستاذ أحمد .. ضع القارئ أمام صورة تقريبية للوضع الاقتصادي في البلد بعد ما يقارب العامين من العدوان والحصار.. ؟!
–  الوضع الاقتصادي الذي وصلت إليه اليمن كارثي سواء نتيجة الأساليب والوسائل غير القانونية التي بدأت مع أول ضربة للعدوان والتي تراكمت وصولاً إلى نقل بعض صلاحيات واختصاصات البنك المركزي والتضييق على البنوك التجارية في التعاون مع البنوك الأجنبية، بالإضافة إلى منع الإيرادات من التدفق إلى الخزينة العامة للدولة من المناطق التي تحت سيطرة العدوان ومواليهم.. كل هذه أوصلت الاقتصاد إلى مرحلة حرجة جداً..
*  ما الصلاحيات والاختصاصات التي تقصدها من قرار نقل البنك.. ؟؟ وإلى أي مدى أثرت هذه الصلاحيات على الاقتصاد الوطني..؟
– البنك لم ينقل – كما أشرت سالفا.. بل نُقلت بعض اختصاصاته المحورية ذات الصلة بالتعامل مع الجهات المانحة والبنوك الخارجية وريع الموارد التي تقع تحت سيطرة العدوان.. الأخطر من ذلك أنه تم تجميد الاحتياطيات التي تمثل ما يقرب من 500 مليون دولار للبنوك التجارية والمجتمع وبالتالي جمدت قدرة البنك المركزي وأوقفت البنوك التجارية من تمويل السلع الرئيسة.. لكنه حفز الحكومة والجهاز المالي بصنعاء على ضرورة حشد مواردها.
هذه محاولة لجعل البنك أداة ضغط اقتصادية رئيسة على الاقتصاد اليمني سواء كأداة من أدوات التفاوض أو كأداة من أدوات إيصال المجتمع إلى مرحلة الانهيار والفوضى.. تحت تأثير عجز البنوك وبالأساس المركزي في توفير السلع الرئيسة التي يعتمد المجتمع اليمني بدرجة رئيسة عليه وبالأخص في القمح 95%، الدواء 100%، المشتقات النفطية من 70-80% وبالتالي هذا القرار خطوة مؤثرة باتجاه الحرب الاقتصادية القذرة، لكي تصل البلد إلى مرحلة الانهيار والفشل الاقتصادي وبالتالي خلق فوضى داخلية تساعد دول العدوان من تحقيق أهدافها السياسية لإعادة ما يسمى بالشرعية لكي تخرج دول العدوان من المسؤولية الأخلاقية والقانونية والدينية والاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في إعادة ما دمَّرته طلعاته الجوية المعادية.. ولكن للأسف ما يزال الملف الاقتصادي في منأى عن المفاوضات أو ما يزال مهمشاً جداً..
* تشريعياً وفنياً وموارد بشرية.. كيف تقرأون قرار نقل البنك المركزي أو بعض اختصاصاته المحورية..؟!
– تشريعيا وفنياً وموارد بشرية.. ليس ثمة ما يبرر القرار على الإطلاق.. فتشريعياً تنص مواد الدستور على العاصمة صنعاء كعاصمة ومقر للمؤسسات السيادية.. وتغيير ذلك لا يتم بقرار جمهوري إلا بعد تعديل الدستور وفق تصويت تحت قبة البرلمان، ومن ثم يتم  الاستفتاء الشعبي العام على التعديلات مشروطاً بأغلبية كاسحة أو مقبولة..
أما فنياً فلا يوجد إمكانية للنقل، فأنت بحاجة إلى بنية تحتية جديدة ملائمة لوظائف بنك مركزي يدخل تحت مظلته أكثر من 30 مليون نسمة.. المسألة ليست فرع بنك أو عمارة لأكياس النقود.. فيما الجانب الإداري هو الأكثر مناعة ومستحيلاً لنقل البنك المركزي فموظفو فرع البنك المركزي اليمني في عدن لا يتجاوزون 80 موظفاً غير مؤهل.. بينما يدير العمل في صنعاء أكثر من 800 موظف مؤهل، أركان الاقتصاد الحقيقية موجودة في المناطق التي تحت سيطرة البنك المركزي في صنعاء.. وهناك لا توجد أكثر من 15- 18% من موارد الاقتصاد.. ليست مصباتها كلها في فرع البنك المركزي بعدن بل يتصارع عليها القوى الموالية للعدوان في مارب وحضرموت وعدن.. ناهيك عن تنظيم القاعدة الذي استهدف فروع البنك والبنوك التجارية الأخرى في المحافظات الجنوبية من الوطن..
