إلى أن نلتقي يا صديقي!!

جمال الظاهري
ليس كل من غيبته الدنيا مودع وليس كل حاضر باقياً إلى الأبد .. أدرك أنني لن أراك بعد الآن، ولكن حضورك في ذهني وفي خلد كل من عرفك عصي على النسيان.. عودتنا على الحضور المعنوي والحسي فذهب الأخير وبقى الأول.
صحيح أن سماع التحية منك أو رؤية التلويح بيديك قد فارقتنا وأوجعتنا ولكن مآثرك ومساعيك الحميدة وطبعك المفعم بالرجولة والشهامة ومآثرك تلوح لنا في كل مناسبة وعند كل حدث صغيراً كان أو كبيرا.
وداعا صديقي العزيز (أبو حمزة) سأفتقدك دوما.. بل سيفتقدك كل الأصدقاء وجميع من عرفك على اختلافهم لقد كنت خير الأخ والصديق والمناضل الجسور الذي لا يشق له غبار, نم قرير العين صديقي إبراهيم محمد الكحلاني بالتأكيد ستبقى ذكراك خالدة بيننا ما حيينا وفي سجل العظماء من أبناء الشعب اليمني, وسيردد اسمك ويفخر بمسيرتك العطرة أهلك وأقاربك وأصدقاؤك وكل حر شريف, أنت وأمثالك وإن غيبتهم الدنيا فإنهم لا يموتون لأنهم صنعوا تاريخا لأنفسهم وقيمة لأوطانهم وخطوا منهجاً ثرياً لمعنى التضحية والدفاع عن الإنسانية.
تعلقنا بك وبهدوئك ووقارك في الحل والترحال في المقيل والسمر في حالات الزحام والخصام وفي الأفراح والأتراح, نعم كنت البلسم والطبيب المسكن للأوجاع والمنعش للأمل وترياق المحبة التي يلجأ إليه من الم به الوجع ومخزن أسرار من فقد الثقة في اقرب الناس إليه.
كما اختزنت يا صديقي في داخلك من صور وسجلت من مشاهد؛ غضب الناس، تداخلاتهم، شتائمهم وحركاتهم وحتى صبرهم المتثاقل وصمتهم، بانتظار القادم إليك, يا صديقي هذا هو ما عرفته عنك وعشته بيننا.
لا أعرف ولا أدرك من أين أبدأ معك.. ولا أعرف كيف وإلى أين سنصل في ظل صمتك الذي لم نعتده.
نعم، فقد علمتنا كيف نواصل ونحافظ على الجمال في حياتنا وضربت لنا أروع الأمثلة في الحب والبذل واختتمت المسير بتعليمنا كيف يكون الفداء والتضحية, ولكنك لم تعلمنا كيف نصبر على فراقك ونسيان بسمتك وحضورك الطاغي على كل تفاصيل حياتنا التي عشناها معك.
لم يسعفنا الوقت لإدراك منبع النبل الذي عرفناك به, ولا اعرف كيف أحذفك من حساباتي ومراجعي التي كنت كلما واجهني خطب أو ألم بمن اعرفه مصيبة يذهب خاطري وحواسي صوبك واثقاً وكلي يقين بأن لديك العلاج والحل لكل ما استعصى مهما كان.
لقد كنت أول خياراتي وقبلة الكثيرين ممن عرفوك, نعم لقد كنت لي ولغيري الطريق والسبيل الذي نقصده والنبع الذي اعتدنا أن نشرب أفكارنا ومعارفنا وقيمنا الروحية منه, نعم اعتدنا أن تكون جزءاً رئيسياً من حياتنا, حتى في تلك الأوقات التي كنا نغبطك فيها، لقد كنت بالنسبة لنا نقطة الانطلاق وحجر الرحى التي ندور حولها بشقاوتنا وعبثنا كإخوة صغار أنت من تكفل برعايتهم وتربيتهم كقدوة نحاول جميعاً تمثلها.
