قتيل في سوق الذهب

من ملفات الشرطة

عرض تحليل/ حسين كريش

منذ الصباح الباكر خرج من المنزل وهو يحمل سلاح المسدس في عرضه منتشياً بفشر  الشباب وهوى الصبا، يريد الاستعراض به أمام الناس أثناء سيره بالشارع .. لم يكن له أي هدف آخر .. الإحساس بالشباب والطيران في سماواته ليس له حد معين، ويتنامى في عمر العشرين إلى الثلاثين تلقائياً … ليس له حجم ولا معيار محدد.
سار في الشارع في السوق وهو يظهر المسدس بعرضه معتقداً أن كل المارة وأصحاب المحلات يرونه ” يرمقونه بنظرات لها قدر” لكن أحد المارة لقاه في الشارع ورأه يتفاخر بالمسدس فقال له: إن السلاح لا يقتل إلا صديقاً .. غير أنه لم يفهم لمعنى ولم ينتبه للمغزى.. وظل ماشياً في طريقه على نفس المنوال حتى كان وقت الظهر، وحينها حلت الكارثة ووقع المحذور .. وها هي الوقائع من بدايتها.
الوقت كان قبل الظهر عندما وصل البلاغ إلى مركز شرطة اللقية بصنعاء القديمة، وهو عن حدوث إطلاق نار وإصابة شخص في سوق الذهب شمال شرق سوق الملح، فانتقلوا من المركز عقب هذا البلاغ إلى مكان الحادث وفي مقدمتهم مدير المركز الرائد / أمير قرقر ومشرف أنصار الله / علي حجر وكذا رئيس مكتب البحث مع بعض الأفراد من شرطة مركز أنصار الله، والذين وصلوا إلى المكان، ولم يجدوا هناك الشخص المصاب، وقيل لهم أنه تم إسعافه من قبل بعض المواطنين إلى المستشفى، وهو مستشفى الثورة العام والذي كان اقرب مستشفى بالنسبة للمنطقة .. فساروا في أثره وانتقلوا إلى المستشفى مباشرةً، ولكنهم حينما وصلوا فوجئوا هناك بأن المصاب قد سلم روحه لخالقها وفارق الحياة متأثراً بإصابته التي كانت طلقة واحدة نفذت من كف يده إلى وجهه وخرجت من ظهره .. بادروا إلى طلب حضور مختص الأدلة الجنائية، وحضر هؤلاء، ومنهم خبير مسرح الجريمة / حمود الحيمي، والذي قام بإجراء المعاينة الفنية والتصوير للجثة والمكان، إضافة إلى تحريز ما أمكن من الآثار والأشاء التي عثر عليها .. في الوقت الذي وصل مدير المركز ومن معه المتابعة وجمع المعلومات والتحريات .. وكانت الجثة حسب ما أتضح من المعاينة هي لشاب يبلغ من العمر 26 عاماً ، مهيب الصورة والمحيا، أزرق العينين، ومصاب برصاصة مدخلها من كف يده, ونفذت من اليد إلى وجهه، ثم خرجت من اللوح من خلف ظهره، وهي التي أدت لمقتله .. وعلى حسب ما توفر من معلومات حول القتيل من خلال سؤال أصحاب المحلات وعدد من المواطنين في السوق، فإن المجني عليه هو وحيد أمه والعائل لها، ويعمل على دراجة نارية تابعة له، ومصدر رزقه، وهو من الشباب الطيبين والخلوقين جداً، وخدوم وصديق لكل الناس، ويقوم بخدمة ومنافعة أصحاب المحلات في سوق الذهب والأسواق المحيطة، وإيصال كل من يطلب منه على الدراجة النارية، وكان بشوشاً في وجه كل من يتعامل معه ومبتسماً دائماً.. وأضافت المعلومات والإفادات أن الجاني عليه هو شخص شاب في مثل عمره ومن نفس صنعاء القديمة، وأن الواقعة حدثت بالخطأ، ولم تكن عمداً، كما أن الجاني هو صديق للمجنى عليه، بل يكاد يكون قرينا له في طباعه واستقامته، وأنه شوهد عقب إصابة المجني عليه بالطلقة النارية يقوم باحتضانه- أي احتضان صديقه المصاب- ويصيح : اسعفوه اسعفوه..
