موجة الفساد !

ابراهيم الحكيم
* عاد إلى الواجهة بقوة، الحديث عن الفساد كما لو أنه واقع مستحدث أو ظاهرة دخيلة أو مشكلة وليدة اللحظة أو السنة أو السنتين الاخيرتين .. وتنوعت غايات المتحدثين عن الفساد ما بين النقد والكيد، وكما هي العادة ظل الفساد بين المناصحة والمكايدة، يسرح ويمرح في كل ظرف وزمان مع اختلاف حجمه ومساحة انتشاره.
قطعا الحديث عن الفساد، لا يخلو من تجن ومبالغة. يواجه اليمن عدوانا غاشما وحاقدا استنفد كل قدراته العسكرية والاقتصادية وأساليب الدعاية السوداء والحرب النفسية لإرجاف جبهة التصدي له وتفتيت اتحادها وثبات صمودها ضد أهدافه. لكن ذلك أيضا لا يعني انتفاء وجود أي ممارسات فساد أو اختلالات وأخطاء بالمطلق .
الأخطاء واردة والتجاوزات تحدث في الظروف الطبيعية وتبعا قد تكثر في الظروف الاستثنائية .. نحتاج جميعنا الاقرار بذلك وفي المقابل لا يجدي الإنكار المطلق ولا الاستهتار بالادعاءات والاتهامات وتوصيفها جملة وتفصيلا ومن دون أدنى تحقق في خانة “كيد وشائعات” حرب العدوان النفسية وأعوانه، فمثل هذا ينشر الشائعات ولا يدحضها أو يجعلها تنحسر!.
هناك بوابتان لادعاءات الحديث عن الفساد .. الأولى هي التعيينات في وظائف الدولة والقيادية منها ومعايير هذه التعيينات وأنها “أسرية” أو من طرف سياسي بعينه وتفتقد المؤهل والتخصص والخبرة .. وهنا ينبغي أن يكون الحديث – ادعاء ودفاعا – متجردا من الشخصنة إلى اثبات اعتماد أو انتفاء معايير الكفاءة المهنية وليس غيرها.
تظل الوظيفة العامة حقا أصيلا لكل يمني ويظل الأهم في التعيين ليس من أي أسرة أو منطقة أو قبيلة أو طرف أو مكون سياسي؛ بل هل هو مؤهل لشغل هذا الموقع أو ذاك ؟ .. وهل هو أكفأ الخيارات المتاحة في هذه الوزارة أو المؤسسة أو الهيئة أو تلك .. ذلك هو الأهم وما ينبغي أن يكون مطلب الجميع وأساس النقد والتقييم بهدف التقويم.
أما البوابة الثانية لموجة الحديث عن الفساد فهي إدارة المال العام، وهنا أرى مبالغة وتجنيا في اتهام سلطة “انصار الله” بالفساد، فهو ورغم كون وجوده حتميا في كل زمان ومكان بنسب انتشار واشهار متفاوتة، لن يرقى إلى فساد عهد هادي الذي تصدرت به اليمن التصنيف العالمي، ولا ما سبق عهد الفار هادي، في ظل “تراجع ايرادات الدولة 75% منذ 2015” بحسب بن همام.
مع ذلك، أرى أن التحقيق في اتهامات بالفساد واجب ملزم لاعذر عنه وأن تفعيل المحاسبة والعقاب علنا لمن ثبت فساده أو كذب ادعاؤه كفيل بتبديد الهواجس والظنون، وتأكيد النزاهة والثقة، وتعزيز ملحمة صمود الشعب في مواجهة العدوان وحربه الدعائية والاقتصادية القذرة التي يصعد شنها على الوطن لكسر إرادة الشعب واخضاعه لوصايته.
مطلوب يا سادة للفلاح وإنهاء كثير من مواطن الاختلال ومكامن الاعتلال، فقط إنفاذ سيادة القوانين والتزام جهات الاختصاص بأحكامها ولوائحها كافة وتطبيقها على الجميع بلا انتقاء أو استثناء أو إعفاء، فهذه الثلاثية (الانتقاء من القوانين نوعا وزمنا، والاستثناء في تطبيقها افرادا وجهات، والاعفاء من عقوبات خرقها) هي أس الداء ومصدر البلاء!.
نريد إذا أن تغدو لغة القانون هي عملة التعامل والمعاملات الاجراءات والتوجهات كافة، ونتطلع إلى أن تعلن الجهات المختصة انواع المخالفات وأسماء المخالفين وأسماء النيابات المحالين اليها، وأن نسمع ونشاهد محاكمات وأحكاما قضائية وتنفيذا حازما وصارما لها وعلانيا لعقوباتها بحق المخالفين أو المدعين كذبا.
صحيح أن العدوان على البلاد في تداعياته وآثاره وحربه الإعلامية والنفسية، سبب في حدوث الاضطراب وانعدام الاستقرار العام، وصحيح أنه امتداد لموجة “إسقاط النظام” بقضه وقضيضه وإحلال الفوضى العامة في المفاهيم ونسف الثوابت ومسخ القيم، لكن هذه الظروف تستدعي أكثر فرض النظام بأي شكل وقدر، ولا تبرر تجاوزه أو خرقه بأي حال.
باختصار أكثر .. نذكر بالآتي:
الطعن في ذمة أحدهم كذبا فساد
والدفاع عن عديم ذمة، أيضا فساد
الحديث عن “الفساد” بلا حساب، فساد
الارتهان للتخمين والتكهن والظن فساد
والتجاهل للادعاء والتغافل عنه فساد
والتواكل في مهمة الاثبات أو النفي فساد
التقاعس عن واجب التقصي والتحقق فساد
والتساهل في الردع ضبطا وعقابا، فساد

قد يعجبك ايضا