الثروة المائية.. “حرب أخرى” صادر العدوان ضوابطها الأخلاقية والقانونية

– تحذيرات: أعماق المياه في بعض الآبار وصلت إلى أكثر من 800 متر
– دراسات: غياب التوعية الإرشادية الزراعية والمائية والدعم الحكومي تسبب في إهدار ثروات الوطن
– “الإدارة المتكاملة للموارد المائية” حلٌّ  في انتظار التنفيذ
– خبراء مياه: لا بد من  تفعيل دور الجهات ذات العلاقة، وإدخال بدائل زراعية اقتصادية نوعية  وأقل استهلاكًا للمياه
– من تداعيات العدوان السعودي : استنزاف المياه الجوفية بلا ضوابط، تدهور في الإنتاجية، جهود ضائعة، ومجاعة وشيكة
تحقيق/ سارة الصعفاني
اليمن بلد زراعي منذ آلاف السنين متنوع التضاريس والمناخ  ما يمكنه من زراعة محاصيل هامة على مدار العام إلا أن أبناءه يعانون من مجاعة بسبب العدوان السعودي  في ظل انعدام الأمن الغذائي ” مأساة التحيتا “، وتدني جودة المحاصيل الزراعية الضرورية والمحدودة، وثمنها المرتفع في وطن تحت خط الفقر ؛ حيث متوسط دخل المواطن أقل من دولارين في زمن ما قبل العدوان والحصار وتفاقم الأزمات الاقتصادية، كما أنه يعد من أفقر بلدان العالم بالمياه ؛ إذ يعاني من الندرة ومهدد بنضوب المياه حسب دراسات محلية ودولية.
فكيف يمكن إيجاد حلول منصفة للمزارعين والمستهلكين وتجاوز آثار العدوان الكارثية، ودعم اقتصادنا الوطني، وبما يضمن حصة الأجيال القادمة من الموارد ؟:
تعتمد بلادنا على مياه الأمطار الموسمية كمصدر رئيسي للمياه المتجددة، وبحسب المعنيين في هيئة الموارد المائية لا يستفيد المزارعون من مياه السيول حتى في الري لأسباب متعلقة بإدارة تشغيل وصيانة السدود والحواجز والخزانات المحدودة، وتهميش صيانة مجاري السيول وتغيير مساراتها بحيث أصبحت تصب بعيداً عن المساحات الزراعية، وتحول المزارعين نحو المياه الجوفية التي يحصلون عليها بسهولة وبكلف مدعومة مستنزفين بذلك المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية الذي تراكم عبر مئات بل آلاف السنين في ري المحاصيل الزراعية بعشوائية بل تكمن الكارثة في استهلاك القات ما يقارب نصف كمية المياه نتيجة الإفراط في استخدام المبيدات، ما تسبب في جفاف آبار وتناقص حاد في كمية المياه المخزونة، وارتفاع كلفة حفر وضخ المياه، وتردي نوعية المياه، وظهور خلافات ونزاعات مجتمعية على المياه، وكنتيجة تدهورت إنتاجية المحاصيل.
الأمن المائي والغذائي في خطر
وبحسب دراسات ميدانية حديثة  تواجه الزراعة تحديات عديدة كفقدان المياه بسبب الري العشوائي، التسرب في القنوات الترابية، قلة الإنتاجية، العشوائية والإفراط في استخدام المبيدات والمخصبات ما يمثل خطراً تراكمياً من ناحية صحية ويفقد التربة قدرتها على امتصاص المياه، استخدام كمية كبيرة من المياه لتعويض النقص في كمية الإنتاج نتيجة استخدام محاصيل تقليدية وبذور غير محسنة، غياب العمل الزراعي المنظم بالجمعيات الإنتاجية، عدم وجود قروض ميسرة ومعالجات ومساعدات زراعية من الحكومة والمنظمات الإغاثية، الفشل في مواجهة الآفات، ري المحصول أكثر من احتياجه المائي كالبطاطس والطماطم نتيجة اعتقاد سائد بزيادة الإنتاج كلما زادت كمية المياه.
