هنا يكمن الحل !!

أحمد يحيى الديلمي

من ملأوا الدنيا ضجيجاً عن الإسلام باعتباره المنقذ والطريق الوحيد لخلاص البشرية من كل ما تعانيه ، انطبقت عليهم مقولة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في رده على الخوارج حين رفعوا شعار ” إن الحكم إلا لله ” قال عليه السلام : ” كلمة حق يراد بها باطل ” ، المشهد ذاته يتكرر اليوم من قبل من يمكن أن نطلق عليهم خوارج العصر وإن كان وصف الخوارج قليل في وصف هؤلاء ، فالجرائم والممارسات التي يقدمون عليها والأفكار التي يؤمنون بها ويسوقونها تخطت بكثير أفعال الخوارج في الزمن الغابر ، وإن كان وجه الشبه يتمحور في موضوع التعاطي النفعي الانتهازي مع أحكام الشريعة الإسلامية ، مع التسليم بأن الإسلام بمنهجه القويم وأحكامه الضافية فيه فعلاً خلاص البشرية ، إنما أنَّى لعاقل أن يتقبل مثل هذا الكلام من إنسان فمه محشو بالرصاص وعقله ملوث بأفكار التكفير والتفسيق والتبديع وجسمه مفخخ بمتفجرات الفناء والإبادة لغيره من البشر ، أعتقد أنه حتى المسلم العاقل الذي لا يفقه شيئاً من أحكام الشريعة لا يمكن أن يقبل الدعوة من أمثال هؤلاء أو الحوار معهم ، فكيف بالمسلم الذي يفقه أحكام الإسلام السمحة وقيمه النبيلة ، بالفعل سيرفض مثل هذه الدعوات الشيطانية لأن العقول المختلة التي أصابها الداء، داء العمالة والخيانة والتبعية والانصياع لرغبات الآخرين لا يمكن أن تقدم خيراً  ، أو تحمل أي خلاص، لذلك سرعان ما باعوا نفوسهم للشيطان .
الإشكالية أن هذه الجماعات الضالة لا يتوقف  انحرافها على اعتساف النصوص وتسخيرها لخدمة مآرب خاصة ، لكنها للأسف تحاول فرض وصاية على الدين وتدعي التفرد بامتلاك الحقيقة وتحول هذه المزاعم إلى سلطة رمزية تتحكم من خلالها في مصائر ومسارات المجتمعات ، وتعتبر هذه الدعوى حجر زاوية لاستقطاب وتضليل الشباب ، وتتعمد قتل كل وعي معرفي  يتعارض مع ما تؤمن به أو يخالف فهم الجماعة للدين ، وإن تعلق الأمر بالمندوبات غير الواجبة والأعمال المستحبة فإنهم يبادرون إلى أعمال الترويع والترهيب وإباحة دماء المخالفين وإن بالشبهة أو الظن ، فالجماعات تعتبر أي فكر مخالف لها خطراً وجودياً عليها ولا بد من مواجهته والقضاء عليه ، وهنا لا نستغرب أن هذه الجماعات بادرت إلى قتل عدد كبير من العلماء المتنورين وأساتذة الجامعة الغيورين على الدين بدعوى الانتصار للدين حتى أضحى من يتصدى لضلالهم أو يقف أمام مشروعهم السياسي الهدام مرتداً أو كافراً ، مباح الدم لأنه في نظرهم خرج عن منهج العقيدة وإن كان هذا المقصود على درجة عالية من العلم والتقوى والإيمان وأكثر معرفة بأحكام الدين ، لذا نجد  أنهم بادروا إلى قتل الشيخ الذهبي والدكتور فرج فوده في مصر ونمر النمر في السعودية والدكاترة المرتضى المحطوري وأحمد شرف الدين وعبدالكريم جدبان في اليمن .
الإحساس العميق من قبل هذه الجماعات بخطر هؤلاء على وجودهم اقتضى تصفيتهم باسم الدين ، وهناك العشرات تمت تصفيتهم بهذه الدعاوى الباطلة ، لذلك نجد أن هذه الثقافة الإجرامية لا علاقة لها بمشروع الخلاص الإسلامي بقدر ما تمثل تعبيراً واضحاً عن أزمات نفسية جعلت هؤلاء يؤمنون بإسلام الرصاص والتفخيخ والتفجير ، إسلام الفكر المأزوم المغرق في التخلف .
المشكلة الأكبر وجود جماعات ودول نمت مثل هذا الفكر وقدمت له الدعم السخي بشقيه المادي والمعنوي ، لكنها احتمت بمبدأ التُقية وتبنت مشاريع سياسية للتخفي فقط ولكي تتمكن من فرض قوة حضورها في الواقع المحيط ، وامتلاك القدرة على الانزلاق بآلاف الشباب الحائر إلى مجاهل الغواية ، والغرب يتغاضى عن مثل هذه الأعمال وأحياناً يباركها باعتبارها نجاحاً لخططه الهادفة لاحتواء المجاميع الإرهابية التي تتقمص الإسلام ، والتقليل من خطرها عليه إضافة إلى أنها وسيلة ناجحة لتشويه الإسلام تخدم غاياته الخفية ، وفي إطار التبعية فإن بعض الحكومات المحلية تتعامل بنفس الأسلوب ، وتتجاهل المتغيرات السلبية التي أحدثتها هذه الجماعات في تركيبة الواقع الاجتماعي وتكتفي بسد الثغرات الأمنية وهي تعلم علم اليقين أنها مجرد معالجات وقتية تحل ظاهر المشكلة أما الباطن فيظل على حاله مفتوحاً على كل الاحتمالات ، هذا الواقع الديماغوجي هو سبب حيرة المواطن المسلم الذي يتساءل بمرارة أين الخلاص ؟ ومن المعني بتقديم الحل ؟! هل أصحاب الرصاص يناطحون أهل الحكم وهل أهل الحكم قادرين على مناطحة أصحاب الرصاص ؟ لا جواب ، المشاكل باقية كما هي بلا حل !! فأين نجد الحل والنظام المدني برمته متهم بالانحراف والفساد المالي والفساد الأخلاقي ، هذه المعضلات الكامنة في الواقع جعلت الانحراف الديني يتمدد ويجد السند الشرعي لاستخدام السلاح ، وبالتالي يمارس كل الجرائم  على أنها في مرضاة الله وخدمة الدين .
وهنا يتكرر السؤال ، أين الحل إذاً ؟ وكيف الخلاص ؟! الإجابة الحل ممكن وقريب ولكنه يتطلب معرفة مكامن الخلل ومراجعة بعضنا البعض ، لا من أجل الغلبة وفرض الحضور فهذا قد يوقع البعض تحت ضغط انزعاج لا مبرر له ، لكن الفكرة تتطلب مناقشة الموضوع باستفاضة والتدرج من الواقع اليمن إلى المحيط العربي ثم الإسلامي إن أمكن ، بهدف وضع خطة عملية تجعل تجفيف منابع الإرهاب يبدأ بإزالة النصوص التي ملأت رؤوس البعض بأفكار ضالة ومتطرفة طابعها الغلو والانغلاق .
في هذه الحالة يمكن التصدي للإرهاب بأبعاده الدينية والعسكرية وقبل ذلك لا بد أن تتضح الرؤية تجاه الواقع الاقتصادي والسياسي دون الحاجة إلى الإمعان في استخدام القوة .
على هذا الأساس يا سادة يمكن أن نهتدي إلى الحل السليم ونضع أقدامنا على عتبة الخلاص الذي نبحث عنه ومن خلال الإسلام الحقيقي ذاته .. والله من وراء القصد..

قد يعجبك ايضا