*  ماذا عن واقع  تأمين القمح والدواء في الأشهر القادمة… ؟
– رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية القائمة والتي فرضها العدوان إلا أن هناك خطوطاً آمنة لتأمين القمح والدواء والمشتقات.. لكن يجب أن تدرك حكومة الإنقاذ وقيادة المالية الجهاز المصرفي وعلى رأسه المركزي، أن أي دولة في العالم مرت وتمر بظروف اقتصادية طارئة كالتي تمر بها اليمن، ركزت كل جهودها على حشد مواردها الداخلية.. وفق خطة واقعية تستطيع الحفاظ على استدامة حركة أنشطتها الاقتصادية والإنتاجية ذات الصلة بالغذاء، فعلى سبيل المثال، لو شكلنا التجربة السياسية التعاونيات السابقة لإنعاش القطاع الزراعي في المناطق المتاح فيها فرص الزراعة، والبلد لديها عمالة فائضة كبيرة في هذا الجانب.. فقط يجب توفير البذور ووسائل الري الحديث والتسويق وتنظيم السوق مع ضرورة أن يدرك الجميع ضرورة الترشيد الاستهلاكي، إذ أن أكثر من 70% من احتياجات السوق موجهة للاستهلاك، فإذا حققت هذه الخطوة، مع ترشيد الاستهلاك فبإمكانك تخفيف مؤشر الطلب الخارجي.. النقطة الأخرى، البنوك التجارية نفرت الأفراد وكبار رجال المال الذين لديهم سيولة نقدية ممتازة سواء بعملة محلية أو عملة أجنبية.. عبر إجراءات غير واقعية ما جعلهم ممسكين لأموالهم دون إيداعها.. فعندما يقول البنك لرجل المال: أودع عندي مليار ولن اسمح لك إلا بسحب مليون ريال يومياً..؟ فكيف يغطي عملياته التجارية عليك أن تربط ودائع رجال المال والأعمال بتوفير احتياجاتهم عبر إجراءات مقننة تضمن عدم تهريبه للأموال أو المضاربة في السوق، تكفل استمرار نشاطه التجاري والاقتصادي في السوق..
* راهناً ما الواجب على المعنيين في الجهاز المصرفي الوطني باتجاه تعزيز الصمود المالي.. ؟!
– الآن يجب السعي الحثيث والعاجل لخلق تنسيق مكثف بين البنوك والصرافين وقطاع المال والأعمال والقطاع الحكومي لعمل رؤية واقعية إجرائية تترجم في عدد من الإجراءات التي تساعد على توفير جزء من السيولة النقدية المتوفرة داخليا في صورة ودائع لدى الجهاز المصرفي والتي تستطيع أن تحركها في دورة اقتصادية تتوفر على تناميها قروض إنقاذاً للبنك المركزي وللحكومة لتمويل العجز.. كما يجب على هذه البنوك ورجال الأعمال أصحاب الشركات العائلية العريقة توفير نقد أجنبي من أرصدتهم في الخارج أو في الداخل.. لتوفير سلع رئيسية تغطي الحاجة الضرورية والاستهلاكية، وأن لا يتيحوا المجال التنافسي لمن تسيرهم قوى العدوان المراهنة على امتصاص سيولة البلد.. وإلى جانب هذا التنسيق المشفوع بضمانات صادقة في مسار التعاون المالي والاقتصادي بين الدول القطاع الخاص والمجتمع.. هناك مسألة الترشيد الاستهلاكي التي يجب أن تنتهجها الحكومة وأجهزة الدولة والمجتمع، لتخفيف الطلب الخارجي.. كما يجب على الجميع عدم الانشغال بمجريات العدوان السياسي وتجاذبات المشهد الجدلي، بل يجب المضي بفكر جاد من شأنه  تفعيل الاقتصاد الوطني والقومي ولدى البلد مقومات هامة.. هذه الخطوات الإجرائية سيتوقف عليها أمران الأول تعزز عملية الصمود الاقتصادي والنقدي وبقاء الاقتصاد في مواجهة العدوان.. الأمر الثاني مواجهة حقائق الواقع القاسية بقدرات ذاتية وطنية ستأتي ثمارها في المستقبل من خلال التأسيس لشراكة أوسع، شريطة توفر الضمانات الكافية لأصحاب الرأس المال الوطني..