وكان مدير المركز والفريق معه قبل بدء المتابعة والتواصل إلى هذه المعلومات الأخيرة قد بادروا إلى إبلاغ العمليات وإبلاغ مدير أمن منطقة صنعاء القديمة العقيد/ عبدالعزيز العرابي الذي تفاعل من اللحظات الأولى وأهتم اهتماما جدياً ووجه بسرعة التحرك وضبط الجاني وكذا ضبط أداة الجريمة وكشف الملابسات، ثم ظل على متابعة حتى النهاية.
ولقد أجتهد مدير المركز ومن معه في المتابعة وتقصي أثر الجاني، وكان هذا قد خاف وهرب مختفياً بعد الواقعة.. ومكثوا خلفه حتى تمكنوا من العثور عليه وتم تسليم نفسه لمدير المركز كما تم العثور على المسدس (أداة الجريمة ) لدى أحد أصحاب المحلات في سوق الذهب والذي كان أحد أقرباء الجاني.
وبحسب التحقيقات ومحاضر جمع الاستدلالات النهائية ثم اعتراف المتهم (الجاني) والذي كان بحضور بعض المواطنين الشهود.. فإن الشاب (المتهم) كان حاملاً سلاح المسدس وهو نوع (ميكروف) منذ الصباح، وسار يستعرض به أمام الناس بحكم الشباب ومن منطلق الطيبة والعفوية ولم يكن من النمط العدائي أو العدواني.. حتى أن أحد الشباب الذين صادف والتقاهم في الصباح، وكان على معرفة به، عندما رآه بالمسدس قال له: انتبه إن السلاح لا يقتل إلا صديقاً.. لكنه لم يعر لهذا القول اهتماما وكأن ذلك لم يكن بإرادته، وأن كان على موعد مع القدر، والمكتوب لا بد أن يقع، ولاينفع الحذر.. حيث ما إن أقترب وقت الظهر حتى حل محبيء هذا المكتوب .. وكان ذلك عند مروره بسوق الذهب ، فقد التقى هناك بصديقه الشاب ( المجني عليه)
وهو على دراجته النارية.. فأستوقفه وقال له: أن يوصله على الدراجة مشواراً.. فرد الشاب (المجني عليه) بالرفض ولكن الصديق (الجاني) أصر على طلبه أن يوصله بالدراجة، وكان هذا بالمزاج من الاثنين وليس جدياً.. وظل المزاح بينهما على ذلك حتى قام (الجاني) بإخراج مسدسه من عرضه وصوبه نحو الشاب صديقه قائلاً له بنفس نبرة المزاح: ستوصلني .. ستوصلني.. فانطلقت خلال ذلك طلقة واحدة من المسدس، لا يدري حامل المسدس كيف ومتى ضغط على الزناد.. لتصيب الطلقة حينها صديقة الشاب وهو على الدراجة النارية، وكان هذا قد رفع كف يده أمام وجهه معتقداً أن اليد سوف تمنع وصول الرصاصة إليه، ولكن الطلقة أخترقت كف اليد إلى وجهة وتخرج من اللوح خلف ظهره، ليسقط على إثرها الشاب المجني عليه ويصاب بهول الصدمة في اللحظة الصديق (الجاني)، يسارع لاحتضانه وهو يصيح للمارة اسعفوه .. اسعفوه.. في حين يأخذ المسدس أحد الذين هبوا إليه وقتها ويعطيه لأحد أصحاب محلات الذهب الذي كان قريبا لصاحبه.. وبعد ذلك يقوم من حضر ومعهم الشاب الجاني بحمل المجني عليه وإسعافه إلى المستشفى.. غير أن القدر كان أسبق.. والمكتوب كان قد خط بالقلم ولا بد أن يجري ..هكذا كانت الواقعة.

قد يعجبك ايضا