ترامب: يالتسن امريكا.. أم تسونامي يطيح بالديمقراطية سعيا وراء زعامة تاريخية

الثورة نت / تحليل/ ميشيل حنا الحاج
يواصل الرئيس ترامب ممارسة صلاحياته الرئاسية باصدار أوامره التنفيذية غير المدروسة بما فيه الكفاية، ولعل أسوأها كان قرار حظر السفر إلى الولايات المتحدة على مواطني سبع دول عربية واسلامية، والذي أمر بتنفيذه بشكل فوري، لاغيا مفاعيل التأشيرات التي صدرت لبعضهم قبل صدور القرار، بل ومجمدا العمل ببطاقات “الجرين كارد” الصادرة لبعضهم والتي تشكل حقا مكتسبا لهم، مما أثار حالات مأساوية في بعض المطارات واجهها بعض الواصلين الى الولايات الأمريكية استنادا لتأشيرات منحت لهم بشكل قانوني وبعد تحقيق وافر ومعمق في أوضاعهم. لكن لدى وصولهم الى تلك المطارات، لم يكتف رجال الأمن بمنعهم من الدخول، بل احتجز بعضهم في غرف مغلقة، وأجري تحقيق معهم رافقه معاملة في غاية السوء وكأنهم مجرمون.

ويصف “ماثيو ابو عسلي” (وهو لبناني، ولم يشمل الحظر الشعب اللبناني)، كما ورد على قناة بي بي سي عربي، كيفية تعامل رجال الأمن معه ومع زوجته لدى وصولهم الى مطار فيلادلفيا الأمريكي. اذ عومل بشكل خشن، وحجز في غرفة منعزلة، وأجري تحقيق معه وكأنه مجرم، دون حضور محام يدافع عنه، او حتى دون وجود مترجم لتسهيل التواصل والرد بدقة على الاسئلة الموجهة اليه، علما بأنه كان يسعى للحصول على تأشيرة المهاجر هذه منذ عدة سنوات خضع خلالها للعديد من التحقيقات والاستجوابات قبل أن يمنح تأشيرة المهاجر. وتقول زوجته جورجيت ماثيو (ومن اسمها جورجيت يمكن أن نفهم أنها مسيحية وليست مسلمة)، انها منعت من الاتصال بابنها المقيم في الولايات المتحدة والذي لم تشاهده منذ ثلاث سنوات، وانتزع منها هاتفها الخلوي للحيلولة بينها وبين الاتصال بابنها. فهذا التعامل الشرس من قبل رجال الأمن الأمريكي، مع عائلة ماثيو وغيرها من العائلات والمواطنين، زاد الأمر سوءا بالنسبة لقرار يشكك الكثيرون بمشروعيته.
وبسبب الجذور الاجرامية للكثير من اولئك المهاجرين، تمت تصفية اثني عشر مليون هندي (كما ورد في أحد المواقع هلي الويكيبيديا) كانوا هم الأمريكيون الحقيقيون، وليس المهاجرين البيض والذين جلبوا معهم لاحقا العبيد السود من افريقيا.

قرارات متسرعة
ويعجز الكثيرون عن تفهم الأسباب الكامنة وراء تسرع ترامب بإصدار سلسلة من القرارات التنفيذية خلال اسبوع واحد، فكأنني به يتصرف كالطفل الفرح بلعبة حصل عليها ولم يكن قد توقع الحصول عليها. فهو يوقع أمرا تنفيذيا بعد لآخر دون دراسة أو تأنٍ وخلال أسبوع واحد من رئاسته، ربما ليؤكد لنفسه بأنه لم يعد حالما، بل أصبح فعلا رئيسا للولايات المتحدة، وهو لذلك فرح الآن ويسعى لممارسة السلطات التي وفرها له ذاك المنصب، وبالتالي يصدر أمرا تنفيذيا تلو الآخر دون دراسة كافية. وقد اضطر فعلا إزاء المظاهرات المعترضة، بل وصدور احكام قضائية بعدم الالتزام بذاك الامر التنفيذي، اضافة الى قيام وزيرة العدل (المدعية العامة التي تم الآن عزلها) بإصدار أوامرها الى رجال الأمن بعدم تنفيذ القانون لوجود اشتباه بأنه يخالف القانون، والمقصود القانون الدستوري. وقد اضطر ترامب الذي يفتقر للخبرة السياسية والدراية القانونية، للتراجع فعلا عن جزء من أمره التنفيذي ليقول بانه لا يشمل الحاصلين على “الجرين كارد” كما نص الامر التنفيذي لدى صدوره. والواقع أن هذا الأمر التنفيذي يتناقض فعلا مع مبادىء الحرية المتعارف عليها في الولايات المتحدة، بل وفيه كما يقول أحد العاملين الأمريكيين في حقل الدفاع عن الحقوق والحريات، أنه يتناقض مع التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يضمن حرية المعتقد وعدم التمييز بين الطوائف والأديان.