تجمع الكتلة النقدية
* ما هي مؤشرات تجمع الكتلة النقدية.. بعد إجراءات حكومة الإنقاذ الوطني خصوصاً قرار إلزام الوحدات الإيرادية لجهاز الدولة توجيه إيراداتها لخزينة الدولة…؟؟
– هناك مؤشرات جيدة.. غير أن الأهم هو أن الإجراءات اتخذت وأعلنت ولا بد أن تأخذ مداها الذي أظنه قصير إن شاء الله.. لتأتي تباعا لذلك مؤشرات تجمع الكتلة النقدية.. بحيث تستطيع أن تعيد الدورة والحركة للبنك المركزي الذي لا يملك رصيد نقدي.. لأنه مول خلال السنوات السابقة عجز الموازنة.. واستنفذ رصيده من النقود.. لذلك فإن من الضروري والجيد قيام الدولة مع البنك المركزي على تحديد النفقات الضرورية، لتشغيل أجهزة الدولة الإيرادية التي يجب عليها أن تورد كل ريال إلى البنك المركزي دون الاحتفاظ بها في خزائنها الخاصة أو فتح حسابات خاصة.. واللعب بالأموال وفتح نوافذ للفساد.. والرهان الحقيقي على تعاون تنسقي بين البنك المركزي والبنوك الوطنية على توفير سيولة نقدية لتغطية العجز..
*  في هذا الاتجاه ما المهمة الرئيسة لوزارة المالية والبنك المركزي اليمني..؟ وكيف سيتم ضبط تنفيذ هذه الإجراءات..؟
– المهمة الرئيسة لوزارة المالية والبنك المركزي وحكومة الإنقاذ بوجه عام هو كيف نستطيع أن نحصل ما تستحقه الخزينة العامة من كل المؤسسات  والأفراد ومن كل المستويات وكيف تستطيع أنك تضع أولويات حقيقية وواقعية للإنفاق وتغلق مكامن منافذ الفساد في المال العام.. فأي تلاعب بالمال العام هي مخالفة دستورية لا جدال فيها.. وهذا يجعلك كدولة رقيباً بالتشريع والقانون والدستور.. ولضبط التنفيذ اتخذ القرار والزم الناس بتنفيذ القرار إذا لم ينفذ القرار عندك الإجراءات واضحة.. والأهم هنا أنه يجب عليك كدولة أن تبدأ من بيتك بحيث تنظم مساراتك العملية في أجهزتك في التوريد والإنفاق وإدارة موارد الدولة..
*  في حال التزمت الوحدات الاقتصادية الإيرادية بهذه الإجراءات.. متى تتوقعون إنتهاء أزمة السيولة.. ؟
– لا استطيع أن أحدد مدى زمن لاجتياز هذه الظروف الصعبة المتمثلة في أزمة السيولة.. لكن رئاسة الوزراء والقائمين عليها. يؤكدون أن المدة ستكون قصيرة إن شاء الله..
ريع الإيرادات
*  حاليا ما هو واقع الإيرادات.. إذا ما قارنا بين العام 2016م وسابقه..؟!
– إذا كان العام 2015م شهد انخفاض 53% لأن النفط 70% انتهى.. ففي 2016م سيكون الانخفاض أكبر.. ودون تنفيذ رؤية حكومة الانقاذ الوطني بحذافيرها سيظل المؤشر في اتجاه الانخفاض في العام 2017م.. في 2015م كان عندي ثلاثة أشهر قبل العدوان صدَّرَت فيها نفط وغاز.. لكن في عام 2016م أُقفل نهائياً.. أيضاً في العام 2015م كان عندي سيطرة على منافذ جمركية وهي هذا العام تحت سيطرة العدوان، ومنها تتدفق كوارث إغراق البلد بسلع دول الجوار ولكن خارج الدوائر الضريبية والجمركية.. كما كانت معظم مؤسسات القطاعين العام والخاص عندها قدرة على التشغيل في العام 2015م رغم العدوان لكن الآن في العام 2016م تراجعت كبيراً..
وبالمقابل رغم كل العدوانية الاقتصادية القذرة التي لا تزال مستمرة وقد تنخفض قوتها بين الحين والآخر من قبل العدوان السعودي.. إلا  إجراءات ساهمت في تحقيق إيرادات، وهناك صبر وحكمة يمنية جعلت الشعب يتكيّف مع أصعب الظروف.. وبدأ متقشفاً ممسكاً على ما بيده من بعض النقود لمواجهة الظروف الأشد في حسبانه.. هذه الميزة ساهمت في اتزان العرض والطلب في السوق وبالتالي استقرار السوق، صحيح أن هناك ارتفاعات سعرية لكن ليست بالكبيرة.. هذه الأوضاع الراهنة تعتبر مقبولة مقارنة بحجم العدوان السعودي الهائل وما كان يتوقعه من أنه سيحسم المعركة في أسبوع..
