الباحث الإسلامي أسامة علي الخضر: علماء الغرب اليوم يبحثون عن القرآن الكريم

علم القرن الواحد والعشرين هو علم وحدة العلوم والنظرة الكلية والشمولية للكون والحياة والإنسان

انتهى الباحث الإسلامي أسامة علي الخضر من تأليف موسوعة علمية كبيرة بعنوان ( أسرار الكون والحياة والإنسان بين العلم والقرآن ) وهي دراسة تبحث في وحدة العلوم التي تشطرت بفعل التراكم الهائل للمعلومات في شتى التخصصات العلمية من جهة .. ومن جهة أخرى تبين الدراسة ان العلم الحديث بنظرته الكلية والعميقة للكون والحياة والإنسان قد أصبح جاهزاً لفتح حوار جاد مع الدين ، وقد اثبت الباحث أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يبحث عنه علماء العصر الحديث لينقذهم من الرؤية الضيقة التي أوصلت الإنسان المعاصر إلى ما وصل إليه من تشرذم وفوضى فكرية ونفسية بسبب فقدان القيادة الأخلاقية لهذه المنظومة المعرفية الهائلة .
ومع هذا الباحث وموسوعته المرتقبة كان لنا هذا الحوار :
* حدثنا عن مؤلفاتك السابقة التي بحثت في العلاقة بين القرآن الكريم والعلم الحديث ؟ ولماذا الاهتمام أصلاً بربط العلم مع الدين ؟
– أولاً بالنسبة لمؤلفاتي السابقة فقد تم إصدار أول كتاب لي بعنوان ( رؤية قرآنية لقوانين الكون ) عام 1998 م وهو عبارة عن دراسة في إعجاز القرآن الكريم في علم الفيزياء النظرية وهو العلم الذي درسته جيداً وبرهنت في هذه الدراسة أن قوانين الكون الفيزيائية هي بعينها قوانين الدين الإسلامي فبالتالي الدين الإسلامي هو دعوة الهية لانضمام الإنسان مع هذا الكون وقوانينه حتى لا يحدث الشذوذ والتنافر ..
وقد تشرفت بأن كتب لي مقدمة الكتاب المفكر الإسلامي الكبير د . مصطفى محمود صاحب برنامج ( العلم والإيمان ) والذي عشت معه أياماً لا أنساها .
أما الكتاب الثاني فقد قمت بتأليفه في المملكة الأردنية الهاشمية تحت إشراف الجمعية الفلكية الأردنية وهو بعنوان (القرآن والكون من الانفجار العظيم إلى الانسحاق العظيم ) وهي دراسة موسوعية في إعجاز القرآن الكريم في علم الفيزياء وعلم الفلك وعلم الكون وقد تم ترجمته إلى اللغة الانجليزية وأصبح مرجعاً علمياً في العديد من الجامعات العالمية الكبيرة .
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فإن الاهتمام بربط القرآن الكريم بالعلم الحديث فله عدة أسباب منها .. انه بعد تقدم العلوم الحديثة بعد عصر النهضة الأوربية ونظراً للصراع الرهيب الذي كان طوال العصر الوسيط في أوربا بين العلم والدين ساد الاعتقاد بأن المنهجية العلمية ونمذجة القوانين الكونية قد خلعت الدين من عرشة وسادت التصورات الميكانيكية المادية إلا أن تطور العلم قد سحق هذه الرؤية تماماً وعاد العلماء اليوم يبحثون عن فتح قنوات حوارية مع الدين وليس هناك من ديانة تجيب عن كل تساؤلات العلماء اليوم إلا الدين الإسلامي خاصة في إطار بحثهم عن القيادة الأخلاقية للبشرية التي تعيش اليوم أسوأ فترات الضياع والانحطاط في كل شيء .
