الجبير في بغداد .. لماذا في هذا التوقيت؟

> بعد قطيعة ربع قرن

تحليل/ جمال الظاهري

قبل أيام وصل الجبير وزير الخارجية السعودي إلى بغداد في زيارة اعتبرها الكثير من السياسيين والمحللين والدوائر السياسية العالمية تطوراً مفاجأً في مسار العلاقات العراقية السعودية, ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول في الخارجية العراقية قوله إن الجبير أبلغ المسؤولين في الخارجية العراقية أن بلاده تنظر في تعيين سفير جديد لها في بغداد, وفي تصريح من الجبير لوسائل الإعلام العراقية والعالمية قال: نتطلع للعمل معا ضد الإرهاب.
المسعى الرسمي لاستعادة العلاقات أتى من الطرف العراقي بعد وصول حيدر العبادي للسلطة بعد قطيعة دامت لربع قرن شابها الكثير من الخلافات والاتهامات بين البلدين, وتبنى هذا المسعى الرئيس العراقي فؤاد المعصوم ونتج عنه أن فتحت السعودية سفارتها في بغداد 2015م وعينت ثامر السبهان سفيراً لها في العراق.
السفير السعودي المعين لم يلبث طويلاً, حيث تم تقليص التمثيل بعد مطالبة الخارجية العراقية باستبداله, وتم تقليص التمثيل الدبلوماسي إلى قائم بالأعمال, على خلفية تصريحات أدلى بها السبهان اتهم فيها إيران بالتدخل في الشؤون العراقية وانتقد قوات الحشد الشعبي التي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي وأنها تضطهد السنة.
وبمراجعة بسيطة وعودة إلى العام 2014م بادر الرئيس العراقي فؤاد المعصوم لزيارة السعودية بهدف الوصول إلى تفاهمات تصب في خدمة البلدين وبما يجنب البلدين الكثير من التحديات الأمنية, حينها كان العراق بحاجة إلى مساعدة السعودية من اجل مواجهة التمدد للتنظيمات الإرهابية (داعش التي سيطرت على ما يقارب ثلث مساحة العراق وأصبحت قوة تنكل بالشعب العراقي وتهدد مستقبله, حينها أيضا كان الصوت السعودي مرتفعاً ويتشرط ويتهم ويخون ويهاجم إيران ويتهم شيعة العراق بالصفوية وبأنهم اذرع لإيران في المنطقة العربية وعلى النظام العراقي إن أراد العون أن يقطع علاقاته مع إيران أو أن ينفذ ما يطلب منه.
(مواجهة العاصفة)
اليوم جاءت المبادرة من قبل النظام السعودي الذي انتكس مشروعه وأصبح قاب قوسين من نهايته في الأرض العراقية, ومن نتائج هذه النهاية أن يصبح الأمن السعودي في مواجهة عاصفة قادمة سترتد عليه من قبل من أرسلهم لتدمير بغداد وتقسيم وتوصيف العراق تحت مسميات طائفية.
لماذا تأخرت السعودية ولماذا في هذا التوقيت؟ ببساطة ووفق الحسابات السعودية والمساندة الأمريكية البريطانية الفرنسية, كان من المفترض أن يكون عام 2016م عام النصر الحاسم للربيعيات العربية, وأن تكون نتيجته تسيد السعودية وانفرادها بالقرار الإقليمي, ولكن الواقع أتى بعواصف قادت سفنها باتجاه مغاير لما أراده بحارة الربيع الذي تحول إلى شتاء قارس وشديد القسوة.
وفي حين أنه لا يزال من المبكر الحكم على ما إذا كانت هذه الزيارة ناجحة وقد حققت الأهداف المرجوة منها بغض النظر عما أدلى به الطرفان من تصريحات اعتبرها الكثيرون ايجابية, إذ هنالك ما يبرر لهؤلاء تقديم التريث في الحكم على نجاح الزيارة من عدمه.. حيث أن هناك أكثر من قضية وعدد من الملفات العالقة والمتشابكة على مستوى المنطقة منها التوترات الطائفية التي تعمقت نتيجة للصراعات الدائرة في سوريا واليمن والدور السعودي في تغذية الجماعات الإرهابية المتطرفة التي دمرت العراق ومدى النفوذ الإيراني في هذه الصراعات إذ تتهم السعودية الحكومة العراقية بالقرب ممن تعتبره مصادر الخطر على الأمة العربية (إيران).
وزار “الجبير بغداد على رأس وفد سياسي وامني رفيع، ما يؤشر إلى أن هناك أولويات واهتماماً سعودياً كبيراً ناتجاً عن تطورات وسير المعارك التي حققت فيها القوات العراقية في الأشهر الأخيرة إنجازات كبيرة, حيث اقتربت ساعة الحسم والقضاء على الجماعات المتطرفة المسماة (داعش) وأن الأمر صار محسوماً وما هي إلا أيام ويتم تطهير عاصمة الخلافة التي أعلنها (البغدادي) عاصمة لدولته الإسلامية, وفي مقدمة هذه الاهتمامات الملفين الأمني والسياسي.
المسعى السعودي لاستعادة العلاقة مع العراق يأتي تزامنا مع التحرك الإيراني على مستوى منطقة الخليج حيث شهد الأسبوع الذي سبق زيارة الجبير للعراق زيارة للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى سلطنة عمان والكويت اللتين تعتبرهما السعودية من ضمن الفلك السعودي وتعمل على إبعادهما عن الفلك الإيراني ما أزعج النظام السعودي ووضعه أمام حقيقة لابد أن يتعامل معها وتزامنت الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودي للعراق مع الإعلان عن زيارات مكوكية يقوم بها الملك سلمان لأكثر من بلد آسيوي وأوروبي.
أبعاد
متابعون ومراقبون ذهبوا إلى ابعد من ذلك, حيث يقول أصحاب هذا الاستنتاج إن السعودية بدأت تشعر بالخطر وأن زيارة الجبير للعراق ليست تحولا استراتيجيا في سياستها تجاه العراق وإنما هي الحاجة الأمنية للمملكة بعد أن قطع العراق يد داعش وأوشك على سلب روحها في آخر معاقل خلافتها المزعومة عاصمة خليفتها (البغدادي), وأنها صارت في حاجة للتخلص من كل الملفات التي أدارتها في أكثر من بلد عربي, وكي تعيد حساباتها من جديد, وأنه في حال وجدت ترحيباً عراقياً قد تطلب من العراقيين أن يبذلوا مساعي مع السلطات الإيرانية تجنبهم إعلان الفشل والمزيد من الخسائر والانتكاسات في أكثر من بلد عربي على اعتبار أن العلاقات العراقية الإيرانية في أحسن أحوالها وبإمكانهم جر إيران لتسوية إقليمية شاملة.