حرب الجمارك والتهريب
*  ما يتعلق بدخول السلع خارج الدوائر الجمركية والضريبية.. برأيكم ما هو هدف العدوان منها خصوصا وهو يسيطر على منافذ حدودية يمرر عبرها سيل الإغراق..؟
– الهدف واضح أولاً حاصر البلد وخنق شركة النفط اليمنية بالحصار الخارجي وأتاح فرصة لمواليه في السوق السوداء عبر الفترات الماضية.. ومن خلال السيطرة على المنافذ تستفيد من مواردك وتحاربك بها مرة أخرى ولكي تكون أداة من أدوات تحديد مسار المعركة والضغط عليك.. عبر امتصاص السيولة من الوطن وإعاقة أكبر دوائر إدارة السيولة في البلد وهي شركة النفط والشركات الوطنية الأخرى كالتبغ والكبريت وشركة كمران والمؤسسة الاقتصادية وشركات الصناعات الغذائية.. من خلال تمرير منتجاته من المنافذ المسيطر عليها وخارج القانون الجمركي والضريبي ليتسبب في أكثر من معضلة الأولى: حرمان الخزينة العامة من الريع الإيرادي المفترض كعائدات لجمارك وضرائب هذه السلع.. ثانياً التهريب العلني لضرب المنتج الوطني عبر تهريب هذه المنتجات لإغراق السوق اليمنية بأسعار أقل.. مقابل أن الحصار قد أدى دوره في رفع سعر الواردات من المواد الخام التي تدخل في صناعة المنتج المحلي.. التهريب المغرق للسوق هو الآفة الأكثر إضراراً على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمع..
*  بالنسبة للسوق السوداء.. ما هي عوامل اختفاءها من منظور اقتصاد السوق..؟
– بحسب البيانات المتوفرة لدينا.. تتركز أبرز عوامل تلاشي السوق السوداء ارتفاع سعر النفط في السوق الدولية وبالأخص إلى البلدان التي يترتب على الدخول إلى موانئها مخاطرة.. كاليمن التي تقع موانئها تحت أهداف طائرات العدوان.. وبالتالي تكاليف النقل والتأمين مرتفعة أيضاً دول العدوان تبتزَّ الناقلات التي تدخل موانئنا بفرض عمولات تتقاضاها بعض القوى النافذة.. في المناطق المحتلة وهذا ما يستبعد أن يكون سببا للسماح بدخول بعض السلع ومنها المشتقات.. بالإضافة إلى أنه لا يستبعد أن هناك تنسيقاً بين بعض القوى المسيطرة على السوق المحلية في قطاعات السوق ومنها النفط وسلع أخرى من الصادرات والواردات.. وهي من القوى الفاقدة للضمير حيث تتواطأ مع دول العدوان لضرب الموردين العاملين مع الدولة في صنعاء وبالأخص شركة النفط.. بصورة واضحة… بل صار استغلال هذه القوى جزءاً من الحرب الداخلية..
هذه العوامل مع قرار تعويم المشتقات ساهمت في اختفاء السوق السوداء.. الحرب الاقتصادية ليست عشوائية وإنما مخططة ومدروسة وبخبرة وبتنسيق مع إخواننا في الداخل للأسف، ونحن ندعوهم أن يتقوا ويؤمنوا بأن العدوان لا يريد مصلحة اليمن لا من قريب ولا من بعيد.. وإن كلما تتمناه السعودية هو إعادة ما يسمى بالشرعية إلى صنعاء لأسبوع فقط وبعدها يصطلح اليمنيون أو يحترقوا ما يهمها.. فليس ذريعة الشرعية حبا في المستقيل هادي وحكومته في الرياض وإنما لتفلت من مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والجنائية ومسؤوليتها تجاه إعادة ومعالجة أضرار عدوانها البربري..