الحضارات أعطت الكثير
* حدثنا عن أهم الخطوط العريضة للموسوعة الجديدة التي قمت بتأليفها خاصة وأنها قد تحدثت عن وحدة العلوم في نسيج مترابط وما مدى السبق العلمي للقران الكريم للثورات العلمية الحديثة ووحدة نسيجها في الصميم ؟
– بالنسبة للموسوعة فهي تعد دراسة تمهيدية عن الثورات العلمية الحديثة والرؤية الجديدة للعلماء بضرورة الرؤية الكلية والشمولية للكون والحياة والإنسان .. ولكن يمكن إعطاء القارئ الأفكار الأساسية التي استندت عليها هذه الدراسة الموسوعية ..
وقبل كل شيء لا بد من القول بأن المعرفة العلمية هي في جوهرها معرفة إنسانية تراكمية ذات اتصال وشيج بنمو الحضارات التي وان اختلفت في إشكالها إلا أنها اتفقت في مضمونها العميق وهو معرفة قوانين هذا الكون وكيف جاء والى أين وما هو موقع الإنسان واهميته في هذه الخريطة الكونية .. فلا شك أن الحضارات القديمة مثل الحضارة السومرية والبابلية والمصرية قد أعطت الكثير من الأدوات المهمة في مجال علم الرياضيات وعلم الفلك ثم جاءت الحضارة اليونانية والتي أبدعت في شق قنوات الفكر الفلسفي الإنساني إلى طرقة المعروفة سواء أكانت مادية أو عقلانية ثم جاءت النهضة العملاقة للحضارة العربية الإسلامية والتي فتحت آفاق البحث والإبداع على مصراعيه خاصة وأنها نتاج دين يبدأ كتابه المقدس ( القران العظيم ) بكلمة ( إقرأ ) ثم جاء عصر النهضة الأوربية التي استلهمت هذه الحضارة الإسلامية وتنوع إبداعها وصعدت إلى أفاق عليا والى يومنا هذا .. وسنبدأ عرض الثورات العلمية بدءاً من عصر النهضة الأوربية وذلك لسبب جوهري وهو انه كان ومازال إلى الآن عصر الصراع بين العلم والدين الذي أنتج كل الفلسفات والايديولوجيات التي عانى منها الإنسان معاناة قاسية مثل الماركسية والفاشية والنازية والفلسفات الوجودية والعبثية والبراجماتية
* إذن فلندخل إلى جوهر الأفكار العلمية التي دشنتها في موسوعتك ومدى ترابطها وتداخلها ؟
– أولا : الحديث عن علم الفيزياء : من المعروف أن هناك العديد من العلماء في عصر النهضة الأوروبي الذين ساهموا بدرجة هائلة في تقدم علم الفيزياء مثل جاليليو الايطالي و ديكارت الفرنسي ولكن تم تكوين الصرح الفيزيائي الضخم على يد الفيزيائي الانجليزي إسحاق نيوتن وكان أساس الصرح الفيزيائي النيوتني يقوم على مقولات مهمة مثل ( المكان المطلق أي المكان اللانهائي الحاضن لكل الأجرام السماوية والزمان المطلق أي الزمان الذي ينساب من الماضي إلى المستقبل في خط زمني واحد شامل لكل الكون ) أيضاً اعتمد نيوتن على فكرة السببية الفيزيائية أي أن لكل حدث سبباً معيناً وكذلك اعتمد على فكرة الحتمية أي انه يمكن التنبؤ بحركة الأجرام السماوية في المستقبل بدقة هائلة كذلك اعتمد على فكرة أن حركة الأجرام السماوية مبنية على فكرة الاستمرارية أي الحركة التي تنساب تدريجياً خطوة اثر خطوة .. كذلك اعتمد على فكرة المحلية أي أن الإحداث في الكون تتطلب سبباً موضوعياً مباشراً بحيث يستحيل أن تتم الأحداث عن بعد بدون وسيط ما وكانت النهاية ان الكون عبارة عن ماكنة ضخمة تديرها القوانين الفيزيائية فقط وهي فكرة الميكانيكية التي لا تحتاج إلى قوة خارجية تدير هذه الماكنة .