الملف (الأمنى)
هذا الملف وفي ظل التطورات واقتراب الحسم لصحالح الجيش العراقي تولية السعودية اهتماماً كبيراً وأولوية قصوى لها ما يبررها, حيث أن اغلب المقاتلين من (داعش) سعوديون وأول مصادر التمويل والتسليح سعودي مضاف إلى ذلك ما كان قد أعلنه العراق عن أعداد كبيرة من الأسرى يحملون الجنسية السعودية, ولذا فإن الترتيب مع العراق الجديد الذي يحتل معظم المساحة الحدودية الشمالية أمر حيوي وغاية في الخطورة ولذا يجب التفاهم والتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية والإستخبارية العراقية من أجل تأمين الداخل السعودي من خطر الناجين من العراق وسوريا الذين قد يعبرون إلى الأراضي السعودية عبر العراق.

الداخل العراقي والموقف الرسمي:
أصداء الزيارة وآراء الداخل العراقي تنوعت بين التفاؤل والأمل والتشكيك وفقاً لحسابات ومواقف المكون السياسي والعقائدي التي تمثل هذا الطرف أو ذاك, ولكن ووفقاً للقراءة الشاملة والحسابات التي تتعدى الخصوصيات كان هناك رأي رسمي.
المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد جمال، في بيان أصدره بخصوص الزيارة وصفها بالإيجابية وقال: اعتقد أنها ستعطي زخما ايجابيا لفتح صفحة علاقات جديدة بين البلدين، موضحا أن عدم الإعلان المسبق عنها جاء تلبية لطلب الجانب السعودي وأن المحادثات تطرقت إلى العمل على فتح منفذ جميمة بين البلدين وتفعيل الطيران المدني للقيام برحلات جوية مباشرة بين البلدين.
فيما قالت النائبة سميرة الموسوي عضو لجنة العلاقات الخارجية: إنها جزء من تسوية إقليمية وعالمية لكافة البؤر التي تشهدها المنطقة، ومنطلقها التغيرات الأمنية.
ووافقها الوصف نائب رئيس اللجنة النائب محمد نوري عبدربه الذي قال: إن الزيارة مرحب بها ونتمنى أن تكون في مصلحة البلدين وان “المصالح العليا للدول قد تدفع الكثير من الفرقاء بالعالم للجنوح إلى الحوار والتهدئة, مشيرا إلى أن اثر الزيارة قد يشمل العلاقة بين روسيا وأمريكا أو روسيا وتركيا وغيرها من الدول”، لافتا إلى أن “المنطقة والعالم تمر بحالة تسوية إقليمية وعالمية وان زيارة الجبير جزء من تلك التسوية”.
وبالتأكيد الحسابات الدولية والتطورات الإقليمية كانت حاضرة وممهدة للزيارة وفي الحوارات التي أجراها الجبير مع القادة العراقيين وإن لم يتم الإفصاح عنها أو عما تم نقاشه منها إلا أنها وبدون شك كانت حاضرة وذات أهمية بالذات للجانب السعودي وبمراجعة بسيطة لما سبق الزيارة من تصريحات وتغيرات في المواقف والعلاقات بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين والدول الكبرى تتضح الأهمية لبقية الملفات التي ستتأثر بنتيجة الحرب على الأرض العراقية التي اقترب حسمها لصالح المحور المسمى بـ(الممانعة) والذي تتزعمه الجمهورية الإسلامية الإيرانية, وبداية الهزائم التي ستتوالى على المحور الموالي للغرب ولتوجهاته فيما يخص الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت عن بدايته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندوليزا رايس) وأيدته وتبنت تنفيذه الدول الخليجية وفي مقدمتها قطر والسعودية اللتان تنافستا على الوكالة الحصرية للتنفيذ واقعاً وإن لم تعلنا عن ذلك بالشراكة مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وتركيا.
