ملامح وآفاق الشعر الشعبي

رسالة ماجستير للباحث عبدالله الحاج تحت عنوان “الشعر الشعبي في محافظة ذمار”:

الشعر الشعبي في أسلوبه ومحتواه حصيلة لحياة عريقة عاشها الشعب

يُعِدُّ الشعر الشعبي الأداة الهامة التي تعبر عن أحوال الناس وهمومهم وآمالهم وتحقيق طموحاتهم

متابعة/محمد القعود

حصل الباحث  عبدالله الحاج على درجة الماجستير من جامعة ذمار كلية الآداب قسم اللغة العربية  وذلك على رسالةالماجستير التي قدمها بعنوان “الشعر الشعبي في محافظة ذمار للمدة 1962 – 2010 م – دراسة في الاتجاهات والفن “، والتي تمت مناقشتها في جامعة ذمار خلال الأسبوع الماضي ,
وتكونت لجنة المناقشة من  د. عبدالعزيز المقالح مشرفا رئيسا – د. نجيب الورافي مشرفا مساعدا- . د.عصام واصل مناقشا داخليا- د. محمد معجب مناقشا خارجيا.
وهذه الرسالة  من الأطروحات الأكاديمية القليلة التي تتناول الشعر الشعبي في اليمن بصفة عامة وفي ذمار بصفة خاصة  وتفتح الباب لدراسة وتناول الشعر الشعبي وقضاياه وملامحه الفنية وما يحفل به من رؤى وإبداع . ولاشك ان هذه الرسالة العلمية ستضيف إلى مكتبة النقد الأدبي في اليمن الجديد وخاصة في دراسة الشعر الشعبي الذي لم يقترب منه النقاد وطلاب الدراسات الجامعية بما يعطيه حقه من البحث والدراسة والاهتمام الجاد.
والتحية للباحث الذي أنجز هذه الرسالة العلمية بجهوده الكبيرة  والجادة   والتي أثمرت عن دراسة علمية تستحق التقدير.
السطور التالية  تستعرض ملخص رسالة الماجستير التي أستعرضها الباحث أمام لجنة المناقشة.
مفهوم الشعر الشعبي
في بداية العرض تطرق الباحث إلى مفهوم وأهمية الشعر الشعبي وملامحه .. حيث قال :
-إن الشعَر الشعبي من وجهة نظر الأمة أو الشعب هو الذي يمسّ حياتها ويعالج مشكلاتها بوصفه جنساً أدبياً إذا كان عاماً في موضوعه مسَّ كل أفراد الأمة, بحيث يحس كل فرد بأنه موضوعه الذي يهمه, وله دور تعبوي يحثنا على معرفةِ مشاركة هذا الشعر في التعبيرِ عن مشاعرِ الشعب وأحاسيسهم وطموحاتهم وتطلعاتهم .
وإذاً فالشعر الشعبي يرتبط بالشعب,لأنه يصدر من الشعب, ويعود إلى الشعب؛ لأنه الكلام الذي يعبر به الشعب ـ أفراداً وجماعات ـ عن مشاعرهم وأحاسيسهم, أو أنه نتاج الملايين من هؤلاء الأفراد والجماعات جيلاً بعد جيل, ومن ثمّ فهو يتمتع بثراء واسع وتنوع في جميعِ اتجاهاته وخصائصه الفنية, لاسيماو “هو الذي يتناولُ هموم الناس وآمالهم وطموحاتهم وأراءهم في جميعِ القضايا المطروحة على عمرهم, سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية,شرط أنْ يكون هذا الشعر صادقاً وأن يكون بينه وبين الجماهير تجاوب تلقائيّ واتفاق مباشر.
وبهذا المفهومِ نُعِدُّ الشعر الشعبي الأداة الهامة التي تعبر عن أحوال الناس وهمومهم وآمالهم وتحقيق طموحاتهم وكل تطلعاتهم بكلّ صدق وشفافية, كون الأدب الشعبي ينبعث من عمل أجيال عديدة من البشرية, من ضرورات حياتها وعلاقاتها, من أفراحها وأحزانها, وأما أساسه العريض فقريب من الأرضِ التي تَشُقُّها الفؤوس, وأمَّا شكله النهائي فمن صنع الجماهير المغمورة المجهولة أولئك الذين يعيشون لصق الواقع.
أما الخلاصة للشعر الشعبي التي يصل إليها الباحث فهي:
خلاصة المفهوم هو أنَّ “الشعر الشعبي هو المروي والمكتوب معاً, هو الفصيح والعامي معاً, القديم والمتجدد معاً, وهو إلى جنب ذلك الحامل ثقافياً لطموح عام لدى الشعب؛ لأنَّ الشعر الشعبي في أسلوبه ومحتواه حصيلة لحياة عريقة عاشها الشعب, وبصفة عامة يوجز الباحث معنى الشعر الشعبيّبأنه اللسان المعبر عن حياة الشعب؛ كونَه الذي يتناول همومَ الناس وآمالهم وطموحاتهم وكلِّ تطلعاتهم, بأسلوب راق يعكِس الحس الشاعري الذي يمتاز به الشعراء.