هذه هي أهم أساسيات فيزياء نيوتن التي ثبت نجاحها القاطع في وصف حركة الكون على المستوى الكبير لدرجة انه تم التنبؤ بوجود أجرام سماوية عن طريق تطبيق معادلات نيوتن الرياضية .. وكان أهم النتائج الفلسفية لميكانيكا نيوتن هي ظهور الفلسفات الإلحادية مثل الماركسية والوجودية والعدمية وغيرها بحيث أصبحت فكرة وجود قوة خالقة لهذا الكون غير علمية وتعد نصيرة للظلامية والتخلف الديني .
إلا أن نيوتن نفسه والعديد من العلماء المبدعين كانوا يرون ان هذه الدقة الرياضية التي يخضع لها الكون دليل ساحق على وجود خالق مقنن عليم بكل شيء وان هذا النظام لابد له من منظم .
وهو نفس ما جاء في القرآن الكريم عندما قال الله تعالى (والسماء رفعها ووضع الميزان ) فالسماء موضوعة بموازين ومقادير دقيقة مكنت الإنسان من أن يتنبأ بحركات الأجرام الكونية بهذه الدقة .
ثم جاءت ثورة هائلة في علم الفيزياء وهي نظرية النسبية الخاصة والعامة التي أبدعها الفيزيائي الرائع البرت أينشتاين وهذه الفيزياء الثورية حطمت فكرة المكان المطلق لنيوتن وأصبح المكان نسبياً ومتغيراً والزمان المطلق فأصبح الزمان نسبياً أي الزمان الذي يتغير طبقا للحركة كذلك حطمت النسبية فكرة أن المادة جسم صلب وفجر اينشتاين معادلته المشهورة التي بينت أن المادة والطاقة وجهان لعملة واحدة كذلك برهنت النسبية ان الجاذبية ليست قوة بل هندسة للمكان والزمان منحنية مقوسة حيث ان الشمس تغير من الخواص القياسية للمكان والزمان حولها فيصبح منحنياً وهذا الانحناء يجبر الكواكب أن تدور في مداراتها المنحنية المقوسة ومن إعجاز القرآن الكريم انه قد أشار إلى هذا النسيج الزمكاني المقوس للكون عندما قال تعالى ( من الله ذي المعارج ) فالمعارج هي المسارات المنحنية .. ثم وحد اينشتاين بين المكان والزمان فأصبح الكون مسرحا للمتصل الزمكاني حيث لا يمكن تصور المكان بلا زمان ولا الزمان بلا مكان .. وكانت نظرية النسبية لأينشتاين هي أهم نظرية كونية أعطت للعلماء مفتاحاً لدراسة هندسة الكون بأكمله وكانت هي النظرية الفيزيائية التي تنبأت بنظرية الانفجار العظيم أي خلق الكون .
ولكن على الرغم من ثورية نظرية النسبية فقد ظل أينشتاين متمسكا بالرؤية الكلاسيكية للكون مثل فكرة الحتمية والسببية والمحلية و الميكانيكية .
ثم جاءت الثورة الأعمق والأكبر في علم الفيزياء وهي ما تعرف بميكانيكا الكم أي فيزياء الذرة والتي أبدعها العديد من الفيزيائيين مثل ماكس بلانك ونيلز بوهر و فيريز هيزنبرغ ولويس دي برولي و اروين شرو زنجر وغيرهم.
وأهم ما جاءت به هذه الفيزياء الثورية هي أنها حطمت نهائياً كل الأفكار الكلاسيكية عن الكون وبينت أن فيزياء نيوتن وأينشتاين تعد شريحة سطحية عن الحقيقة الأعمق لهذا الكون وقد استندت على الآتي :
مبدأ التقطيعية بدلاً من مبدأ الاستمرارية حيث أن الذرة تخضع لقفزات كمية محددة حيث أن الالكترون مثلا يقفز من مدار لآخر في حركات مفاجئة متقطعة وليست بحركة مستمرة يمكن تتبعها كما تفعل الكواكب حول الشمس .
