البحرين ترسخ لقانون “قمع” المدنيين بمحاكم عسكرية

الثورة نت/ وكالات

في الوقت الذي تتصاعد فيه موجة الغضب الشعبية البحرينية ضد النظام المحجف الذي يطبقه في السلطة، من قمع للمظاهرات وقتل بدم بارد وإسقاط جنسية ومطاردة المعارضة السياسية واعتقالها، يختار النظام البحريني أن يشعل المزيد من الغضب في الشارع، من خلال تعديل دستوري يهدف إلى تكريس المزيد من الإجراءات التعسفية.

وافق مجلس النواب البحريني على تعديل دستوري يتيح محاكمة المدنيين عسكريًّا، على أن يُرفع التعديل إلى مجلس الشورى، وخلال 15 يومًا يكون على طاولة الحكومة البحرينية لترفعه من جانبها إلى الملك لإقراره رسميًّا، حيث صوَّت 31 نائبًا على التعديل الدستوري، فيما رفض نائب واحد المشروع، وامتنع ثلاثة نواب آخرين بينهم إمرأة عن التصويت.
جرى شرح التعديل في مذكرة لتبرير رفع حظر محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية، واستخدمت السلطات في هذه المذكرة مبررات منها تفشي ظاهرة الإرهاب بالمنطقة، ومرونة وسرعة المحاكم العسكرية في التحقيق والمحاكمة، وقالت مصادر واكبت عملية إقرار القانون في مجلس النواب، إن مسؤولين من الجيش والشرطة البحرينية حاولوا إقناع النواب بضرورة تطبيق القانون، مبررين ذلك بأن التعديل يهدف إلى حماية الأجهزة الأمنية، بما في ذلك منشآتها وأفرادها وضباطها من جميع الأعمال الإرهابية.

من جانبه قال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش، جو ستورك، إن محاكم البحرين، مدنية وعسكرية، جزء من منظومة القمع التي تستهزئ بمعايير المحاكمة العادلة في محاكمة المعارضين السياسيين، الحل لا يكمن في ضخ مزيد من السرعة والمرونة في نظام القضاء البحريني، وهو أصلًا مجحف للغاية، وأضاف ستورك أن المنظمة وثَّقت الانتهاكات المتكررة والممنهجة لإجراءات المحاكمة العادلة في محاكمات معارضين سياسيين في البحرين أمام محاكم مدنية وعسكرية.
وذكرت المنظمة أنه طبقًا لتقرير صدر في نوفمبر عام 2011، عن اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وهي هيئة دولية عيّنها الملك للتقصي في أمر الانتهاكات أثناء التعامل مع مظاهرات ثورة 14 فبراير عام 2011، أدانت هذه المحاكم نحو 300 شخص في جرائم سياسية في محاكمات خُصصت لـ«معاقبة المعارضة وردع المعارضة السياسية»، وأضافت المنظمة أن المحاكم المدنية دأبت منذ عام 2011 على إدانة المدعى عليهم في جرائم مزعومة لا تزيد عن تعبير المدعى عليهم عن آراء سياسية، لتبرير الحُكم على نشطاء معارضين بارزين بالسجن لمدد مطولة.

في الإطار ذاته، خلصت هيئات حقوقية دولية إلى أن محاكمة المدنيين عسكريًّا تخرق حق المحاكمة أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة، وذكرت لجنة حقوق الإنسان، وهي هيئة الخبراء الدولية التي تُفسر «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»الذي صادقت عليه البحرين في عام 2006، على أنه لا يُحاكم المدنيون عسكريًّا إلًّا في ظروف استثنائية تكفل كامل الأصول القانونية للمحاكمة.
من جانبه قال ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير، إن جرائم النظام اللاإنسانية بلغت حدًّا فرعونيًّا، وإنها لتعجل سوء عاقبته، مشيرًا إلى أفعاله من قتل للأبرياء وهتك للأعراض واستباحة للحرمات، والتعرض للنساء من اعتقال وتشهير بهن على وسائل إعلامه، في وقت يتغنى في المحافل الدولية بحقوق المرأة البحرينية، وشدّد الائتلاف على مواصلة الحراك الثوري، والقصاص لدم الشهداء، وإسقاط النظام والتمسك بحق تقرير المصير، وفق ما أسفرت عنه نتائج الاستفتاء الشعبي، مهما بلغت الاعتقالات والتهجير.
يرى مراقبون أن هذا المشروع يشكل انتهاكًا جديدًا لحقوق الإنسان ليكون حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات التي يمارسها النظام ضد معارضيه، حيث يهدف هذا المشروع إلى إلى فتح المجال أمام القضاء العسكري لمحاكمة المدنيين بالقضايا التي تتعلق بالإرهاب في محاكم عسكرية، وكذلك محاكمتهم في حال ارتكبوا جرائم «تضر بالمصلحة العامة»، وهو المصطلح المطاط والجريمة الجاهزة التي يلفقها النظام البحريني لأي مُعارض مُعادي لسياسات الملك وحاشيته، فيتم اتهامه بالإضرار بالمصلحة العامة وتهديد الأمن القومي للبلاد، ليكون الاعتقال والمحاكمة العسكرية هي مصيره، على الرغم من أن مهمة القضاء العسكري هي فقط محاكمة العسكريين الذین يرتكبون جرائم بحق المدنيين والعسكريين، وليس محاكمة المدنيين، لكن هذا القانون من شأنه أن يعطي صلاحيات أوسع للنظام البحريني ويمكّنه من اعتقال أكبر عدد ممكن من المدنيين المعارضين لسياسته تحت ذريعة “الإضرار بالمصلحة العامة.

تنص الفقرة «ب» من المادة 105 في الدستور البحريني التي جري تعديلها مؤخرًا، على أن «يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي تقع من أفراد قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يمتد إلى غيرهم، إلَّا عند إعلان الأحكام العرفية، في الحدود التي يقررها القانون، أما الفقرة الجديدة التي تتم مناقشتها الآن، فتلغي هذه الحصرية وتحمل القانون مسؤولية تنظيم عمل القضاء، وجاء فيها «ينظم القانون القضاء العسكري، ويبين اختصاصاته في كل من قوة دفاع البحرين والحرس الوطني وقوات الأمن العام».
يتزامن إقرار هذا المشروع في مجلس النواب مع تصعيد شعبي كبير وغير مسبوق منذ انطلاق الثورة البحرينية في 14 فبراير عام 2011، حيث شهدت البلاد خلال الأسابيع الأخيرة مظاهرات شعبية غاضبة واعتصامات في العديد من المناطق، أبرزها منطقة الدراز؛ احتجاجًا على اعتقال وقتل المعارضين للنظام البحريني، الذي كان آخرهم الشاب عبد الله العجوز، الذي قتلته سلطات البحرين الاثنين الماضي في بلدة النويدرات جنوب العاصمة المنامة.

قد يعجبك ايضا