دراسة رائدة
ويقول الباحث ان هذه الدراسة هي الرائدة في مضمار الأدب الشعبي على مستوى محافظة ذمار..   ويوضح ذلك على النحو التالي :
إذ تمثل هذه الدراسة إضافة متواضعة للبحث العلمي في مجال الأدب الشعبي على الرغم من افتقار الأدب الشعبي إلى دراسات أكاديمية, إذ نجد الدارسين ينصرفون عن مثل هذه الموضوعات, ولا يولون الأدب الشعبيّ الأهمية المرجوة في البحث العلمي ربما لقصور النظر إلى ما يمثله هذا النمط من الإبداع الإنساني, من أهمية, كونه متنفس الناس, ولسان حال همومهم.
وتعدُّ هذه الدراسة هي الرائدةُ في مضمار الأدب الشعبي على مستوى محافظة ذمار, إذ لم يتناوله باحث من قبل فظل كنزاً مطموراً يحتاج من ينفض عنه غبار الإهمال, مما دفع الباحث إلى اختيارِ هذا الموضوع ودراسته.
منهج تكاملي
أما منهج الدراسة فيقول الباحث :
– من ناحية المنهج فقد اعتمدت الدراسة على المنهج التكاملي,  لأن موضوع الدراسة يرتبط بالقضايا والاتجاهات والفن, فإن المنهج التكاملي لعله يكون الأقدر على سبر أغوار النصوص الشعرية الشعبية, إذ لا بد من الاستفادة من المناهج الأخرى, كما تقتضي الدراسة لاستكمال آليات البحث التي تكمن في جميع خصائصه الفنيةَ والموضوعيةَ والقيم والتقاليد في الشعر الشعبي بصفةِ عامة.
في الأدب الشعبي في اليمن عامة والشعر الشعبي خاصة دراسات قد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة, ومن أهمها الدراسة الرائدة: “شعر العامية في اليمن” للدكتور/ عبد العزيز المقالح, و”الأبعاد الفنية والموضوعية في الشعر الشعبي في تهامة” لخالد الأهدل, و”إنتاج الدلالة في الشعر العامي اليمني المعاصر” لمحمد عبده ناجي السامعي, و”شعر العامية عند الفضول”, لرضوان عبد الحليم علي الأسودي وبعض الدراسات كدراسةِ “محاضراتٌ في الأدبِ الشعبي” لعبدالله طاهر الحذيفي, ودراسة “الشعر الحميني النشأة والريادة” لعبد الجبار باجل, ومن المؤلفات الخاصة أيضاً: “فنون الأدب الشعبي في اليمن” لعبدالله البردوني, وشعر الغناء لمحمد عبده غانم, والتراث الشعبي لحمود العودي, والتراث الشعبي لحسين سالم باصديق, ومؤلفات أحمد الهمداني, وعلي صالح الخلاقي.
ثراء الموقع الجغرافي
لموقع ذمار الجغرافي والثقافي والعلمي أثره في تشكيلِ وعي الشعراء الشعبيين وغزارة نتاجهم المتمثل بتراث شعبي أدبي هام يُعدُّ معلماً من معالم الثقافة الشعبية ووسيلة لغوية عميقة التأثير متجلية بتسليط الضوء على أهمية هذا الموروث الشعبي, والعمل على تكريس الجهود العملية والعلمية لجمع هذه المادة الشعبية وتدوينها وتصنيفَها, لأنها ملك تراثي عام لكل المجتمع والشعب والأمة.
اتجاهات الشعر الشعبي
قد عمد الباحث إلى وضعِ خطة عمل توزعت على ثلاثة فصول وثمانية مباحث وتمهيد بعد جمع النصوص الشعرية وفحصها وفرزها وتحقيقها بالقراءة المتأنية والمستوعبة لهذه النصوص الشعرية, وتكرار هذه القراءة حتى تم الاستقراء والاستنباط في رصد الملاحظات والموضوعات الموزعة على فصول ومباحث هذه الدراسة,  كما يأتي:
تناول الفصل الأول: اتجاهات الشعر الشعبيّ, ويتكون من مبحثين, المبحث الأول: الاتجاه الوطني والقومي, والمبحث الثاني: الاتجاه الاجتماعي والوجداني.
تناول المبحث الأول القضايا الوطنية, كقضية الثورة, وأهم قضاياها المعاصرة, كالحرية والعدل والمساواة, وتصحيح مسار الثورة, والتغني بمنجزاتها التاريخية والفكرية, وقضية الوحدة ومتطلباتها الوطنية, وحب الوطن.