وفي الوقت الذي يرتفع فيه ضجيج المظاهرات المحتجة على هذا القرار غير الدستوري والمتنافي كما يقولون مع المبادىء الأمريكية المعتمدة عبر اجيال، بل ويتسع نطاقها بجيث لم يعد يكتفى بأن تجري في مطارات امريكية متعددة، بل وصلت الآن الى مبني الكابيتول حيث مقر الكونجرس، وحيث بدأ أيضا نشاط مقابل في ذاك المبنى يقوده السناتور الدمقراطي “تشاك شومر” الذي شرع في اعداد مشروع قانون يطرحه على الكونجرس ويقضي بالالغاء الكلي لمفاعيل ذأك الأمر التنفيذي. ويرجح بعض المراقبين أن مشروع القرار هذا قد يلقى قبولا في المجلس، خصوصا وأن عددا من السناتورات والنواب الجمهوريين أيضا، لم يكونوا راضين عن الطريقة المستعجلة واللهجة التي صيغ بها ذاك الامر التنفيذي الذي سبب احراجا للحزب الجمهوري قدر احراجه للرئيس ترامب.
والواقع أن المخاوف من طموح دونالد ترامب قد اخذت في التنامي بين صفوف الحزبين، على ضوء تسرعه وهوجه وما يكشف عنه من طموح كبير يدفعه للتطلع لا لأن يكون مجرد رئيس، ورئيس لدورة واحدة، بل رئيس لدورتين كما قال علنا في أحد خطاباته، مؤكدا أنه باق لثماني سنوات. وكشف عن طموحه، خطابه اللاهب في يوم تدشينه رئيسا، وما تبعه من سلوك لاحق للتدشين تمثل بسلسلة من الأوامر التنفيذية الملهوفة، معتقدا بأنه عبرها سيصبح فعلا في مرحلة ما قائدا أو زعيما أمريكيا اقتداء بجورج واشنطن واضع الدستور الامريكي ومحقق الاستقلال للولايات المتحدة، وبابراهام لينكولن الذي الغى العبودية وخاض حربا اهلية ضد الجنوبيين الرافضين لقراره، اضافة للرغبة الأمريكية في الحفاظ على مبادىء المساوة السامية بين السود والبيض من الامريكيين. فهو، أي ترامب، يريد أن يدخل باب التاريخ الأمريكي كما دخلها واشنطن ولينكولن.
ولا يعلم أحد بعدد الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب خلال أسبوع واحد من رئاسته. فإضافة الى قرار منع اللجوء واستقبال المهاجرين أو الزائرين من سبع بلدان اسلامية، واضافة لأمره التنفيذي المثير للجدل والخاص ببناء الجدار العازل على امتداد الحدود مع المكسيك، أصدر سلسلة من الأوامر التنفيذية التي قضت بالغاء قرارات سابقة صدرت في عهد الرئيس اوباما. وقد يتعذر تفهم اصراره على احباط وتجميد أو الغاء عدد كبير من المشاريع والاتفاقيات التي أقرها سلفه الرئيس أوباما خصوصا في السنتين السابقتين على انتهاء رئاسته. فعددها كبير ويصعب تفهم الدوافع الكامنة وراءها إلا على ضوء خطابات ترامب الانتخابية المتوجهة نحو تشجيع العنصرية.
