التراث العلمي العربي وقاماته

> إبحار في سفر الحضارة العربية والإسلامية

 

عرض/ خليل المعلمي

شهدت الحضارة العربية والإسلامية ظهور قامات علمية عربية وإسلامية أثرت الحضارة الإنسانية بالكثير من الإنجازات العلمية في مختلف المجالات، الطب والزراعة والكيمياء والجغرافيا والتكنولوجيا والجيولوجيا والفلسفة والآداب والتاريخ وعلم الاجتماع والرياضيات والتاريخ وغيرها.
ويسرد لنا الباحث صلاح الشهاوي في كتابه “التراث العلميّ العربيّ وقاماته” سيرة وإنجازات أربعة عشر عَلَماً في سِفْر الحضارة العربيّة الإسلاميّة، كان لهم دورهم العلمي والحضاري وإنجازاتهم في الكثير من المعارف والعلوم والإبداعات في شتى ميادين العلم والمعرفة، من خلال خمسة عشر فصلاً.
التراث العلمي بين الارتقاء والانحطاط
يناقش المؤلف في الفصل الأول إمكانية أن يعود العرب والمسلمون إلى عظمتهم الماضية وإلى زعامة العالم السياسية والعلمية كما كانوا من قبل، لو أنهم عادوا إلى فهم حقيقة الحياة في الإسلام والعلوم التي حث الإسلام على الأخذ بها.
وقال: من الثابت علمياً أيضاً أن العرب حملوا أنوار الإسلام إلى الدنيا ورفعوا لواء الحضارة والعلم والمعرفة قرابة ثمانية قرون من الأندلس غرباً إلى بلاد السند شرقاً وتركوا للمعرفة الإنسانية تراثاً لم تتركه أمة قبلهم ولا بعدهم، مؤكداً أننا في حاجة اليوم إلى إحياء التراث العروبي الإسلامي في العلم والأدب والفن والشعر وجميع مناحي الحياة.
وتكمن أهمية الكتاب- كما يؤكدها المؤلف- في شقين الأول: أن نتعرف على تراثنا العلمي والفكري الذي نجهله ونعتز به لنجعل من ذلك خطوة للانطلاق نحو المستقبل، أما الشق الثاني: فإن معرفتنا لهذا التراث يساعدنا على اكتساب الثقة بالنفس اللازمة للعودة إلى استيعاب مقومات الحضارة مرة أخرى وخوض سباقاتها العلمية والتكنولوجية بالمقدرة التنافسية المطلوبة لمجاراة الأمم المتقدمة.
ويؤكد المؤلف تعرض التراث العلمي العربي والإسلامي إلى جحود غربي، من خلال الأيديولوجية السائدة في القرن التاسع عشر التي كانت تقول إن الغرب هو مصدر وأساس الحضارة، ووفق ذلك أبعد العلم العربي أو أخفي واقتصر البحث فيه على دراسات المستشرقين، مع أن العلم العربي قبل ذلك الوقت هو العلم الذي بنوا عليه نهضتهم العلمية وكانت اللغة العربية هي لغة العلم والبحث وقد تمت إنجازات العلم العربي على أيدي أناس اهتموا بالعلم اليوناني ودرسوه لا كتلامذة بل كباحثين، فأبدعوا الكثير في ميادين علم ذلك الزمان.
الكيميائي ابن حيان، والطبيب الرازي
أشار المؤلف إلى أن المسلمين أعادوا تأسيس علم الكيمياء وتقدموا به تقدماً كبيراً على طريق تحضير الكثير من المركبات الكيميائية، وذكر جانباً من سيرة العالم الكيميائي العربي جابر بن حيان الكوفي، وأبرز انجازاته العلمية في الكيمياء، ووضعه للأسس العلمية للكيمياء الحديثة والمعاصرة، وتحضيره لعدد من المواد مثل “الملح القوي، ملح الأمونيا، ملح البول، حجر جهنم، الراسب الأحمر، المستحلب الكبريتي”.
كما تحدث عن الطبيب أبو بكر الرازي وعن أهم مؤلفاته الطبية، وأقواله المأثورة في العلاج، منها: ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبداً بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس.
الفضاء والتكنولوجيا
وفي مجال الفضاء، تحدث المؤلف عن العالم الموسوعي وأول رائد فضاء في التاريخ عباس بن فرناس الأندلسي القرطبي، وآثاره العلمية كالميقاتة، وذات الحلق، والقبة السماوية، ومحاولته المبكرة للطيران، وبيان الاعتراف الغربي بمحاولته الأولى للطيران.
