السجناء المعسرون.. حتى متى؟!!

> بين التطبيق الجامد للقانون و”الاحتياط بالضمان” للحق الخاص:
> القاضي المهدي: بقاء المحكوم عليه سجينا على ذمة النيابة يجعلها سجانا للمحكوم له
> د. نجاد: يجب البحث عن سبب بقاء السجين في السجن بعد انقضاء مدة العقوبة الجنائية
> مفتي الجامع الكبير بصنعاء: لا يجوز شرعاً حبس من ثبت إعساره بل يجب إطلاق سراحه
> قانونيون يوصون بتفعيل التفتيش الدوري من النيابات على السجون وأماكن الاحتجاز
> مطالبات محامين بوضع آلية لتنفيذ الحق الخاص وإنشاء صندوق مالي عام خاص بالسجناء المعسرين

حسن شرف الدين
يواجه المئات من السجناء في مختلف سجون وإصلاحيات الجمهورية اليمنية مشكلة استمرار تواجدهم في السجون لعدم وجود نصوص قانونية صريحة تساعدهم في إيقاف استمرار حبسهم..
“الثورة” تتقصى الموقف الشرعي والقانوني من استمرار حبس المحكوم عليه بعد أن قضى عقوبة الحق العام وإيجاد الحلول والمقترحات المناسبة التي تساعد القابعين في السجون على استعادة حريتهم والاندماج في المجتمع كمواطنين لهم كافة حقوق المواطنة وعليهم كافة واجباتها المحددة في الدستور والقانون.

بداية يؤكد وكيل نيابة الإصلاحية المركزية في أمانة العاصمة القاضي عبدالله المهدي أنه “لا توجد قواعد خاصة لتنفيذ الأحكام المدنية الصادرة من المحاكم الجزائية تختلف عن تلك المقررة في قانون المرافعات والتنفيذ المدني، بمعنى أن أمر التنفيذ في هذه الحالة من اختصاص قضاة التنفيذ وفقا لقواعد التنفيذ الجبري المبنية في أحكام الكتاب الثاني من قانون المرافعات”.
ويضيف المهدي في ورقة عمل له بعنوان ” تصور مقترح لآلية تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية” قدمها في ورشة عمل لمؤسسة السجين: “يمكن تحديد مشكلة السجين المحبوس بعد قضائه عقوبة الحق العام في عجزه عن تقديم الضمان الذي تقرره النيابة لإخلاء سبيله.. وعزوف المحكوم له عن سلوك الطريق القانوني للتنفيذ في الجانب المدني من الحكم.. كما أن النيابة تجد نفسها بين مطرقة التطبيق الجامد لنصوص القانون وسندان الاحتياط بالضمان للحفاظ على حقوق المحكوم له، ومع بقاء المحكوم عليه سجينا على ذمة النيابة ستكون بمثابة السجان للمحكوم له.
مقترح حل
وفي رؤيته للحل يقول المهدي: “كما يمكن معالجة هذه الإشكالية عن طريق قيام النيابة بإعلان المحكوم له إعلانا صحيحا عقب صيرورة الحكم قابلا للتنفيذ مدنيا للمثول أمامها وعند حضوره تحرر معه محضرا ترشده فيه إلى ضرورة تقديم طلب تنفيذ أمام القاضي المختص خلال فترة يتفق عليها ما لم فإن النيابة ستضطر لإخلاء سبيل المحكوم عليه.. وعلى المحكوم له تسليم صورة من طلب التنفيذ وسنده إلى النيابة خلال الفترة المحددة.. كما على النيابة تحرير خطاب إلى المحكمة أو قاضي التنفيذ تطلب فيه تحديد موعد لجلسة التنفيذ لتتمكن من إحضار المحكوم عليه محبوسا أو مفرجا بالضمان للمثول أمامها كطرف ثان في الدعوى التنفيذية مع إرسال أصل الضمان إلى المحكمة إن وجد، وبالتالي ستكون المحكمة ملزمة بعد مثول المحكوم عليه أمامها بالتصرف في شأنه بأي طريقة ومن ثم السير في إجراءات التنفيذ وفق القانون، وفي حال قررت المحكمة حبس المنفذ ضده تحرر النيابة خطابا إلى الإصلاحية مرفقا به صوراً من محضر جلسة التنفيذ لإيداع المنفذ ضده على ذمة المحكمة.. وتستكمل النيابة عقب ذلك إجراءاتها بما يفيد بعد تمام التنفيذ في الحق العام وحفظ الملف”.