ففي اليوم الأول للرئيس ترامب على مقعد الرئاسة، وقع قرار تجميد مشروع اوباما الصحي المعروف باسم اوباما كير والذي كان يحظى برضا ملايين الامريكيين المستفيدين صحيا منه. وفي اليوم التالي مباشرة، قرر الانسحاب من اتفاقية التبادل التجاري الحر عبر المحيط الهادىء، وهو الاتفاق الذي وقعه أوباما خلال عام 2015م وتضمن اتفاقا مع عدة دول في شرق آسيا ومنها فيتنام واستراليا. كما وقع يوم الثلاثاء الماضي أمرا معارضا لقرار الرئيس أوباما المتعلق بأنبوب زيت داكوتا، الذي سعى للحد من التلوث المناخي. وفي خطوة أخرى لافتة دعا نتانياهو، رئيس وزراء اسرائيل الذي لم تكن تربطه علاقة ود بالرئيس أوباما… لزيارة واشنطن خلال الشهر القادم. ويرجح أن تتم الزيارة في الأسبوع الأول من شباط. ويعتقد أنه سيناقش معه (اضافة لاحتمال الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل)، كيفية احباط قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر في نهايات العام الماضي والذي صيغ برعاية أمريكية أوبامية، (وتعمدت الولايات المتحدة عدم استخدام الفيتو في سبيل افشاله، مكتفية بالامتناع عن التصويت)، والبحث عن وسيلة ما للتغلب على معوقات القرار الذي يحظر بناء مزيد من المستوطنات في القدس الشرقية أو في أراضي الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة. وقد يلي ذلك خطوات معوقة لتنفيذ الاتفاقية النووية الموقعة مع ايران والتي وافق عليها الرئيس أوباما ضمن دول خمسة زائد واحد، وهي الاتفاقية التي لا يباركها ترامب ويسعى للتخريب عليها بتشجيع اسرائيلي. كما أنه يخطط لطرد أحد عشر مليون مقيم بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة، خلافا لموقف أوباما منهم، إذ كان يسعى لاضفاء الشرعية على اقامتهم.
كل هذه المعارضة المحيرة لخطوات وانجازات الرئيس أوباما، تتراوح أسبابها بين النكاية به لتبنيه بشكل شخصي حملة دعاية هيلاري كلينتون، منافسة ترامب على مقعد الرئاسة، وبين كون ترامب… الرئيس الأبيض الذي عبر خلال حملته الانتخابية عن توجهات عنصرية اثنية ودينية شجع عليها ترامب وساهمت في انجاح انتخابه، لا يكن الود لأوباما شخصيا لكونه، (كما قال الدكتور صبحي غندور- مدير مركز الحوار العربي الأمريكي بواشنطن)، الأمريكي الأول الأسود الأفريقي الأصل، الذي جلس فعلا على مقعد الرئاسة الأمريكية لثماني سنوات. وهذا أمر كما يبدو، لم يرق لترامب ولعدد كبير من البيض العنصريين، وجاء الآن موعد تصفية الحسابات مع قراراته وانجازاته، بل ومحو آثار معظم انجازاته كي لا تذكر بتواجد رئيس أسود في مرحلة ما على مقعد الرئاسة.

ترامب – هتلر
وجاءت الشعارات الغريبة التي رفعها ترامب في خطاب تدشينه رئيسا، ومنها قوله بأن أمريكا أولا، واميركا قبل كل شيء، مذ كرة بشعارات هتلر النازية في ثلاثينات القرن الماضي، لتقرع اجراس الانذار حول توجهات هذا الشخص الحقيقية. فالمصلحة الأمريكية تتقدم على كل مصلحة أخرى لدى تعارضها مع المصلحة الأمريكية. ورغبة منه في انعاش الاقتصاد الأمريكي، واعادة تشغيل المصانع التي أغلقت كخطوة لتشغيل اليد العاملة، بدأ يضع قيودا على تصنيع البضاعة الأمريكية في الخارج من باب الاستفادة من اليد العاملة الرخيصة، مطالبا بعودة الانتاج الى كل المصانع الأمريكية وخصوصا تلك التي اغلقت في ميتشيعان وبعض المدن في شرق امريكا. وحفاظا على انفاق المال بدون مبرر، شرع يظهر تململا من حلف شمال الاطلسي ومن التفاهمات العسكرية التي تقدم الحماية بدون مقابل كما يعتقد، للدول الاوروبية بل ولدول الخليج أيضا. وربما لم يكن مبتعدا كثيرا عن الصواب في بعض خطواته هذه، لولا ما طرحه لاحقا هذا الرئيس الغامض المتناقض أحيانا في سلوكه وتصريحاته، كشعاره الثاني بقوله أنه سيرد السلطة …لكم للشعب، وهي “السلطة التي سرقها منكم ساسة واشنطن”.