وأشار إلى ريادة العرب في النهج التجريبي والتكنولوجيا العلمية “علم الحِيَل/ الميكانيكا”، وبرع في ذلك العالم أبي بكر الجزري، وبيان علم الحِيل العربي، وأبرز إنجازاته ومؤلفاته في هذا العلم خاصة في دائرة الاختراعات الميكانيكية وصناعة الآلات.
ابن الهيثم وابن البيطار
وأشار المؤلف إلى إنجازات العلماء العرب في علم “البصريات” وقيامهم بتطويره بعد أن كان مجرد مجموعة من الحقائق المتفرقة، وأسسوا فيه فروعاً متخصصة أهمها علم المناظر المعروف الآن بعلم البصريات الذي برع فيه الحسن بن الهيثم، وأنجزوا قدراً هائلاً من الاكتشافات المهمة في دائرته، وأضافوا الكثير إلى علم الأيدروستاتيكا الذي أسسه الأغريق.
وتطرق إلى إنجازات العرب في مجال النبات والفلاحة خلال العصرين الأموي والعباسي، ثم في المغرب العربي والأندلس، والإشارة إلى المؤلفات العربية في مجال الزراعة والحرث والريّ، وعملهم في مكافحة الأمراض الزراعية، ثم الحديث عن علماء العرب في مجال الزراعة والفلاحة والريّ والنبات، ومن أهمهم ابن البيطار صاحب كتاب “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية”.
رواد الجغرافيا والرياضيات
وأوضح المؤلف ريادة العرب في علم الجغرافيا الذين افترشوا الصحراء بمفازاتها الواسعة بوصف جزيرتهم وبمشاهداتهم لأماكنها المتشعبة، وبيان انجازاتهم في العلوم الجغرافية لأبرز العلماء الجغرافيين العرب أمثال البيروني، والإدريسي، والمقدسي.
وأشار إلى اهتمام العلماء العرب والمسلمين بعلم الرياضيات، وبرز فيه الخوارزمي الذي كان له إنجازات ومؤلفات وفيرة في هذا التخصص، حيث كتب في الحساب والجبر والهندسة، وفي علم الهيئة “الفلك” وفي الجغرافيا.
علماء التاريخ والفلسفة
وأوضح المؤلف دور العرب في علم التاريخ الذي ظهر على أيدي المسلمين الأوائل، فقد نُسِبَ إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضيّ الله عنه وضع التاريخ، أما تقي الدين المقريزي فحدثنا صاحب الكتاب بأنه أحد أعلام التاريخ وأبرز مؤلفاته التاريخية المهمة كالسلوك لمعرفة دول الملوك، عقد جواهر الأسفاط في تاريخ مدينة الفسطاط، الإعلام بمَن مَلَك أرض الحبشة في الإسلام.
وأشاد المؤلف بما حققه علماء الحضارة العربية الإسلامية في مجال الفلسفة، وتطلعهم إلى استخدام القياس العقلي في الأمور المستحدثة التي وجدت في الواقع الإسلامي ولم يكن لها نصّ صريح في القرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة، ثم تحدث عن سيرة حياة أبي يوسف يعقوب الكندي، وتعمقه في الفلسفة الإغريقية وترجمته للعديد من كتبها ودراسته للتنجيم وعلم الفلك، علم الكونيات، الرياضيات، الكيمياء وصناعة العطور، الفيزياء والبصريات، الطب، الموسيقى، وتطرق إلى مؤلفاته في هذه المجالات.
مجال الطب والصيدلة
وأكد المؤلف اهتمام العرب اهتموا بطب الأسنان اهتماماً كبيراً، واعتبروها من الأعضاء النبيلة والأصلية في الجسم، وكانوا رواداً في تخدير المرضى لخلع الأسنان، وأشار إلى جهود الطبيب ابن سيناء ومؤلفاته، وقواعده التي ارساها للحفاظ على الأسنان مما يندرج تحت باب الطب الوقائي.
وفي مجال الصيدلة تحدث عن دور داوود الأنطاكي في هذا المجال، وأبرز إنجازاته وأهم العلماء الذين اشتغلوا فيها.
التيفاشي والجيولوجيا
لم ينس المؤلف دور العرب في علم الجيولوجيا، فتحدث عن أبرز من اشتغل بهذا العلم وهو “التيفاشي”، مشيراً إلى إنجازاته العلمية حيث وضع أول تصنيف علمي صحيح للمعادن، ولبيان أشهر مؤلفاته في الجيولوجيا وعلم المعادن وهو “أزهار الأفكار في جواهر الأحجار”، ثم مصنفاته في الطب، الجغرافية، علم الأرصاد الجوي، التاريخ، الشعر، الأدب والفنون، الموسوعات التفسير وفنون شتى.

قد يعجبك ايضا