المتلاعبون بالعقول

صلاح الشامي
تسيطر قلة من الشركات والمتنفذين في سدة الحكومة العالمية الخفية، على العالم حالياً، من خلال سيطرتها على الإعلام والاقتصاد، وبهما تعمل على أدلجة التوجهات والأحلام البشرية، بما يتوافق مع جشعها الأسطوري في ابتلاع الخارطة بمن فيها، ولتيسير ذلك، تقوم بتخدير الشعوب، عبر التضليل الإعلامي، المسير لكافة إرادات الشعوب وفق الخطط المعدة مسبقاً، المدروسة والمطورة عبر مئات السنين.. لتجعل من شعوب البلدان المستهدفة أدوات مجندة لتنفيذ مآربها، بما يتعارض مع مصالح هذه الشعوب نفسها.. ما يخلق فجوة كبيرة بين إرادات الشعوب الحقيقية، وإراداتها الجديدة التي ما هي إلا إرادة تلك القوة الخفية، الكامنة وراء سحر المادة الإعلامية.
استلاب الإنسان إرادته، عبر تغيير قناعاته، يمثل أعلى درجات الاستعباد، والقمع، وهو ما سيفضي بالبشرية إلى الإضمحلال، وبالإنسانية إلى الزوال، وستبرز مجتمعات لا تمت إلى الإنسانية، ما لم تتضح الرؤية للبعض، ممن يعول عليهم إحباط الخطط والتوجهات الرامية إلى شيطنة الفكر الإنساني.
كرست سينما هوليود Hollywood cine film في العقود الأخيرة من أفلام الرعب وخاصة أفلام الزومبي zombie أي “المبتعثون من قبورهم للتو” ، تكريساً لخدمة المساعي الحثيثة لتغيير مسار البشرية ثقافياً واجتماعياً، فالطبقة المسيطرة عالمياً لم تكتفِ باستعباد البشرية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، بل تريد السيطرة الكلية “جسديا” ، بعد أن تكون قد سيطرت على العقول، بما لا يدع للفرد الفرصة للفكاك من براثنها، فالنظرية الغربية للسينما تنص على أنه يجب أن يكون الواقع انعكاساً للفيلم السينمائي، وليس العكس كالمدرسة الواقعية، ولهذا، نلمس اختلاف أنماط التفكير بين من يتعرضون للأفلام الأمريكية، عن أولئك الذين ليس لديهم اهتمام بمتابعة أفلام هوليود. فصناعة الفيلم الأمريكي هي صناعة للفكر البشري، وإعادة صياغة للمفاهيم العامة والراسخة، ولو بصورة بطيئة، تهدف ، عبر أجيال، للعصف بكل المعتقدات الإنسانية والثوابت الأخلاقية، وإعادة هيكلة المجتمعات – ولو بالقوة ( بالنسبة لتلك المجتمعات الخارجة عن سيطرتها )، إعادة هيكلتها وفق مصالح القلة المتربعة على قمة العالم اقتصادياً ومادياً، وكل ذلك سوف يتأتى لها بحرف بوصلة القناعات الإيديولوجية، لدى شعوب العالم، وهذا مايؤديه التضليل الإعلامي، وبكل جدارة.
إن الانسلاخ من الهوية، هو ما تهدف إليه القوى الرامية إلى إخضاع العالم لهيمنتها، وهو ما نراه الآن من سعي حثيث لدى أمريكا وحلفائها، للسيطرة الكاملة على مجمل المكون البشري، من أوطان وثروات وثقافة وفكر وتوجهات، فالأطماع الاستعمارية لا تقف عند حد، وهي تطمح إلى ضمان السيطرة المطلقة، التى تمكنها من الاطمئنان إلى وأد كل محاولة للرفض والثورة الكامنة في الشعوب المستهدفة قبل تكونها، بل قبل إتمام السيطرة الفعلية على هذه الشعوب، عبر إقناعها بقضية بديلة عن قضيتها الحقيقية، بل جعلها تتبنى القضاء على قضيتها، والوقوف معها ضد مصالحها، والمحاربة في صفها ضد أوطانها ومشاريعها المشروعة، والقضاء على كل بصيص للنور، قد يعيد إلى هذه الشعوب القدرة على رؤية واضحة لماهي عليه، وكذلك، لما ينبغي أن تكون عليه.
أخيراً، لن يكون للعقل قدرة على التمييز بين الواقع الفعلي، والواقع الخائلي، حتى يتحرر من تبعيته لوسائل إعلام قوى الشر العالمي، والقبول بالمحلي، على حساب الوافد الأجنبي، ومحاولة إعادة بلورة القناعات الجلية، ورفض القناعات المقنّعة، والعودة ٱلى الذات الواعية، والرقي بها عن تبعية الشائعات، والأحكام المعلبة للمواقف والاتجاهات العاصفة بالفكر والموقف المحلي.. فالبشرية جمعاء في كف عفريت، ما لم تنهض النخب للقيام بواجباتها.. ووتتكاتف الأمم المطحونة للنهوض بأعبائها لتلافي الوقوع في العبودية المطلقة للشر المطلق.
إن ما نشاهده من استقطاب للشباب، في العاصمة وبقية المحافظات، ليكونوا في صف العدوان، شاهد فعلي على تلك المؤامرة العالمية، التي تعتمد على الإقناع المقنع بالحيلة، والحجج الواهية، والأخرى المدعمة بشواهد تجعل منها قوية في نظر الشباب المفرغ من أي أساس ثقافي يُبنى عليه في تحصين الفكر اليمني من غزو الشائعات والحيل الملتوية والأحابيل العريضة في جعل أبناء الوطن الواحد عبارة عن شراذم قليلة واهنة خانعة، وسهلة الإجتياح..
وهنا، لابد من إيجاد وعي مجتمعي، والتصدي للشائعات وتفنيدها، عبر برامج تلفزيونية وإذاعية مستقلة، وعدم تركها تستشري، حتى يُعتقد أنها الحق، وأن ما دونها هو الباطل .. فنحن في زمن من يعمل فيه سيمر، ومن يتخاذل سيسحق تحت أقدام (زبالة) الفكر التخريبي، والمؤامرة العالمية، التي يقودها النظام الأمريكي والكيان الصهيوني وحلفاؤهم، ومن خلفهم حكومة العالم الخفية، متمثلة بأخطبوط الشركات متعدية/متعددة الجنسيات، بإعلامها المضلل للفكر الإنساني كافة.
———————-
*المتلاعبون بالعقول عنوان كتاب لـ (هربرت أ شيلر). 106 سلسلة عالم المعرفة. مارس ١٩٩٩م.

قد يعجبك ايضا