ويؤكد المختصون في المجال الزراعي أن غياب التوعية الإرشادية الزراعية والمائية والدعم الحكومي تسبب في مشكلات اقتصادية وزراعية واجتماعية أثرت على القطاع الزراعي وأحدثت خللاً في الأنظمة الزراعية والأنماط المحصولية واستنزفت الموارد المائية المحدودة مثل تدهور الموارد الطبيعية والمائية والزراعية نتيجة التغيرات المناخية، وتدني مستوى الوعي، وتقليص المساحة الزراعية، وضعف العائد والإنتاج لاستخدام محاصيل تقليدية وبذور غير محسنة تستنزف المياه ؛ ما يفرض على المعنيين إحداث تغيير جذري في النظام الزراعي والنمط المحصولي المستهلك للمياه المحدودة، والري بالمياه العادمة المعالجة ومياه حصاد الأمطار حيث المتوسط العالمي لنصيب الفرد من المياه 7500 متر مكعب في السنة بينما في اليمن حصة الفرد لا تتجاوز 137 متراً مكعباً في السنة أي أقل من خط الفقر المائي العالمي ( ألف متر مكعب في السنة ).
تدنٍ في الإنتاج وهدر للمياه
ووفقا لإحصاءات رسمية :تستهلك الزراعة من المياه في حوض صنعاء كمثال 82% من إجمالي الاستهلاك المائي لكن تكمن المشكلة في كونه ” استهلاكاً عبثياً ” حيث تفقد المياه بالري التقليدي والتسرب والتبخر ولغياب التوعية كاعتقاد المزارعين أن كمية المياه تزيد الإنتاجية أو أن جميع المحاصيل تحتاج نفس الكمية من المياه، والتعامل بعشوائية مع المبيدات والمخصبات ما يفقد التربة قدرتها على امتصاص المياه، وإهدار للمياه في زراعة محاصيل في غير ميعادها .. وكنتيجة لذلك تكون المحاصيل الزراعية محدودة، وحدوث تلف في الإنتاج يصل إلى 50%، ما يعني جهوداً ضائعة،  وثروات مهدرة، وأسعاراً مرتفعة، ومجاعة في أرض السعيدة البلدة الطيبة .
ولإنقاذ الحياة يقول خبراء :يجب بذل جهود حقيقية تضمن استدامة موارد المياه وتحد من تدهور المياه الجوفية حيث جفت آبار المياه، ووصلت أعماق المياه في بعض الآبار لأكثر من 800 متر، وتدهورت نوعيتها حد التلوث، ما يفرض تنفيذ إجراءات آنية ومستقبلية للتخفيف من الأزمة المائية في إطار الإدارة المتكاملة للموارد المائية بإدارة وإشراف الهيئة العامة للموارد المائية على جميع الجهات المتعلقة بالمياه ؛ للتكامل في التخطيط واتخاذ القرارات بهدف الحصول على تنمية وإدارة منسقة للمياه والأرض والموارد كما يرى المختصون في هيئة الموارد المائية لكن هذا لم يدخل بعد حيز التنفيذ وربما المناقشة.
ولأن القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه كان لا بد من تعزيز مشاركة المزارعين في إدارة الموارد الزراعية، وتفعيل دور الجهات الزراعية والمائية المعنية لتغيير النمط المحصولي المستهلك للمياه المحدودة، وزيادة الإنتاج من المحاصيل الزراعية، وتحسين مستوى المعيشة من خلال التدخل ببدائل زراعية اقتصادية نوعية وأقل استهلاكًا للمياه، وتهيئة القطاع الزراعي ليصبح بيئة مشجعة وجاذبة للاستثمار بإجراء تحديث استراتيجيات القطاع الزراعي وفقًا للمستجدات وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمناخية، تحديد أولويات المشاكل الزراعية العامة والبدء في تنفيذ الحلول، تحديد أولويات الاستثمار في المجال الزراعي وتقديم التسهيلات، تشجيع القطاعات المختلفة وتوحيد الجهود الحكومية والدولية وجهود المنظمات لتحقيق الأمن الغذائي، منح دعم سخي لإجراء البحوث التطبيقية وتوفير الإمكانيات لضمان الإنتاجية وخفض تكلفة الإنتاج.