حملة الجمارك
*  بالعودة إلى مستوى حشد الموارد المالية لحل أزمة السيولة… هل حققت حملة الجمارك لترسيم المركبات مؤشرا جيدا من الإيرادات..؟
– هذه الحملة رغم بعدها الاقتصادي والمالي الذي يأتي في إطار حشد الموارد المالية من استحقاقات الحكومة لدى ملاك المركبات، إلا أنها تحمل بُعْدَيَن الأول أمني في ترسيم وترقيم المركبات التي داخل البلد لمحاصرة الجريمة التي تأتي عبر فوضى المركبات غير المرقمة.. والثاني مالي اقتصادي وأعتقد أنها حققت تدفقاً جيداً لخزينة الدولة لكنه ضئيل جداً مقارنة بحاجة البنك من السيولة لتغطية رواتب جهاز الدولة والنفقات التشغيلية وتأمين السلع الأساسية.. صحيح أن الجمارك قدمت تنازلات لا بأس بها من استحقاق الخزينة العامة.. لكن هذه الخطوة اضطرارية ليس من ناحية السيولة بل من الناحية الأمنية..
*  على ذكر الرواتب.. هل من أفق انفراجة لمعضلة تعثرها.. ؟
– في ظل الظروف الصعبة، المقرونة في نفس الوقت بجهود حثيثة من قبل رئاسة حكومة الإنقاذ الوطني ومن قبل وزارة المالية والوحدات الاقتصادية التابعة لجهاز الدولة المصرفي والمالي.. أعتقد أن مدى التعثر لن يدوم طويلاً.. غير أن الجواب الأدق تفصيلا في المسار الزمني هو عند متخذ القرار أي في رئاسة مجلس الوزراء..
–  تشكيل حكومة الانقاذ الوطني يعني إضافة عبء نفقاتي تشغيلي لتسيير الأعمال.. كيف ستواجه المالية والبنك المركزي هذا العبء..؟! المالية والبنك المركزي والحكومة بنفسها، الجميع يدرك أن المرحلة القادمة تحتاج إلى تعاون الجميع ورؤية واقعية لأولويات النفقات لا بد أنها توجد رؤية واقعية عملية كيف استطيع أن أبقي الأجهزة والأدوات الرئيسية في اتخاذ القرار والمحافظة على نظام الدولة.. لأن انهيار البلد أخطر بكثير من أي مؤشرات أخرى وبالتالي يجب الأخذ بالاعتبار هذه الأمور لكن يجب على الجميع وبالأخص الوزراء التنازل عن قائمة المستحقات إلا ما كان ضروري جداً لكي يعايشوا الوضع القائم.. واعتقد جميعهم متفهمون أن المرحلة مرحلة تكليف لا تشريف..
*  يرى بعض المراقبين أن واقع اليمن مرشح لأن ينهض ذاتياً شريطة وقف العدوان ومواجهة الحقائق التنموية الماثلة ذاتيا دون اللجوء لأي قروض خارجية.. عبر توحيد واستثمار رأس المال الوطني وفتح آفاق الشراكة المجتمعية وثقافة الاكتتاب.. ما هي ممكنات اليمن في هذه الاتجاه..؟
– أي دولة في العالم إذا رفع العدوان ورفع الحصار، ومن تحمل المسؤولية يعرف ما هو واقع البلد بغير رتوش وبغير مجاملات يعرف مكامن اشكاليات واختلالات الفساد في الاقتصاد.. وهذه المعرفة أولى الممكنات إذا توفرت سيترتب عليها وضع رؤية واقعية لحشد الموارد الذاتية والطاقات البشرية التي تزخر بها اليمن.. يأتي بعد ذلك الضمانات الكافية لتحريك الأموال المجمدة لدى المؤسسات الخاصة ولدى المجتمع وفق عمل مؤسساتي يجعل المجتمع كله شريكاً في اتخاذ القرار من رئيس الجمهورية إلى أدنى فرد في المجتمع، بحيث يستشعر الكل أنهم من أبناء هذا البلد وأنهم المتضررون من تضرره والمستفيدون من استقراره.. كما أن لدى اليمن إمكانيات متاحة فقط قصقص مكامن الفساد وضع رؤية كاملة وضع توافق بين أبناء المجتمع  وضع رؤية للأولويات افتح مجالا وتعاونا مع العالم الخارجي تعاون مدروس مرتبط بمصالح مشتركة كما أسلفنا.. وكل العالم يبحث عن فرص استثمار وأنت عندك فرص متاحة اعمل فقط منافسة حقيقية وضع دراسات متكاملة في كل قطاعات وأنشطة الاقتصاد القومي.. شغّل موارد الاقتصاد كاملة ادخلْ موارد جديدة وبإذن الله سيوفقك الله إلى ما هو صحيح..