مبدأ عدم التحديد بمعنى ان لا يمكن معرفة حركة الجسيمات الذرية بدقة في المكان والزمان وأنها هناك فقط احتمالات وبذلك انهارت فكرة الحتمية في الفيزياء وهذا ما نطق به القرآن حيث قال الله تعالى ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو )
ثبت أولوية الوعي والراصد الخلاق الذي يحول الجسيمات الذرية من الاحتمالات إلى الحقائق .
انهارت المحلية في الفيزياء وأصبحت اللامحلية هي القاعدة الأساسية في فيزياء الكون واللامحلية هنا تعني التشابك والترابط لكل أحداث الكون فقد ثبت علمياً عن طريق تجارب فيزيائية عديدة أن الجسيمات الذرية تظل مترابطة حتى ولو كانت على ابعاد شاسعة في الكون مثل التجربة التي قام بها الفيزيائي ( الين اسبيكت ) عام 1982 م والفيزيائي ( نيكولس جيزن ) عام 1997 م والخلاصة لهذه الفيزياء الكمية الثورية أنها برهنت على وجود راصد واعي خارج الكون يحول الاحتمال إلى حقيقة وانهارت الحتمية والسببية وكل الأفكار التي استندت عليها الأفكار الإلحادية بهذه الفيزياء الذرية الرائعة .
الرياضيات بناء إبداعي
* وماذا عن الثورات في علم الرياضيات ؟ وهل تتشابه مع الثورات في علم الفيزياء ؟
الجواب – من المعروف أن الرياضيات هي اللغة الدقيقة للعلوم وهي الأداة التي استطاع من خلالها العلماء سبر قوانين هذا الكون والسبب في ذلك أن العقل البشري مبرمج غريزياً على خلق النماذج والرياضيات هي علم النماذج سواء أكانت هندسية أو عددية والرياضيات مثلها مثل سائر العلوم قد خضعت لثورات علمية متعددة سنقتصر على ذكر أهمها .. فمثلاً كانت هندسة اقليدس من أهم النظريات الرياضية الهندسية وهي الهندسة التي تعاملت مع الخطوط المستقيمة والسطوح الصلبة والدوائر والمربعات وغيرها وفي كتابه ( الأصول ) أنشأ اقليدس صرحه الهندسي الضخم وأصبحت بذلك هي الهندسة الوحيدة التي تم الاعتقاد بأنها تنمذج قوانين الكون وعندما جاء الفيزيائي إسحاق نيوتن اعتمد في إقامة صرحه الفيزيائي على هندسة اقليدس وبذلك ترسخت فكرة اليقين والحتمية الرياضية .
إلا أنه في القرن التاسع عشر انهارت هذه الحتمية الرياضية وهذا اليقين الرياضي عندما تم اكتشاف هندسات جديدة لا أقليدية مثل الهندسة التي أقامها الرياضي الروسي لوباتشيفسكي وهي هندسة السطوح المقعرة ثم الهندسة التي أقامها الرياضي الألماني ريمان وهي هندسة السطوح الكروية وبذلك عرف العلماء أن الرياضيات بناء إبداعي يختاره العقل الرياضي مادام البناء المنطقي الداخلي سليماً.
ثم جاءت ثورة أخرى في علم الرياضيات هدمت الصرح الميكانيكي والحتمي تماما وذلك عندما حاول كلاً من الرياضي والفيلسوف برتراندرسل والرياضي الفرد نورث وايتهد جْعْل الرياضيات مجرد لغة منطقية وقضايا مكررة مشتقة من المقدمات فمثلاً المعادلة الرياضية 1+1=2 هي مجرد تكرار وهذا هو سر اليقين الرياضي .. ثم وسع هذه الفكرة الرياضي الألماني ديفيد هيلبرت الذي أكد في برنامجه الفلسفي بأن الرياضيات تعد شبكة انيقة من الترابطات المنطقية لا علاقة لها بالواقع العملي ومن هنا ظهرت فكرة ( الصورية ) التي رسخت فكرة اليقين والحتمية في علم الرياضيات كما رسخ إسحاق نيوتن اليقين والحتمية في الفيزياء .