وبحسب توصيات خبراء المياه والتغذية –  منهم م. محمد الصلول مدير المراقبة والتقييم في فرع الهيئة العامة للموارد المائية بصنعاء، م. سعد الحوصلي من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ” الفاو ” – فإنه يجب التدخل بتقنيات وخطط إدارية وفنية لزيادة إنتاج الحبوب والبقوليات والأعلاف والفواكه والخضروات في حقول المزارعين، وتنفيذ أنظمة إنتاجية تتناسب مع شحة الموارد المائية وتحقق عائد محصولي ونقدي كبير منها :
إدخال أصناف محسنة عالية الإنتاج مقاومة للجفاف وتحتمل التغيرات المناخية، إدخال أنواع زراعية عالية القيمة والمردود، تجربة تقنيات ناجحة كالبيوت المحمية والري الحديث من مياه الحصاد، رفع وتحسين إنتاجية المحاصيل الغذائية والنقدية، تشجيع الأنشطة الزراعية التي لا تعتمد على استهلاك المياه، تسويق المحاصيل كمنتجات ( قيمة غذائية وأهمية دوائية وتجميلية ) كالتين الشوكي واللوز والزيتون، التنويع في المحاصيل استغلالاً للعناصر الغذائية المتاحة في التربة وزراعة محاصيل معينة في مساحات هامشية، تحديد احتياج النبات الفعلي من المياه والسماد، وتحسين الإنتاج العلفي بالري بالمياه العادمة المعالجة .
حوض صنعاء ومشروع الإنقاذ
حوض صنعاء منطقة زراعية خصبة مليئة بالتنوعات الحيوية الزراعية، يحظى باهتمام كل الجهات الحكومية والمختصين بالعلوم المائية من منظمات ومؤسسات محلية ودولية .. وهنا يجدر التأكيد على أهمية دعم مشاريع تهدف لتغيير النظام الزراعي والنمط المحصولي ؛ حفاظًا على استمرارية الإنتاج الزراعي والموارد المائية، وتحقيق زراعة مستدامة كمشروع ” اللامركزية في إدارة الإمداد والاستخدام الأمثل للمياه في حوض صنعاء وتحسين المعيشة الريفية ” بإشراف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، ويشارك في التنفيذ العديد من الجهات ذات العلاقة بإدارة الموارد المائية والزراعية في منطقة الحوض هي : فرع صنعاء بالهيئة العامة للموارد المائية، ومركز المياه والبيئة، والهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي- المحطة الإقليمية لبحوث المرتفعات الشمالية، والبرنامج الوطني للري، وقطاع الري وإستصلاح الأراضي.. والحصيلة تمكنت جمعيات زراعية في حوض صنعاء من تنفيذ تقنيات الري الحديثة واستخدام البذور المحسنة والزراعة المحمية التي ضاعفت إنتاجية الخيار والطماطم والفاصوليا والفلفل مثل جمعية المحجل وجمعية لؤلؤة، ونجحت جمعيات في بني مطر كجمعية خرابة محيب وجمعية شهاب اسفل في إدارة محاصيل القمح والشعير والثوم والجزر واللوز كمحصول استراتيجي يعد الأعلى عائداً والأقل استهلاكًا للمياه، ما يفرض فكرة التدرج نحو استغناء المزارعين عن زراعة القات والتنافس على جذب المستهلكين بمحاصيل غذائية هامة واستثمارية بدلاً من زراعة محاصيل عالية الاستهلاك للمياه.
ختامًا:
يجب على حكومة الإنقاذ دعم القطاع الزراعي والبدء بتنفيذ حلول ومعالجات هيئات معنية بالمياه والزراعة ؛ لتحقيق أمن غذائي يكافح شبح المجاعة، وينقذ حاضر الوطن، ويحافظ على استدامة الموارد الزراعية والمائية للأجيال القادمة.

قد يعجبك ايضا