قانون واضح
من جانبه يؤكد أستاذ القانون الجنائي في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء الدكتور محمد راجح نجاد في ورقة عمل له حول “رأي القانون اليمني والدولي في قانونية بقاء السجين المعسر بعد أن قضى الحق العام” أنه ” لا يمكن توقيع العقوبة على أي شخص يرتكب جريمة أو فعلا يضر بالمجتمع إلا بعد تحديد الأفعال التي تعد جريمة، وتحديد العقاب من قبل الشارع الحكيم، وهو ما نجده في دستور الجمهورية اليمنية ودساتير العالم، وكذا القوانين أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ومن هذا المنطلق يجب البحث عن سبب بقاء السجين في السجن بعد انقضاء مدة العقوبة الجنائية التي طبقت عليه بموجب ارتكابه للجريمة، وبناء على النص القانوني “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، هذه العقوبة تأتي بناء على أحكام الدعوى المدنية التبعية الناشئة عن الجريمة، والتي نظمها قانون الإجراءات الجزائية اليمني”.
ويضيف الدكتور نجاد: “إن الجريمة التي تنشأ من ارتكاب الشخص لها قد تولد بجانب الجريمة الجنائية دعوى أخرى وهي الدعوى المدنية نتيجة للضرر المادي أو المعنوي الذي ينشأ عن الجريمة، ومن حق المتضرر أن يلجأ إلى القضاء الجنائي أو القضاء المدني فإذا اختار القضاء الجنائي ارتبطت الدعوى بالدعوى الجنائية وصار من حق القاضي الجنائي أن يفصل في المدعيين معا فيحكم بالعقوبة في الحق العام وبالتعويض عن الضرر في الدعوى المدنية.
لا يجوز شرعاً
وحول رأي الشريعة الإسلامية في مشروعية بقاء السجين المعسر بعد أن قضى الحق العام يقول مفتي الجامع الكبير بصنعاء العلامة عبدالله الراعي: إذا تأملنا في مقاصد الشريعة الغراء وجدناها مراعية لأحوال الناس ككل، باليسر والرحمة والحنو “يريد الله بكم اليسر” ومن هؤلاء (المساجين) الذين لم يكن جرمهم إلا الإعسار في الوفاء بما تعلق بذمتهم من ديون مالية، الذين بوُّب لهم العلماء باباً أسموه “المعسر والمفلس” أي من لا يملك شيئا غير ما استثني له، وبعبارة أدق “من لا يفي ماله دينه”.
من هنا يؤكد العلامة الراعي أنه “من ثبت إعساره فلا يجوز شرعا حبسه أو بقاؤه بالحبس، بل يجب إطلاق سراحه اتباعاً لقوله تعالى “وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم”.. فهذا الحكم التكليفي أخذ منه إما إنظاره حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجا، أو حط ما تعلق بذمته من قبل من له الدين، ولا سبيل عليه وراء ذلك لقوله تعالى “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم” ومثل هذا حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أخرجه مسلم وغيره من حديث ابي سعيد قال “أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “تصدقوا عليه”.. فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه؛ فقال: “خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك”.. ولذلك جزم الإمام الشافعي والمؤيد بالله ويحيى بن حمزة في حق هؤلاء أنه لا حبس عليهم وأن الحاكم إذا ثبت لديه بالقرائن إعساره فحبسه فقد جار في الحكم”.