لكن في عام 1931م جاء الرياضي الاسترالي كارت جودل وحطم فكرة الصورية تماماً وبرهن على أن أي نظام منطقي رياضي يعد غير كامل وانه توجد قضايا لا يمكن إثبات خطأها أو صحتها وبالتالي لا يمكن البرهان على الاتساق الذاتي المنطقي للقضايا الرياضية وسميت نظرتيه باسم ( إلا اكتمالية ) وهي نظرية تشبه إلى حد بعيد جدا عدم التحديد في الفيزياء لهايزنبيرغ في ( الفيزياء الكمية ) وخلاصة هاتين النظريتين هي أن العقل البشري غير قادر على معرفة الحقيقة الكاملة كما قال تعالى ( وما اوتيتم من العلم إلا قليلا ).
* هل في موسوعتك الجديدة توضيحات أكثر لهذه القضايا التي تبدو معقدة وصعبة على القارئ العادي ؟
– نعم هناك الكثير من التوضيحات والأمثلة التي ارجوا أن تكون مفيدة للقارئ العام والمختص على حد سواء.
الكون ليس ساكناً
* وماذا عن علم الفلك والكون ؟
– نعم علوم الكون مرت بثورات هائلة حطمت كل الأفكار المادية والميكانيكية وأعادت قطار الإيمان بالله تعالى إلى مساره القوي والصحيح فعندما نشر أينشتاين نظريته النسبية العامة التي فسرت الجاذبية الكونية كمتصل زمكاني أي حقل هندسي بدأ أينشتاين يفكر في هندسة الكون بأسرة وأراد أن يكون الكون مستقرا ثابتا فأدخل حدا رياضياً يجعل الكون ثابتاً غير متغير ولكن رأى كلاً من الرياضي الروسي الكسندر فريد مان والفيزيائي البلجيكي جورج لاميتر أن معادلات أينشتاين الرياضية تسمح للكون بأن يتوسع ويتمدد وكانت هذه الفكرة مجرد أداة رياضية بحتة ولكن في عام 1929م أعلن الفلكي الأمريكي ادوين هابل أن الكون يتوسع فعلاً عن طريق رصد الطيف للمجرات التي رأها أنها تنزاح نحو اللون الأحمر ومعنى ذلك أن المجرات تتباعد عن بعضها فإذن الكون ليس ساكناً بل يتوسع ويتمدد وهذه الحقيقة الفلكية التي عرفت فقط في القرن العشرين قد قالها القرآن الكريم في قوله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون )
ويعني التوسع الكوني حاليا بأن الكون في الماضي كان متقاربا ويكون كتلة واحدة وكانت نظرية التوسع الكوني واحدة من الدلائل العلمية على نظرية خلق الكون أو الانفجار العظيم.
ثم في عام 1948م تنبأ الفيزيائي الفلكي الروسي جورج جاموف بوجود أشعة في الكون تعد بقايا أحفورية عن الانفجار العظيم للكون وبالفعل تم اكتشاف هذه الأشعة عام 1965 م وهي من صنف أشعة الميكروويف وتسمى في الفيزياء الخلفية الإشعاعية الكونية وقد اكتشفها كلاً من الفيزيائيين الأمريكيين ( بنزياس وويلسون ) وتسلما على هذا الاكتشاف جائزة نوبل عام 1979 م وتأكد بهذا الاكتشاف نظرية خلق الكون أي الانفجار العظيم وانهارت كل النظريات التي نادت بأن الكون أزلي وسرمدي وغير مخلوق ونظرية خلق الكون قد وردت في القرآن الكريم بقوله تعالى ( الم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وبالتالي دخل علم الكون منظومة الخلق والتصميم وعاد الدين إلى المشروع العلمي على المستوى الكوني في انصع صورة .
