11 فبراير ..الأحلام المسروقة

د.أحمد صالح النهمي
كانوا يتقاطرون إلى ساحات الثورة زرافات ووحدانا، تجمعهم آمال ثورية نقية،  ترسم ملامح الخروج من الحاضر البائس إلى المستقبل المنشود، المستقبل الذي تتحقق في ظلاله الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، دولة الحرية والمساواة، دولة النظام والقانون، دولة الكفاءات والمؤسسات، دولة اليمن القوي الموحد التي ظل يرسم لوحتها الجميلة شهداء الحركة الثورية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
كان شباب الثورة يدركون حجم الخسائر التي مني بها الشعب بعد أن أضاع حكامه فرصا ذهبية للخروج باليمن من ضيق الجغرافيا إلى آفاق الوطن، ومن دولة الفرد إلى دولة المؤسسات، ومن الفردية المستبدة إلى الديمقراطية العادلة…فالوحدة اليمنية التي تعد التحول المفصلي الأهم في تاريخ اليمن المعاصر لبناء الدولة اليمنية المنشودة ضاعت كفرصة تاريخية بفعل الاستئثار بالسلطة ، والتحالفات المشبوهة لإقصاء الآخر كما فعل حزبا المؤتمر والإصلاح بالحزب الاشتراكي اليمني ، فعاد الوطن من جديد إلى مرحلة الفردية المستبدة والحزب الواحد الذي يستأثر بالتحكم في سلطته قلة قليلة من النافذين .
في 2011م، لم تكن اليمن بمنآى عن رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية فتفاعلت معها قطاعات واسعة من فئات الشعب ومكوناته المختلفة،واشتعلت  ثورة 11 فبراير الشبابية مدفوعة بحلم التخلص من الحاضر المختنق بالفساد، واحتكار السلطة والثروة  والسعي نحو بناء دولة المؤسسات والارتقاء بالاقتصاد الوطني وزيادة دخل الفرد وسوى ذلك من الأحلام التي ترسمها الثورات في مراحل التكوين على المستوى النظري .
أولى نكسات ثورة فبراير الشبابية كانت بفعل الانضمام إليها  من قبل ضلعي مثلث النظام الحاكم على مدى أكثر من ثلاثة عقود زمنية ، وتبعا لهذا الانضمام تحولت هتافات الشباب في ساحات الثورة من (الشعب يريد إسقاط النظام) إلى (الشعب يريد إسقاط الرئيس)، وبذلك تقلصت أهدافها من ثورة نقية شاملة على نظام فاسد متخلف إلى ثورة انتقائية محددة، تهدف إلى الانتقام من شخص أو أشخاص محددين، وإقصائهم عن الحكم لصالح أشخاص يمتلكون نفس الثقافة، ويمارسون نفس الممارسة، وإذا بهم يقلعون “بُصلي” ويغرسون “ثومي” .
كانت هذه الخطوة مؤشرا خطيرا على انتقال زمام قيادة الثورة من أيدي شباب ساحات الثورة وميادينها إلى أيدي الطارئين عليها، فأصبح نصف النظام السابق هم من يقود الثورة ضد نصفه الآخر معتمدا على قاعدة شبابية داعمة، ونتج عن هذا انقسام المؤسسة العسكرية، ثم أحداث تفجير جامع النهدين التي اصطبغت بسيناريوهات إرهابية لا صلة لها بالثورة السلمية الشبابية، وأخيرا جاءت المبادرة الخليجية التي ضمنت بقاء أضلاع مثلث النظام السابق وشرعنت استيلاءها على السلطة من جديد مؤكدة بقاء الاستبداد والارتهان للوصاية الخارجية وإقصاء جماهير الشعب اليمني الثائر عن القرار الوطني والتأثير عليه، وكأننا يا بدر لا سرنا ولا جينا، وساعد على ذلك غياب المشروع السياسي البديل للقوى السياسية المناوئة للنظام، وفساد النخب الحزبية في قيادات المشترك التي سارعت إلى تقاسم السلطة وإقصاء شباب الساحات.
التحدي الخطير الذي يواجه اليوم كل شرفاء الوطن ونخبه الفكرية والسياسية الوطنية هو أننا نقف على مفرق طريقين، إما التنازل للوطن في حوار يمني يمني يهدف أولا وقبل كل شيء إلى إيقاف العدوان الظالم ورفع الحصار الجائر وتحقيق السلام الداخلي، ثم إعادة بوصلة الثورة إلى اتجاهها الصحيح لتحقيق الأحلام الثورية التي ضحى من أجلها اليمنيون كثيرا، وإما الطريق الآخر، طريق الارتهان للخارج الذي تتحقق أطماعه الاستعمارية في ظل تشجيع الاقتتال الداخلي وضياع الوحدة والسيادة والديمقراطية وكل الأحلام الجميلة لليمنيين .

قد يعجبك ايضا