(استدلالات)
قد يكون الجبير قاصداً الكثير من خلال تصريحاته الودية التي قال فيها إن السعودية تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات العراقية, ولكن أهم ما يمكن الاستدلال به، هو حجم السخط والشعور السعودي بالخسارة نتيجة انتصارات العراقيين, كما أن الخوف من توالي هذه الخسائر في ملفات المنطقة العربية الاخرى كالملفات (السوري والليبي والمصري واليمني) وبشكل اكبر خسارتها للحرب في اليمن التي ألقت فيها بكل ثقلها وتدخلت فيها بشكل مباشر كأحد اهم الهواجس التي تخشاها السعودية, فقبل ايام من الزيارة وفي تصريح لوسائل الاعلام قال الجبير إن العام 2017م سيشهد نهاية (للحرب اليمنية) حسب وصفه.
مؤشر آخر على الشعور بالخسارة والخيبة وحاجتها إلى مخارج ومساندة ولو لفضية وبما يرفع من حظوظ السعودية التفاوضية مع العراق حاليا ومع آخرين في المستقبل، ما جاء على لسان جاويش اوغلو قبل أسابيع من الزيارة وخلال لقائه مع الجبير في أنقرة في ختام أعمال اجتماع مجلس التنسيق التركي السعودي الذي انطلق بتاريخ 8/2/2017م حيث قال: إن تركيا ترى أمن واستقرار دول الخليج وعلى رأسها السعودية، من أمنها وسلامتها، مؤكداً التوافق بين أنقرة والرياض في مختلف القضايا, هكذا وبدون مناسبة وسبق ذلك اتهام من أنقرة لإيران بأنها تزعزع الاستقرار في المنطقة؟!
وقال:  “نحن نعمل من أجل أمن واستقرار المنطقة، ولدينا رؤية مشتركة لمكافحة الإرهاب, وقال إن علاقة بلاده مع السعودية تتميز بوضع خاص, وأعلن عن تشكيل 8 مجموعات للعمل المشترك منها السياسة والاستثمار والنقل البحري والتسليح, وكشف عن زيارة مرتقبة للرئيس أردوغان تشمل البحرين وقطر والسعودية، وهذه الدول الثلاث محسوبة على المطبعين الداعمين للربيعيات والمعادين والممولين لكل الحروب والفوضى التي اجتاحت الدول العربية الرافضة للتطبيع وللشرق الأوسط الجديد.
في ذات الأمر وفي نفس الخط نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس يجدد عزم الرئيس ترامب على التصدي لجهود إيران من أجل زعزعة استقرار العالم العربي متهما إيران برعاية الإرهاب ومحاولة هز استقرار الدول العربية, واصفاً الزيارة بالقول:”هذه الزيارة هي بداية لتقليم أظافر إيران في العراق، وتقدم دعما كبيرا لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في حربه ضد الإرهاب، ثم أنها بمثابة ضوء أخضر للدعم العربي”.؟!.

Aldahry1@hotmail.com

قد يعجبك ايضا