* وهل هناك ثورات في علوم الارض ( الجيولوجيا ) تتشابه مع الثورات التي حدثت في الفيزياء والرياضيات وعلم الكون ؟
– بالتأكيد أن الثورات التي حدثت في علوم الأرض تتناغم تماماً مع الثورات في باقي العلوم فمثلا في القرن التاسع عشر كانت الأرض تعتبر مجرد كرة قذفت مصادفة في النظام الشمسي بلا تصميم ولا غرض وتقوم بعمليات عشوائية غير ذكية في مجملها ولكن بدأت هذه الرؤية تختلف عندما بدأ الجيولوجي الروسي فلاديمير فيرنادسكي يرسخ ملاحظات تؤكد أن هناك علاقة وثيقة وحاسمة بين تطور الحياة والبيئة حيث رأى فيرنادسكي أن الحياة وترابطها مع سطح الأرض والمحيطات والغلاف الجوي هي القوة الخلاقة الكبرى لكوكب الأرض ثم تطورت هذه الفكرة الغائية على يد أستاذ الجيوفيزياء البريطاني جيمس لفلوك الذي برهن بعدة دراسات علمية على التوازنات البيولوجية والجيولوجية لكوكب الأرض وشبه هذه الصفة للأرض بالكائن الحي المتميز بالتوازن الدقيق لكل مكوناته وبهذه النظرية لجيمس لفلوك والتي تسمى (gaia) دخل علم الأرض مشروع العلوم الحديثة التي تخلصت من المادية والميكانيكة والصدفة وبرهنت على أولية الوعي والتصميم والترابط والتداخل لكل الظواهر …. والجدير بالذكر أن القران الكريم قد سبق الإشارة إلى نظرية التوازن البيولوجي والجيولوجي في الأرض بقوله تعالى ( وأنبتنا فيها من كل شيء موزون )
المحرك الأساسي للتطور هو الصراع
* وكيف دخلت علوم الحياة هذه الثورة ؟
– بالنسبة لعلم الحياة ( البيولوجيا ) فقد سيطرت عليه الداروينية (نظرية دارون) بشكل كبير منذ نشر كتاب دارون (أصل الأنواع) الصادر عام 1859م وهذه النظرية رأت أن الأحياء تطورت بشكل عشوائي وتصادفي من كائنات بسيطة ودقيقة إلى كائنات أكثر تعقيداً وفقاً لعملية مستمرة تدرجية خطوة اثر خطوة تسمى (الانتخاب الطبيعي ) وهذه الاستمرارية هي بعينها الاستمرارية التي جاءت بها فيزياء نيوتن .. واعتبر دارون أن المحرك الأساسي للتطور هو الصراع من اجل البقاء للأصلح والطفرات العشوائية .. إلا أن التطورات الحديثة في علوم الحياة قد نسفت آراء دارون تماماً سواء على مستوى السجل الحفري حيث لم يجد العلماء أي اثر للأشكال الانتقالية وتأكدت التقطعية.
ثم عندما نضج علم الكيمياء الحيوية وجد العلماء تعقيداً مذهلاً في التكوينات الحيوية لا يمكن أن تفسرها المصادفات العمياء وباكتشاف الحمض النووي DNA من قبل ( واطسن وكريك ) عام 1953م عرف العلماء أن الحياة ظاهرة معلوماتية لا يمكن تفسيرها إلا بوجود الذكاء والتصميم ومن إعجاز القرآن الكريم أن يخبرنا بأن الحياة عموماً والإنسان خصوصاً ظاهرة معلوماتية مثل الكتاب حيث يقول تعالى ( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم و عندنا كتاب حفيظ ) أي الكتاب الموجود عند الله تعالى المسجل فيه كل المعلومات عن الإنسان.
ثم وجد علماء البيئة أن الكائنات الحية لا تتصارع من اجل البقاء بل تتعاون وتتكافل في منظومة يسودها الترابط والتداخل بشكل كبير وبالتالي انصهرت علوم الحياة مع باقي العلوم في بوتقة واحدة يسودها الوعي والذكاء والترابط والتعاون ….