فهنا تجلى بعض الغموض في تلك الشخصية. فهذا الرجل الذي تحدى في ترشحه للرئاسة الكثير من معارضيه، بما فيهم معارضوه من قيادات الحزب الجمهوري الذي ينتمي رسميا اليه، يعلن الآن الحرب ولو بشكل مستتر على كل خصومه في الحزب الجمهوري، قبل خصومه في الحزب الديمقراطي الذين سعوا للحيلولة دون وصوله الى السلطة. وهذا أخطر ما في توجهات الرئيس ترامب الغامضة والتي قد تنعكس لاحقا على الدمقراطية وعلى الوضع الداخلي في أمريكا. فقوله أنه سيسترد السلطة من سادة واشنطن ليعيدها للشعب الأمريكي (والأرجح أن المقصود به الشعب الأمريكي الأبيض) يكشف عن بعض المستور في نواياه الغامضة. فالسلطة في واشنطن، في دولة المؤسسات الأمريكية، وفي دولة فيها ستة عشر جهازا أمنيا، وفيها مراكز قوى متعددة، هي غالبا ما تكون موزعة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. إذ غالبا ما يكون أحدهما في الموقع التنفيذي، والآخر في الموقع التشريعي والرقابي، حيث نادرا ما ينفرد حزب واحد بالسلطتين معا، وان انفرد بهما، فليس لفترة طويلة…
لكن الرئيس ترامب الذي يدرك أنه لبلوغ مركز القيادة، لا ينبغي الاكتفاء بالوصول الى موقع الرئاسة. فموقع الرئاسة يصنع رؤساء فحسب لكن ليس زعماء وقياديين. فما يصنع القادة، هو خوضهم حروبا ينتصرون فيها. فجورج واشنطن قد قاد حربا من أجل الاستقلال والتخلص من الهيمنة البريطانية والاسبانية والبرتغالية والفرنسية الذين شكلوا العنصر المستعمر للأراضي الأمريكية، ولينكولن خاض حربا لتوحيد الولايات المتحدة التي مزقتها الحرب الأهلية. وهو لذلك( أي ترامب) سيبحث الآن عن حرب ما يخوضها، وقد تكون الحرب ضد الارهاب بأقوى وأعنف صورها، صورة من صور تلك الحرب، لكن حربه في الداخل الأمريكي ضد من يسميهم بسادة واشنطن، هي الحرب الأكثر جدوى لتكريسه قائدا وزعيما. وهذا ما قد يفسر توجهه نحو علاقة افضل ومهادنة مع روسيا، ونتيجة لها يسعى لتجنب المواجهة أيضا مع الصين بعدم اشعال حرب ما مع حليفتها كوريا الشمالية، ومع عدم رغبته في الانخراط في الحرب الجارية في سوريا نظرا لكون ذلك سيقود أيضا لمواجهة بينه وبين روسيا… فمن هنا قد يقدم فعلا على خوض حرب شرسة ضد تنظيم وضد الارهاب، ترافقها وتحت ستار غبار معاركها، حرب في الداخل الامريكي لتصفية الحسابات مع منافسيه ومعارضيه.
فقوله ذاك في خطاب التدشين، قد يعني اعلان الحرب على الحزبين الكبيرين معا، (خصوصا وأن الحزب الجمهوري بقيادته وكبار أعضائه، قد عارض طويلا ترشحه)، مما يعني في نهاية المطاف، الشروع بتبلور تيار حزبي جديد هو تيار الترامبية، أي الحزب الثالث، الذي سيساهم في تكريس دونالد ترامب زعيما…قائدا، لا للحزب الجديد أو للتيار الجديد فحسب، بل أيضا للولايات المتحدة، رئيسا، لا بل قائدا، وزعيما لها… لمدة طويلة لن تعترف بالسنوات المعتادة لجلوس الرؤساء الأمريكيين على مقاعد رئاستهم.

“الديمقراطية الأمريكية.. إلى أين؟”
وفي هذا ما فيه من خطر على مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة، وفيه ما فيه من تفسير ومبرر لسعي ترامب لعلاقة ودية مع روسيا. فهو لا يريد حاليا معارك مع الخارج (إلا ربما معركته مع داعش والارهاب)، وذلك للتفرغ لمعركته في الداخل ضد كل القوى المعارضة له من الحزبين ومن أجهزة المؤسسات التي قد تعارض توجهه للانفراد التدريجي بالسلطة، علما بأنه في مسعاه ذاك، قد يضطره الأمر أيضا لا للاكتفاء بمهادنة روسيا لمرحلة ما، بل كذلك للاستعانة بإحياء التوجه نحو العنصرية وكوكلاكس كلان KKK، والذي بدأ به فعلا خلال فترة ترشحه، مما ساهم كثيرا في وصوله الى البيت الأبيض. وجاء الأمر التنفيذي بحظر قدوم مواطني سبع دول اسلامية، بداية الخطوات نحو ذلك، وقد يتبعه لاحقا اضطهاد للأقلية الأسبانية الذي بدأ فعلا بقرار بناء الجدار الفاصل مع المكسيك الاسبانية، وربما مع الأقلية من أصل افريقي، أي الأمريكيين السود.