لكنها الحياة يا صديقي الحياة التي ترفض الاستقرار والتطبيع الحياة التي جبلت بالتقلب والانتقال من حال إلى حال, إنها الصيرورة الحتمية التي نحن مجبرون ولا نملك فيها خيار الصيرورة, والقدر الحتمي الذي علينا أن نتقبله مكرهين, كم نحن بحاجة إليك وإلى أمثالك على ندرتهم, كم هي مجحفة هذه الحياة التي ترفض التوقف احتراماً لذكراكم ولما تمثلونه في غرف قلوبنا التي لا يراها أحد غير أصحابها.
تركتني ومحبيك بهدوء وها أنا أجلس وحدي هنا,لا أحد بجواري, هكذا اشعر يا صديقي وتوأم روحي, وحدي لا اشعر بشيء غير الخواء إلى من شعوري بأن كل شيء قد انتهى برحيلك, كم كنت غبياً .. بل وأحمقاً حين لم أدرك قيمة وجودك إلا بعد رحيلك, ولكن ما جدوى هذه المعرفة الآن, انتهى كل شيء بسرعة وفجأة لم تسعفن الأيام والسنون التي قضيناها معاً لأعتذر منك على أمر اقترفته بحقك أو مشاغبة أزعجتك وكدرت خاطرك لم تسعفن لأشكرك لمعروف أسديته لي أو عون أو نصيحة انتفعت بها في حياتي, كأن الموت أسرع من بديهتي وأحد من نظرتي للحياة التي قطفها بلا إنذار أو تنبيه أو حتى إشارة عابرة.
آه كم هي كثيرة اللحظات التي لجأت فيها إليك طالباً الوقوف بجانبي, بلا رحمة قطفوا حياتك وغيبوك عن ناظري, أي نوع من البشر هؤلاء وأي قلوب يملكونها, لو كانوا يعرفون من أنت وماذا تمثل لمن عرفك صديقاً مثالياً عاش لأصدقائه ومحبيه متناسيا نفسه لما تجرأوا ولما تجاسروا عليك وعلى أمثالك هذا لو كانوا يعرفون ما تمثله من قيمة ورجولة ونموذج للإنسان السوي الذي يعمر القلوب قبل أن يعمر القصور ويزينها بالغالي والنفيس.
ماذا أفعل بذكراك الآن يا صاحبي قلبي لا يطاوعني بأن أنسى بقاياك التي تحاصرني من كل مكان وترفض أن تكون إحدى مقتنياتي المكومة في خزانة الذكريات.
بالتأكيد أني اليوم وفي غدي سأستقبل صديقاً وأصدقاء جدد وأنا اشعر بأن إصباغ هذا المسمى عليهم خيانة لصداقتنا, ولكنها الحياة وحاجتنا للبقاء يا صديقي, ولكني أعاهدك أن لا أصادق إلا من وجدت فيه بعضاً منك لأنه لا يمكن أن أجد في غيرك كل ما اتصفت وعرفت به.
سأتجاسر عبر هذه الكلمات وأقول وداعاً يا صديقي, ولكن حضورك وكل تفاصيل صورتك ستبقى مقياساً وشاهداً حياً على طيب الرفقة التي جمعتنا أياماً وسنوات أطفالاً وشباباً ومن ثم رجالاً, سينقص من اكتمال حياتنا معاً الكهولة نعم الكهولة التي وددت لو أنك لم تغادر كي امسك بيدك ونذهب سوياً لنتفقد ما مضى من عمرنا ونتذاكر التجارب والأحداث التي مرت بنا وكيف تعاملنا معها سأحن إلى توبيخك ونصحك وإلى زياراتك لي وسيري إليك, نعم الآن أعرف مقدار خسارتي ولكني أهنئك على جسارتك وعلى اختيارك لساعة التوقف والمغادرة وللكيفية التي اخترت بها أن تغادرنا شامخاً بكبرياء باذلاً ومضحياً كما عرفناك وألفناك, فهنيئاً لك الشهادة وهنيئاً لنا المفاخرة بك ومن قبل ذلك مرافقتك في سالف الأيام.
لا أقول وداعاً يا صديقي الغائب الحاضر ولكن إلى اللقاء .. ولا نامت أعين الخونة والجبناء.
كتبت هذا المقال ترجمة لمشاعر صديق ورفيق الشهيد/ محمد أحمد الاجهر الذي جمعتني به الصدفة في إحدى زياراتي لمدينة حجة
Aldahry1@hotmail.com

قد يعجبك ايضا