حلول متاحة
قضاة ووكلاء نيابة ومحامون أوصوا بأهمية تفعيل دور النيابة العامة والخاص بالتفتيش الدوري على السجون وأماكن الاحتجاز للتأكد من عدم احتجاز أي شخص خارج إطار القانون أو تجاوزه.. ووضع ضوابط بالأحكام الخاصة بالإعسار في القضايا الجنائية وتفعيل النصوص القانونية المتعلقة بالسجين كحل لتخفيف العبء عن السجين.
كما أوصى المشاركون في ورشة عمل “الموقف الشرعي والقانوني من استمرار حبس المحكوم عليه بعد أن قضى عقوبة الحق العام” التي نظمتها مؤسسة السجين الوطنية، بـ”تعديل تعليمات النائب العام بوضع آلية للتنفيذ في الحق الخاص بالنسبة للقضايا الجنائية من قبل لجنة مختصة”.. داعين الدولة إلى إنشاء صندوق خاص بالسجين وتحدد موارده من المال العام من الزكاة والضرائب والرسوم الأخرى والتعاون مع القطاع الخاص بما في ذلك شركات الاتصالات.. وتشكيل لجنة من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لإدارة الصندوق”.
وأكدت التوصيات على “أهمية تأهيل الورش الحرفية والمهنية الموجودة في السجون وإعادة تشغيلها وإنشاء ورش جديدة متنوعة التخصص بالتعاون مع القطاع الخاص وضمان استمرارية عملها، وإدخال موضوع السجين المعسر ضمن الميزانية العامة للدولة إضافة إلى تعزيز دور الدولة في تأهيل السجين وتشغيله خلال فترة العقوبة وإيجاد فرص عمل للسجين بعد انتهاء فترة العقوبة المحكوم عليها وتوريد مستحقاته بما يكفل تسديد الديون التي عليه، إلى جانب منح قروض ميسرة للسجين”.. منوهين بـ”تفعيل دور الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص لتسويق منتجات السجناء التي ينتجونها داخل السجون وبأعلى الأسعار حتى يتم تسديد ما عليهم من ديون”.
تحريك ملفات المعسرين
ودعت توصيات الورشة الجهات المختصة إلى “تكليف قضاة ونيابة في كل محكمة ونيابة لتحريك جميع ملفات القضايا التنفيذية في جميع النيابات والمحاكم والجهات الرسمية ذات العلاقة.. وتشكيل لجنة مشتركة من النيابة العامة والمحاكم والجهات الرسمية ذات العلاقة بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لمعالجة قضايا المعسرين.. واستخدام وسائل لتنفيذ الحقوق الخاصة دون استمرار في حبس المحكوم عليهم ومنها تقسيط المبالغ المحكوم بها عليهم من مرتباتهم أو أجورهم المتحصلة بعد الإفراج عنهم”.. إضافة إلى “تخصيص نسبة 10 % من الزكاة والضرائب خاصة بالسجناء والسجون”.
قضاة إعسار
وأكدت التوصيات على أهمية إعادة تنصيب وتفعيل قاضي إعسار في جميع محافظات الجمهورية للفصل في قضايا الإعسار وفقا لنصوص القانون، إضافة إلى ضرورة تفعيل العدالة التصالحية بين أطراف الخصومة القضائية لما يحقق مصالح الطرف المحكوم له والمحكوم عليه من قبل أعضاء التنفيذ وقضاة التنفيذ.. ودعت الجهات المختصة إلى “مباشرة إجراءات تنفيذ الحق المدني فورا بعد صدور الحكم القضائي النهائي بالمواكبة مع تنفيذ الحق العام وعدم الانتظار إلى تنفيذ الحق المدني إلى حين الانتهاء من الحق العام وعمل آلية واضحة ومشتركة من النيابات ومجلس القضاء”.

قد يعجبك ايضا