ومن هنا بات البعض يشكك بأن ترامب قد يصبح فعلا “يالتسين” الولايات المتحدة، وسوف تقود تصرفاته غير المدروسة، الى انسحاب بعض الولايات من الاتحاد الأمريكي، علما بأن ولاية كاليفورنيا، أكبر الولايات الأمريكية وأغناها، قد قررت فعلا طرح مشروع الانفصال عن الاتحاد في استفتاء شعبي يجرى في شهر نيسان 2019م. ويجري حاليا توزيع المعلومات على سكان الولاية التي تبرر التوجه نحو الانفصال، وتتضمن تسعة أسباب تدعو للانفصال ، منها أن الولاية الأكبر في الولايات المتحدة ليس لها قول مؤثر في انتخاب رئيس الجمهورية الاتحادي. ففي كل انتخابات ترسل الولاية 55 مندوبا للكلية الانتخابية المكونة من 570 عضوا، والتي تجتمع بعد عدة اسابيع من الانتخابات التي تجري في شهر تشرين ثاني، وتقرر من هو الرئيس استنادا لأصوات المندوبين للكلية الاننتخابية، دون الاعتداد بأصوات الناخبين التي لا تتوافق غالبا مع أصوات الكلية الانتخابية.
ففي تجربتين انتخابيتين مريرتين، في عامي 2000م وعام 2016م، لم يفز بمقعد الرئاسة من فاز بأكثرية أصوات المقترعين كما جرت العادة في الدول الدمقراطية والتي تعتمد نطام الصندوق لتحديد من هو الفائز. ففي عام 2000م، تم انجاج جورج بوش الابن كرئيس للولايات المتحدة بأصوات المندوبين للكلية الانتخابية، علما أن أصوات المقترعين في تلك الانتخابات قد رشحت منافسه “آل غور” لمقعد الرئاسة، حيث فاز بأصوات تجاوزت كثيرا الخمسين بالمائة زائد واحد من أصوات المقترعين. وتكرر الأمر ذاته مجددا في عام 2016م، إذ أعلن فوز ترامب رئيسا بأصوات المندوبين للكلية الانتخابية دون منافسته هيلاري كلينتون التي فازت بنسبة 52% من أصوات المقترعين في الصندوق. ومن هنا بات المطلب الأمريكي الآن لدى الكثيرين، بوجوب العدول عن نظام الكلية الانتخابية، الذي أقر في مرحلة ما حماية للولايات الصغيرة، والعودة الى نظام صندوق الاقتراع الأكثر دمقراطية في تحديد الرئيس الفائز.
وهناك احاديث تدور همسا في أروقة واشنطن تفيد بعدم رضاء الحزب الجمهوري عن قرار ترامب الخاص باللاجئين من دول اسلامية، وأن القرار قد اتخذ دون استشارة أي من المعنيين والقانونيين في الحزب. وتتسع الهمسات لتشمل مواقع أخرى في واشنطن تكشف عن غضب كبير على قرارات الرئيس الجديد. ويتوقع الكثيرون انتشارها وتناميها السريع، بحيث لا يتمكن ترامب من البقاء رئيسا للمدة التي يتمناها ولو لدورة رئاسية واحدة. إذ ستجري مساع لإبعاده عن موقع الرئاسة في مدة زمنية قد لا تطول كثيرا. ولكن الابعاد عنها بسبب الخطر الذي بات يشكله على الديمقراطية ومفاهيمها، لن يكون بالأسلوب العنيف الذي اتبع باغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963 ، بل بنهج توجيه الاتهام له ، اي بنهج الـ Empeachment أمام الكونجرس بمجلسيه، ليقرر عزله بأصوات قد تتجاوز ثلثي أعضاء المجلس، نظرا لتصاعد الاستياء منه ومن قرارته المستعجلة دائما، وهو استياء في صفوف الجمهوريين كما هو في صفوف الديمقراطيين، اللذين باتت تجمع بينهما مخاوفهما أيضا من الطموح الخطر لدى دونالد ترامب. وهذا اذا تحقق، سيؤدي الى صعود نائبه “مايكل بنس” الى مقعد الرئاسة، علما بأن بنس يلقى رضا أوسع من أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه ترامب ايضا ولو رسمياأو شكليا، لكنه يتصرف انفراديا دون الرجوع الى قيادته أو استشارتها، مما يقود البلد من هزة الى أخرى بعد أسبوع واحد من جلوسه على مقعد الرئاسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الكاتب، المفكر، والمحلل السياسي
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأمريكي – واشنطن.

قد يعجبك ايضا