* وهل أشرت في موسعتك إلى علم النفس ؟
– نعم علم النفس أيضا دخل المنظومة الحديثة للعلم التي كسرت العلم التقليدي وانطلق في رحاب ثورية جديدة ورائعة تتناغم تماماً مع ما حدث في العلوم الأخرى .. فمن المعروف أن عالم النفس سيجموند فرويد الذي أسس مبادئ التحليل النفسي كان يوقر الدارونبية التي تعتمد في أساسها على فيزياء نيوتن .. حيث راى فرويد ان كل العمليات الذهنية هي عمليات لا واعية وان الإنسان لا يستطيع أن يسيطر على رغباته الغريزية بمعنى انه فاقد للإرادة الواعية…. ثم جاءت المدرسة السلوكية التي تزعمها عالم النفس ( سكنر ) والتي أرجعت كل السلوك الإنساني إلى عوامل حيوية مكونة فقط من المثير والاستجابة أي عمليات ميكانيكية بحتة عارية من الإرادة … وهي أفكار تتناغم تماما مع ما جاءت به فيزياء نيوتن التي اعتبرت الكون ماكنة تحركها القوانين الفيزيائية فقط ..
ولكن بتقدم الدراسات والبحوث في مجال علم النفس يثبت ان الإنسان له إرادة واعية يستطيع من خلالها توجيه عملياته الذهنية الواعية واللاواعية وان أولية الوعي والإرادة هي جوهر السلوك الإنساني وهذا ما أثبته الطبيب النفسي الأمريكي ( جيفري شوارتز ) في عدة تجارب نفسية هائلة برهن من خلالها أن الإنسان يستطيع أن يتغلب على عدة إمراض نفسية وعضوية بالإرادة
وهذا ما نطق به القرآن الكريم عندما قال تعالى ( بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو القى معاذيره )
ثم فُتح المجال بشكل واسع لبحوث علم الباراسيكولوجي وهو علم دراسة الظواهر النفسية والروحية مثل توارد الخواطر والجلاء البصري وإدراك الأحداث عن بعد وغيرها وظهرت العديد من الكتب والدراسات التي أدخلت هذا العلم ساحة العلم التجريبي ولقد برهن هذا العلم أن لدى الإنسان وعيا متصلاً بالوعي الكوني الأعمق وتناغمت هذه الدراسات النفسية مع فيزياء الكم التي برهنت على اللامحلية بمعنى ترابط وتشابك وتداخل كل الظواهر الكونية .. ولقد أشار القران الكريم إلى ترابط العقول البشرية والقوة النفسية والروحية لدى الإنسان التي تتجاوز الظواهر المادية المحدودة كما قال الله تعالى على لسان النبي يعقوب ( اني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ).
ثم ظهرت مدرسة في علم النفس تسمى ( الجشتالطت ) على يد عالم النفس ماكس ويرذمير وعالم النفس ولفجانغ كوهلر وهي مدرسة ترى أن النفس الإنسانية جوهر مترابط كلي ولا يمكن النظر إلى النفس الإنسانية كأجزاء منفصلة وهكذا دخل علم النفس النظرة الكلية والشمولية والترابطية التي جاءت بها فيزياء الكم وباقي العلوم.
*السؤال الأخير هل ترى أنه يمكن إدخال برنامج وحدة العلوم في الدراسات الأكاديمية.
– أتمنى ذلك والموسوعة التي نتمنى أن ترى النور بإذن الله تعالى هي خطوة في نشر هذا الوعي الذي أصبح مطلباً علمياً وثقافياً على مستوى علماء العالم الذين اكتشفوا أن النظرة الجزئية الضيقة لم تعد تجدي في ظل هذا الانفجار المعلوماتي الضخم والذي أعاد قطار الإيمان بالله تعالى إلى مساره الصحيح وصدق الله العظيم عندما يقول في محكم تنزيله ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) .

قد يعجبك ايضا