وتطرق الاتجاه القومي إلى لقضايا القومية المتمثلة في تناولِ المجد العربي ووصفه, وقضية الوحدة العربيةَ, وقضايا السيادة القومية التي تهم الأمة العربيةَ والإسلامية كافة.
وتطرق المبحث الثاني إلى القضايا الاجتماعية والوجدانية المتمثلة في قضية الأمية والجهل, وقضية العلم والتعليم, وقضية الفقر, وقضايا الثأر والقتل وحمل السلاح, وقضية غلاء المهور, وقضية الاستغلال والاحتكار, وقضايا القيم الاجتماعية, وقضايا الاغتراب, والمرأة بأسلوب توعوي دال مؤثر.
أعراف الشعر الشعبي
والفصل الثاني: تناول العادات والتقاليد والأعراف في الشعر الشعبي ويتكون من مبحثين, المبحث الأول: العادات الاجتماعية والشعبية في المجتمع الذماري, بصفة خاصة . وتناول المبحث الثاني: التقاليد والأعراف بصورة كاملة.
وتناول الفصل الثالث: السمات الفنية في الشعر الشعبي, ويضم أربعة مباحث, المبحث الأول: اللغة الشعريةَ, إذ تناول الباحث فيه أولاً: المعجم الشعري الذي يضم معجم الألفاظ الدينية والتاريخية والحضارية, وألفاظ المكان والأعلام, والألفاظ الاجتماعية والوجدانية, وتناول الباحث ثانياً: التركيب الذي ضم تراكيب الأفعال والجمل الفعلية والاسمية بكافة أنواعها, والتركيب الطلبي, كالاستفهام والنداء والأمر والنهي, لما لها من أهمية في جذب انتباه المتلقي وكسر الرتابة والملل, من خلال تلك الدفقات الخطابية المتتالية التي تنقله من حالٍ إلى حالٍ, والتقديم والتأخير, والتركيب الشرطي.
وتناول المبحث الثاني: إيقاع القصيدة الذي ضم إيقاع الوزن والقافية, والتصريع, والإيقاع السياقي, الذي أكسب الشعر الشعبي صدى موسيقياً رائعاً, كإيقاع التكرار, والتجانس, والتضاد.
وتناول المبحث الثالث: الصورة الشعرية, كالصورة البيانية المتمثلة في التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية, والصور اليومية.
وتناول المبحث الرابع: التناص والحوار الشعري (المناظرة), ثم تناول التناص بأشكاله الدينية والتاريخية والحضارية والأدبية والتراثية كافة, كالأقوال المأثورة والأمثال الشعبية والأسطورية, وتناولت الحوار الشعري في الشعر الشعبي بمحافظة ذمار, من خلال المناظرة الشعرية التي شكلت ملامح فنية وتجديدية, إذ اعتمدت هذهِ الدراسة على الدواوين الشعرية للشعراء الشعبيين بإمكاناتها الفنية والجمالية والإبداعية كافة, تناولها الباحث أملاً في أن تحقق هذه الدراسة الأهداف المرجوة منها. وأنهيت البحث بخاتمة أجملت أهم النتائج التي توصلت إليها في هذه الفصول
* وفي نهاية استعراض ملخص رسالته وجه الباحث شكره للجنة المناقشة ولمن ساعدوه في انجازها والاشراف عليها.. قئلا:
– أخيراً لا يدعي الباحث الكمال في هذه الدراسة, إلا أنه يحتسب أن جهده هذا قد يفتح أفاقاً جديدة, تضيء جوانب موضوعية وفنية قد لا تكون خافية على الباحثين, وتشكل إضافة متواضعة إلى المحاولات السابقة في فهم قضايا الشعر الشعبي وظواهره الفنية, ويأمل الباحث أن تتيح لنا الأيام بدراسات لاحقة في الأدب الشعبي بجميع فنونه لترميم نقاط العجز والنقص التي قد تلحظ في هذا البحث, وتقويم ما يمكن أن يكون قد اعوج فيها, وسد ما كان ينقصها وتلافي إذا فيه أخطاء و قعنا فيها.
وختاماً أتمنى أن تكون هذه الدراسة فاتحة خير لدراساتٍ جديدةٍ, لتمهيدِ الطريق َإلى إبراز تراثنا المشرق في اليمنِ عامة على حقيقتهِ الناصعةَ والمثمرةَ, التي خلقت لنفسها الاحترام والثناء فَخُلِدَت في سجلِ التاريخ.

قد يعجبك ايضا