*  لكن رأس المال الوطني الأجنبي غادر البلد.. ماذا لاقى الاقتصاد الوطني جراء ذلك..؟ وكيف تقيم رأس المال الوطني العام والخاص حاليا..؟
– بالنسبة للاقتصاد الوطني فقد تحمل تكلفة اقتصادية واجتماعية وإنسانية أعتقد أنها أعادت اليمن 20 سنة إلى الوراء.. ويجب أن تتحمل دول العدوان كامل النتائج المترتبة على ذلك.. ولا يجب التنازل عن هذا الحق لأنه اعتداء ظالم باغ غاشم بغير أي وجه حق.. وما الشرعية إلا قميص عثمان… لقد أضروا بالمجتمع أضرارا لا تتوقف عند ضحايا الحاضر من المدنيين والعسكريين.. بل لن تظهر نتائجها الحقيقية إلا بعد عقود قادمة.. فالأطفال الذين نجوا من القصف تعرضوا للانحراف والتسرب من التعليم والأمراض، وينتظرهم انعكاس ضرر المواد العنقودية المحرمة دولياً على المياه والبيئة والزراعة.. النتائج الكارثية ستكون فاجعة للعالم.. لأن التقديرات تؤكد أن الطلعات أكبر من الحرب العالمية على مساحة صغيرة جداً..
أما بالنسبة لرأس المال الوطني الخاص بالذات بطبيعة الحال هو جبان يفر من المخاطر ويبحث عن البيئة الآمنة، وبالتالي متى ما وجد الأمن سيأتي رأس المال الوطني والخارجي.. لكن هناك مشكلة بل معضلة مزمنة فمع احترامي لكثير من رجال المال والأعمال اليمنيين الذين ربطوا مصيرهم ونشاطهم بسياسة الاقتصاد السعودي وبالتالي خرجوا لأسباب سياسية وليس اقتصادية .. فأنا في تصوري السياسات التي تكون في المقام الأول ذات توافق وطني.. تؤكد أن الوطن يتسع للجميع توفر بيئة حقيقية للمنافسة، وسترجع رؤوس الأموال الوطنية.. وسيتعافى الاقتصاد الوطني إذا صدق الراجعون إلى الصف بناء على منطلقات قرار العفو العام..
* بالعودة إلى تغييب الملف الاقتصادي في المفاوضات السابقة.. فكيف أُغفل هذا الملف..؟
– نعم .. اغفل الجانب القانوني والاقتصادي في المفاوضات.. فلم يتم اطلاع المجتمع الدولي على التداعيات الكارثية التي تمس الإنسان اليمني، والمترتبة على الحصار الاقتصادي كأداة قذرة في الحرب…..
* مقاطعاً- ما الرسالة التي تريد إيصالها للمعنيين بخصوص الملف الاقتصادي والمفاوضات القادمة..؟!
– يجب على المعنيين السياسيين في أي مفاوضات، الأخذ بالاعتبار ركيزتين هامتين الأولى دراسة الملف الاقتصادي دراسة متكاملة وجعل ملف الاقتصادي أول نقطة من نقاط البحث أو التفاوض.. الثانية  لا بد أن في الوفد المفاوض مختصون قانونيون لدراسة مدى قانونية ما يطرح من الجانب الآخر في القانون الدولي والقانون العرفي الإنساني.. صحيح قد أكون فصيح في الجانب السياسي لكن يجب أن أسند مفاوضاتي إلى جانب علمي معرفي قانوني في الملف الاقتصادي.. بما يساعدني أن أوضح وجهة نظري الاقتصادية وكشف ما تتعرض له معيشة وحياة الإنسان اليمني جراء استهداف العدوان لاقتصاد البلد قصفا وحصاراً للعالم الخارجي.. ولمن يرعى مجريات التفاوض.. وبما يساعدني أن أكون ملماً بوسائل الحرب الاقتصادية كاملة وما هي نتائجها..
أخيـــــــــــراً:
*  كلمة أخيرة تُوّدُون قولها أستاذ أحمد ..؟
– الكلمة الأخيرة.. يجب أن تكون عندي رؤية بما يخطط له الطرف الآخر.. من خطط عدوانية تستهدف الاقتصاد عبر حصار البلد خارج القانون الدولي وخارج قرار مجلس الأمن أيضاً وفضح هذه الخطط وفق معطيات اقتصادية تتجلى فيها الحرب القذرة.. كما يجب أن أسعى لكسر الحصار بفتح علاقات تعاون حقيقية مع كل دولة خارج دول العدوان وبما يتفق والمصالح المشتركة..

قد يعجبك ايضا